عندما قررت أوبك+ تخفيض الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً، في اجتماعها منذ حوالى أسبوعين، تساءل عدد من الناس، بما في ذلك مسؤولون في أوبك+ عن مشاركة الولايات المتحدة في التخفيض، بخاصة أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعدداً لا بأس به من أعضاء مجلس الشيوخ طالبوا السعودية وروسيا علناً بتخفيض الإنتاج، ووعد ترمب بتخفيضه. وحصل لغط كبير حول الموضوع، حتى في وسائل الإعلام، وذلك لأن الوضع القانوني للموارد الطبيعية في الولايات المتحدة يختلف عن أي بلد آخر في العالم.
وكما توقع الخبراء، فإن مساهمة الأميركيين والكنديين كانت في التخفيض القسري الذي أجبر المنتجين على إغلاق الآبار، وستكون النهاية انخفاض كبير في إنتاج كل من الولايات المتحدة وكندا بنسبة أكبر من 23 في المئة التي أقرتها أوبك+.
ومن الواضح الآن أن الانخفاض في إنتاج أميركا الشمالية من النفط سيكون كبيراً بسبب انخفاض الأسعار إلى ما دون التكاليف التشغيلية، وقد تجاوزت 3.5 مليون برميل يومياً. إلا أن إغلاق الآبار يعني أن غالبيتها ستعود إلى الإنتاج مع ارتفاع الأسعار، ولكن الانخفاض في الإنتاج سيكون كبيراً في كل الحالات. لماذا؟ لأن معدلات النضوب في آبار الصخري عالية وتتراوح بين 55 و65 في المئة سنوياً. تاريخياً، قامت الشركات بزيادة الإنفاق الاستثماري وحفرت المزيد من الآبار، فعوّضت عن الانخفاض وزيادة، فارتفع إنتاج النفط الأميركي. الآن انخفضت معدلات الاستثمار بشكل لا يمكن فيه التعويض عن نضوب الآبار، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج.
مشكلة ترمب
الرئيس ترمب ليست لديه القوة القانونية لإجبار منتجي النفط الأميركيين على تخفيض أو وقف الإنتاج. إلا أن لديه خيارات أخرى كلها صعبة، خصوصاً في سنة الانتخابات الرئاسية. من ضمن هذه الخيارات، ملء الاحتياطي الاستراتيجي بمقدار 75 مليون برميل لامتصاص بعض الفائض من السوق. إلا أن هذا يحتاج إلى تمويل، والكونغرس رفض تمويل هذه العملية. ومن هذه الخيارات، السماح للشركات بملء الاحتياطي الاستراتيجي بنفسها الذي يمكن أن تستخدمه في أي وقت، إلا أن هناك مشكلات في ذلك أيضاً لأسباب سياسية واقتصادية وفنية.
كما يمكن لحكومة ترمب أن توقف صادرات النفط الأميركية لتخفيض المعروض العالمي من النفط، ولكن هذا سيؤذي المنتج الأميركي. ويمكنه وقف واردات النفط تماماً أو من دول معينة، إلا أن هذا مكلف جداً سياسياً واقتصادياً ولن يرفع أسعار النفط، وسيضر المصافي الأميركية.
ويمكن لترمب أن يفرض ضرائب جمركية على واردات النفط بالكامل أو على بلاد معينة، كما فعل مع مواد ودول أخرى. إلا أن فرض ضرائب جمركية على واردات النفط سيؤذي المصافي الأميركية ويرفع أسعار المنتجات النفطية، وهو أمر لا يريده ترمب. كما أن الأسعار سترتفع في البداية ثم ستنخفض، لأن هذا سيخفض الصادرات.
ومن ضمن الخيارات أيضاً الدعم المالي المباشر لشركات النفط الأميركية. ويمكن لهذا الخيار أن يتخذ عدة أوجه، منها تقديم مساعدات مالية مباشرة وإعطاء إعفاءات ضريبية، أو ضمانات بنكية لقروض ميسرة، أو الدخول مع الشركات كشريك. طبعاً، لكل سياسة مزاياها وعيوبها.
