انتهت ليلة ساخنة في قطاع غزّة، بعد سلسلة غارات شنتها طائرات إسرائيلية، استهدفت مناطق عدّة تتبع للفصائل في مختلف محافظات القطاع، وبحسب جيش الاحتلال، فإنّ ذلك يأتي رداً على إطلاق قذيفة صاروخية من غزّة سقطت في مجمع أشكول الاستيطاني.
مقتل فلسطيني
سبق القصف العنيف على القطاع، مقتل مواطن فلسطيني، وإصابة 42 آخرين، بينهم سيدتان و15 طفلاً، بالإضافة إلى 4 مسعفين وصحافيَين، برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، في الجمعة الـ 50 لمسيرات العودة وكسر الحصار شرق قطاع غزة. ويبدو أنّ تصعيد الجيش الإسرائيلي ضدّ غزّة، جاء تأكيداً لتهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أثناء زيارته منطقة غلاف غزّة، لحركة حماس بالردّ بقوة على أيّ اعتداء ضدّ إسرائيل.
تدهور خطير في غزة
لم يكن هذا التصعيد هو الأول من نوعه، بل سبقه تدهور خطير للأوضاع الأمنية في قطاع غزّة، عندما وجّهت إسرائيل ضربتها الأعنف لحماس بعد حرب 2014 في شهر يوليو (تموز) الماضي، بحسب قول نتنياهو، واستهدفت خلالها مواقع سكنية مدنية، ومقرّ فضائية الأقصى. ليس ذلك فسحب، بل زادت الأوضاع تدهوراً بعدما شكلت الغارات الإسرائيلية حزاماً نارياً في محافظة خان يونس جنوب القطاع في محاولة لإنقاذ القوة الخاصة التي تسللت إلى هناك، لتنفيذ مهمة، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
"مستر" أمن
المختص في الشأن الإسرائيلي عاهد فروانة يرجع التصعيد الإسرائيلي ضدّ قطاع غزّة، لأحد أنواع الدعاية الانتخابية، في ظلّ مواجهة نتنياهو منافسة كبيرة من حزب أزرق أبيض، يعدّ تغيراً جديداً في المنافسة الانتخابية لم تشهدها إسرائيل منذ 10 سنوات، وخلال الفترات الانتخابية الثلاث الماضية. أوضح فروانة أنّ نتنياهو يحاول أنّ يظهر كـ "مستر أمن" أمام منافسه في الانتخابات الاسرائيلية، الذي يضم ثلاثة رؤساء أركان سابقين، وهذا ما يشكل تهديداً لنظرية رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنّه القادر على حماية دولته، لافتاً إلى أنّ هذه المنافسة تدفع نتنياهو لتصعيد الأوضاع بشكل تدريجي في القطاع. أضاف "لا يريد نتنياهو أنّ تتدحرج الأمور في غزّة لمواجهة عسكرية، بل يبحث عن تصعيد محسوب في ظلّ الأوضاع الأمنية الهشة في قطاع غزّة، ويهدف من ذلك إلى إيصال رسالة للمجتمع الاسرائيلي بأنّه قادر على حمايته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهر فروانة أنّ نتنياهو يحاول الدفاع عن نفسه في ظلّ تعرضه لانتقادات شديدة، واتهامه بشراء الهدوء على الجبهة الجنوبية بالمال، ومن خلال تصعيده في القطاع يحاول تغيير هذه الصورة السيئة التي تشكلت عنه، ويستعيد هيبته الأمنية. وبيّن أنّ نتنياهو يقامر في تصعيده ضدّ غزة، ويريد أنّ يدفع الملف الأمني ليتصدر الساحة الإسرائيلية، للتغطية على الفضائح التي باتت تلاحقه، في ظلّ الحديث عن نية المستشار القضائي تقديم لوائح اتهام ضدّه، وهذا ما يعني أنّه سيعتزل العمل السياسي. وأظهر فروانة أنّ نتنياهو يريد أن يوصل رسالة للمجتمع الاسرائيلي بأنّه قادر على الملف الأمني بشكل أفضل من حزب الجنرالات المنافس له في الانتخابات، فضلاً عن إخفاق حماس في استغلال الانتخابات لتحقيق أهدافها بتخفيف الحصار عن غزّة.
تفاوض تحت النار
وتوقع فروانة أنّ تبقى المواجهة بين غزة وإسرائيل في إطار ضربة مقابل ضربة من دون الانجرار لمواجهة كاملة، في ظلّ وجود ضغوط مصرية على الساحتين لمحاولة فرض تهدئة شاملة، وعدم انفجار الأوضاع الأمنية في المنطقة. ولفت إلى أنّ رئيس الأركان الجديد يركز على قطاع غزّة في المواجهة العسكرية مع إسرائيل واعتبرها حتمية، فاستدعى قوات من الشمال للمشاركة في مناورة على الحدود، في محاولة لتعويض الاخفاقات الاسرائيلية الأخيرة في القطاع.
وبشأن الجهود المصرية المبذولة في تثبيت تهدئة، أشار إلى أنّ نتنياهو يريد التفاوض مع حماس ولكن تحت النار، ومن موقع قوّة، وأن يظهر وكأنّه يرفض التهدئة في ظلّ الضغوط الإقليمية القوية للوصول لتهدئة شاملة في القطاع. وأكّد أن نتنياهو يقبض منذ عام 2009 على الساحة السياسية داخل إسرائيل، ويسيطر على رئاسة الوزراء، ووزارات الاتصالات، والخارجية، والدفاع، لينال لقب ملك إسرائيل المتوّج، ويلعب بقوّة في ملف الأمن، وكلّ ضربة عسكرية ضدّ غزّة تكون بناء على قرار منه.
فرصة للوفد المصري
المتحدث باسم حركة حماس في غزّة حازم قاسم قال إنّ نتنياهو يُصرّ من خلال عدوانه على القطاع، على الظهور بشكله اليميني المتطرف، لحصد المزيد من الأصوات في الانتخابات الإسرائيلية، بعد تراجع شعبية معسكره. أضاف "الاحتلال يحاول عسكرة مسيرات العودة وكسر الحصار، عبر تعمد القصف المتواصل على أهداف في قطاع غزّة، وهذا لا يخدم الجهود المبذولة لتخفيف حدّة التوتر في قطاع غزّة". ورأى قاسم أنّ نتنياهو يعتمد في الانتخابات على الدم كأحد أشكال الدعاية، ويحاول الظهور بمظهر اليميني القوي القادر على ضرب الفلسطيني كجزء من اللعبة الانتخابية.
وبشأن الجهد المصري المبذول في محاولة تثبيت وقف إطلاق النار، والوصول لتهدئة بين حماس واسرائيل في قطاع غزّة، بيّن قاسم أنّ الاحتلال لا يكترث كثيراً لإحراج الوسطاء، ويتصرف في الموضوع العسكري بعيداً من أيّ اعتبارات، وهذا جزء من سياسة نتنياهو العدوانية. ولفت إلى أنّ الفصائل ستعطي الدور المصري الوقت الكافي لإنجاح التفاهمات من أجل تخفيف المعاناة عن قطاع غزّة، مع ضمان حق غرفة العمليات المشتركة في الفصائل بالرد على جرائم الاحتلال في ضوء المعطيات السياسية.