Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ظاهرة "لاجئي مقاهي الإنترنت" في اليابان ترافق كورونا

الوباء كشف مشكلة المشردين ودعوات إلى حمايتهم داخل قرية "طوكيو 2020" للألعاب الأولمبية

بعد إغلاق مقاهي الإنترنت اليابان تواجه مشكلة المشرّدين (غيتي)

الطبيعة الضيّقة لمقاهي الإنترنت في طوكيو تعني أنه لم يكن مفاجئاً بشكلٍ كبير لجوء السلطات في اليابان إلى إقفالها، كجزءٍ من جهودها للحدّ من انتشار وباء فيروس كورونا. في المقابل، أدى إعطاء الأولوية للتباعد الاجتماعي، إلى إماطة اللثام عن مشكلة قبعت تحت السطح أعواماً طويلة.

ومع عمل مقاهي الإنترنت في طوكيو على مدار الساعة، فقد أسهمت في حجب معدّل التشرّد في اليابان. وقد أفادت وزارة "الصحّة والعمل والرعاية الاجتماعية" العام الماضي، بأن إجمالي عدد الذين من لا مأوى  لهم في البلاد يبقى في حدود 4977 شخصاً.

وثمة وصمة عار اجتماعية تتصل بالتشرّد في تلك البلاد، حيث اعتاد كثيرون على العمل مدى حياتهم. وغالباً ما يتحمّل أولئك الذين يجدون أنفسهم عاطلين من العمل، روتيناً يوميّاً يتضمن حشر أجسادهم في أماكن ضيقة تشبه العلب، داخل تلك المقاهي. وعادةً ما تتوافر فيها مشروبات تحتوي على الكافيّين، تكون معروضة في زاوية مبهرة من تلك المرافق التي تشبه إلى حدّ ما الملاذات أو النزُل. لكن معظم مرتادي تلك الأماكن يأتون لمجرّد اللجوء إلى أروقتها القذرة حيث يجدون كشكاً بالكاد يكفي كي يدخلوا فيه مع كل ممتلكاتهم. وعلى الرغم من ذلك، تسهم تلك الأكشاك في تأمين بعض الراحة والخصوصية الثمينة بالنسبة لهؤلاء، لمدّة تصل إلى اثنتي عشرة ساعة، بكلفة لا تتعدى ألفي ين ياباني (نحو 18.5 دولاراً أميركيّا).

ويوضح أرنولد فانغ الباحث في "منظّمة العفو الدولية" في شرق آسيا أن "هذه الظاهرة تكشّفت في الأعوام الأخيرة، لا سيما مع النساء اللواتي لم يكن لديهنّ مكان سكن مستقرّ".
ويضيف أن "مقهى الإنترنت مكان يمكن استئجاره بالساعة، وفي استطاعتك استئجار مساحاتٍ صغيرة للغاية، بحجم مقصورة استخدام جهاز الكومبيوتر، يحتوي بعضها مراحيض ومرافق للاستحمام. إذا كنت لا تستطيع تحمّل تكاليف السكن الرسمي، يمكنك العيش مع حقيبة ثياب، وأن تواصل الدخول إلى (والخروج من) مقاهي الإنترنت".
 
وبحسب حكومة العاصمة اليابانية طوكيو، يستخدم أربعة آلاف شخص في الأقل، مقاهي الإنترنت للنوم، لأن لا سكن آمناً لهم في أي مكان آخر من المدينة، على الرغم من وجود حوالى 80 في المئة من الأفراد العاملين فيها حاضراً.
وقد واجهت مقاطعة هونغ كونغ أيضاً مشكلةً مماثلة في الأسابيع الأخيرة، حينما صار المجتمع المعروف باسم "ماك رفيوجز" McRefugees [حرفيّاً، لاجئون إلى مطاعم "ماكدونالد"] عرضةً للخطر بشكلٍ خاص، بعد إغلاق مطاعم الوجبات السريعة تلك.
وفي سياق متصل، سجّلت اليابان حتى صباح يوم الثلاثاء الفائت، وقوع 11135 إصابة بـ "كوفيد 19" و263 وفاة فيها، وفقاً لـ"جامعة جونز هوبكينز". وفي طوكيو التي يعيش فيها حوالى 14 مليون شخص، ولّد الوباء جوّاً غريباً منذ إعلان حال الطوارئ فيها في 7 إبريل (نيسان) الجاري. فقد فرضت الأمكنة المختلفة تحدّياً فورياً للمشرّدين بشكل كبير، إضافة إلى الضغط الذي أحدثته على صحّتهم الذهنية.