مشكلة الولايات النفطية
قرار إجبار المنتجين الأميركيين على تخفيض إنتاج النفط في يد الولايات، وليس الحكومة الفيدرالية. ففي ولاية تكساس، تمتلك مصلحة سكة حديد تكساس القوة القانونية لإصدار قرارات بشأن تخفيض الإنتاج ضمن شروط معينة حددها القانون. ولكن ككل قانون وضعه الإنسان، فهو قانون قاصر، وفيه ثغرات كثيرة. فالقانون يطالب مصلحة سكة حديد تكساس بإجبار المنتجين على تخفيض الإنتاج في حالة "الهدر"، إلا أنه لم يحدد تماماً ما معنى الهدر. لهذا نجد أن كل فئة تحدد الهدر وفق مصلحتها. ففي الاجتماع المفتوح الذي عقدته المصلحة في بداية الشهر (كل اجتماعات المصلحة مفتوحة)، تم الاستماع إلى شهادة أكثر من 60 شخصاً وشركة من مؤيد ومعارض لتخفيض الإنتاج، ومن هو مستقل لا يؤيد أي من الجانبين. وبدا واضحاً بعد أكثر من 10 ساعات من النقاش أن المشكلة كلها تكمن في تعريف كلمة "الهدر". فالشركات المؤيدة لتخفيض الإنتاج ترى أن "الهدر" يتمثل في الخسائر المالية للشركات الناتجة من وجود أسعار أقل من التكاليف. لهذا فهو "هدر اقتصادي". بينما يرى المعارضون للتدخل الحكومي أن "الهدر" هو رمي المادة نفسها والتخلص منها مثل حرق الغاز أو النفط، أو إلقاء النفط في مسطحات أرضية، والأمر لم يبلغ هذا الحد، بالتالي لا حاجة لتدخل حكومي. كما يقول المعارضون إن الصناعة تقوم بإغلاق الآبار في كل الحالات، وقد يكون تخفيض الإنتاج أكبر بكثير مما يطمح إليه الذي يريده، بالتالي فلا حاجة لتدخل حكومي. كما يتهمون من يطالب بتدخل حكومي بأنهم يحاولون توزيع خسائرهم على الآخرين، لأن أي قرار بتخفيض الإنتاج يقع على كل المنتجين في تكساس بالنسبة نفسها (ماعدا صغار المنتجين الذين ينتجون أقل من 100 برميل يومياً).
المهم في الأمر أن المصلحة لم تصوّت حتى الآن على الموضوع، على الرغم من أنها اجتمعت في الأسبوع الماضي، وأجلت القرار حتى الشهر المقبل.
أما في أوكلاهوما، فإن المصلحة المسيطرة قانونياً على قطاع النفط والغاز، "مصلحة شركة أوكلاهوما"، فلديها القوة القانونية لإجبار المنتجين على تخفيض الإنتاج، تماماً كما حصل منذ 90 عاماً، ومثلها مثل مصلحة سكة حديد تكساس. وقررت المصلحة أن تعقد اجتماعاً للسماع للشهود يوم 11 مايو (أيار) المقبل. والملاحظ أن اللوبي نفسه، الذي يطالب بتدخل حكومي لتخفيض الإنتاج في تكساس هو الذي يطالب بتخفيض الإنتاج في أوكلاهوما. كما يطالبون بتنسيق التخفيض بين الولايتين. ونظراً لأن المشكلة واحدة، وتتعلق بتعريف "الهدر"، قام هذا اللوبي بالضغط على المصلحة لإصدار قرار في الأسبوع الماضي لصالح أحد المنتجين، يعطل فقرتين في العقد بين هذه الشركة "الخاصة" والمالك "الخاص" للأرض، والمتعلقتين بالاستمرار بالإنتاج والقيام بحفر آبار جديدة كل فترة معينة. هاتان الفقرتان مهمتان لصاحب الأرض لأنه يجني أموالاً من ذلك. وكانت الحجة القانونية للمصلحة في قرارها أن بيع النفط بسعر أقل من تكاليفه هو "هدر"، بالتالي فإنه من حق شركة النفط وقف الإنتاج على الرغم من أن هذا الوقف ينافي العقد.
المشكلة أن ما فعلته هذه المصلحة التابعة لحكومة ولاية أوكلاهوما بدا كأنه حل نزاع بين شركة صغيرة وصاحب أرض، إلا أنها قامت قانونياً بتعريف "الهدر" قبل الاجتماع المفتوح المقرر يوم 11 مايو! هذا يعني أن المصلحة قد أصدرت قرارها بتخفيض الإنتاج حتى قبل الاجتماع، بسبب تعريفها للهدر على أنه هدر اقتصادي بسبب الخسارة المالية للشركة.
ولضمان نتائج أفضل مما حصل في تكساس، قام اللوبي نفسه بتشجيع المصلحة على مطالبة واشنطن بإعلان كورونا نوعاً من الطوارئ، بالتالي فإن ذلك يمكّن المنتج من عدم الالتزام بالعقد مع مالك الأرض، ويُمكّن المصلحة من تعريف "الهدر" على أنه هدر اقتصادي.
خلاصة الأمر أن الإنتاج الأميركي سينخفض في كل الحالات، وقد يكون بأكثر من 23 في المئة التي أقرتها دول أوبك+، سواء تم إقرار التخفيض في تكساس أو أوكلاهوما أولاً، وبغض النظر عن أي سياسة ستتبعها حكومة ترمب.