وفي ذلك الشأن، تذكر هانا غوزي مديرة السياسات لدى مؤسّسة "كرايسز"Crisis الخيرية البريطانية التي تُعنى بشؤون المشرّدين، "إنه أمر مزعج للغاية. تجري عملية إخلاء في المدن الكبيرة"، في إشارةٍ منها إلى الاتّجاه العالمي الذي بات يعيشه مَنْ يعانون التشرّد.

وتضيف أنه "أساساً، بالنسبة إلى الأشخاص الذين ينامون في العراء، يعتبر هذا الوضع مزعجاً للغاية. إذ يمكن أن يشعر هؤلاء الأشخاص بانقطاعٍ عن المجتمع لدى رؤية مدينة كبيرة تُخلى فجأةً من الناس، ويصبح هذا الأمر مرعباً جدّاً. وكذلك تختفي فجأة الأماكن التي يذهبون إليها عادةً لتناول الطعام أو الشراب".

ونتيجةً لذلك، صار مفترضاً بـ"لاجئي مقاهي الإنترنت" تكبّد مشقة العثور على أماكن إقامة بديلة. ومع ذلك، فقد تُرك كثيرون من دون خيار عملي قابل للاستمرار. واستطراداً، وصفت منظّمة "موياي" الخيرية للتشرّد (مقرّها طوكيو)، السياسة الحكومية لرئيس الوزراء شينزو آبي [بشأن المشردين]، بأنها "مثيرة للإرباك"، بسبب فرضها أن يمتلك [كل منهم] عدداً من الوثائق المختلفة.
وفي سياق مماثل، يشير أونيشي رين رئيس منظّمة "موياي" إلى أن "المقاهي السيبرانية لم تعد متاحة، وبالتالي فقد أشخاص كثيرون مأواهم". وأضاف، "لقد أعدّت "حكومة مدينة طوكيو" فنادق كي تكون ملاذاً لهؤلاء، لكن لا يوجد فيها سوى ألفي وحدة، فيما عدد لاجئي مقاهي الإنترنت أكبر من ذلك، ما يعني أنها ليست كافية. وقد أُبلِغَ الأشخاص غير القادرين على الإقامة في فنادق أو أولئك الذين ظلّوا هناك [في مقاهي الإنترنت] بضعة أيام أو أسبوعاً، بوجوب الانتقال إلى ملاذٍ آخر يسمّى "موتاي" (يضمّ مرافق إقامة منخفضة الكلفة).
واستطراداً، يعتقد أونيشي رين، "إنّ الظروف في "موتاي" أسوأ كثيراً من مقاهي الإنترنت لأنه يتوجّب عليك البقاء فيها مع أشخاصٍ آخرين في الغرفة نفسها. وفي أسوأ الحالات، يتوجّب عليك البقاء مع 20 شخصاً آخر في غرفة واحدة، وفي الوقت الراهن يُعدّ هذا الوضع هراءً محضاً".
وبسبب ذلك، تجد اليابان نفسها في وضع غير مستقرّ، مع العلم أن الأزمة تستدعي تحرّكاً ملحّاً لإعادة إسكان المشرّدين، مع وجوب توخّي الحذر أيضاً من عدم تفاقم المشكلة. وينبّه البروفيسور نيكولاس بليس مدير السياسة الاجتماعية في "جامعة يورك"، من أن الأشخاص المشرّدين المتجمّعين في مرفق أو مقر خدمة مجتمعية، قد يضحون بمثابة عامل تسريع لمسبّبات المرض.
 
ويرى البروفيسور بليس أن "الخطورة قد تكون داخل مقار بعض الخدمات أكثر مما هي عليه خارجها. يجب ألا يبقى أحد في الخارج ثانية واحدة، إذ توجد مخاطر وجوانب حرمان لا نهاية لها مرتبطة بذلك".
ويضيف، "في المقابل، أن تكون في الخارج مع امتلاكك القدرة على ممارسة التباعد الاجتماعي إلى حدّ ما، يشكّل خطراً أقل بالمقارنة بوجودك داخل ملجأ طوارئ كبير، وتكون فيه جنباً إلى جنب مع عدد كبير من الأشخاص داخل المساحة نفسها فيتنفسّون هواء بعضهم بعضاً".
لذا، قد يكون مجمّع "طوكيو 2020 للألعاب الأولمبية" قادراً على أداء دورٍ محوري خلال الأزمة، إذ يمكنه استيعاب نوع مختلف من الإرث الأولمبي عن النوع الذي تخيّلوه قبل أعوام عدّة. وفي الشهر الماضي، جلست اللجنة المشرفة عليه مكتوفة الأيدي، في وقت عانى فيه عالم الرياضة مشكلة الوباء بشكل جماعي، قبل التوصّل إلى إرجاء موعد هذه الألعاب إلى 2021. وقد تكون قرية الرياضيّين المهجورة الآن بمثابة درع لآلافٍ من الذين يتطلّعون بشدّة إلى البقاء في منأى عن عدوى "كوفيد 19".
وفي ذلك السياق، وفق كلمات أونيشي، "نطالب الحكومة بفتح قرية الألعاب الأولمبية التي يوجد فيها أكثر من 15 ألف وحدة سكنية. نريد أن تفتح الحكومة هذه المنشأة أمام أولئك الذين فقدوا منازلهم. حتى لو فعلت ذلك، فسيكون سكنهم فيها موقّتاً ومجرّد مأوى. بعد ذلك، يتعيّن على الحكومة تقديم الدعم لتأمين مزيد من المساكن الآمنة. نحن في حاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد لمساعدة هؤلاء الناس".
 
وعلمت صحيفة "الاندبندنت" أنه لا توجد بعد مقاربة رسمية حيال استخدام منشأة "طوكيو 2020" للألعاب الأولمبية من قبل الحكومة اليابانية، فيما لن يكون ذلك الأمر بسيطاً لأنه يتطلّب التوصّل إلى اتفاقٍ في هذا الاتّجاه ينخرط فيه مقاولو البناء وجيران المجمّع واللجنة المنظّمة.
وقد أصبح العالم الآن أكثر وعياً بالمأزق الذي يواجهه آلاف من الأشخاص، ما يعني أن هناك أملاً في أن تكون الأزمة بمثابة نقطة تحوّل في المعركة نحو القضاء على أزمة التشرّد. وحقّقت فنلندا التي كانت لفترة طويلة رائدةً في اعتماد نهج "الإسكان أولاً"، نجاحاً هائلاً في هذا الإطار.
في المقابل، سيؤدي الركود الاقتصادي الذي لا مفرّ منه مع خروج العالم من هذه الأزمة، إلى تحويل التركيز إلى إجراءات تتخذ للحدّ من تأثير الفيروسات المستقبلية، إذ سلّط وباء "كوفيد - 19" الضوء على أوجه القصور في نظام الرعاية الاجتماعية.
ويشير البروفيسور بريتش إلى أن "الكلفة النهائية لعدم وجود أشخاص في سكن ملائم، سواء كان بسبب فيروس "كوفيد 19" أو أي عنصر وبائي آخر، تتمثّل في أنك جعلت الناس يعيشون في مواقف يمكن أن ينتشر فيها الوباء كالنار في الهشيم. وبعدها، تنتقل العدوى من السكّان المهمّشين أو المحرومين، فتطاول عموم الناس".
 
ويستطرد مشيراً إلى أن "لا أحد في مأمن من ذلك، والأدلة تتصاعد إلى أن الجيران المكتظّين يتأثّرون أكثر من سواهم. وإذا كنت تريد القضاء على هذا الجانب أو على الأقل احتواءه عبر التركيز على السكن، فإن ذلك يمثّل الطريقة التي يتعيّن اتّباعها. وإذا لم تُعالج احتياجات السكّان المشرّدين أو الأفراد الذين هم في حاجةٍ ماسّة للسكن أو المستبعدين من السكن، فأنت بذلك تعرّضهم للخطر".
وفي ذلك الصدد، تحدّث بريتش أيضاً عن "كل القضايا الإنسانية التي تواكب ذلك، وتشمل غالباً الأشخاص الضعفاء الذين يعانون ظروفاً أوصلتهم إلى تلك الوضعية. ثم يأتي السؤال الأوسع حول السلامة الاجتماعية والجدوى الاقتصادية للمجتمع. لذلك، يتوجب معالجة تلك الجوانب كلها".
وكخلاصة، فمن شوارع طوكيو المهجورة إلى لندن وغيرهما من المدن، فضح الوباء أخيراً أولئك الذين أهملوا لفترة طويلة جدّاً ظاهرة التشرّد. ويتمثّل الأمل الآن في أنه من قلب الكآبة، قد تمثّل الأزمة حافزاً على تعزيز الاعتقاد بأن الإسكان يجب أن يكون حقّاً من حقوق الإنسان.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات