أحدث الملياردير وارن بافت، رئيس شركة بيركشاير هاثاواي القابضة، صدمة جديدة في الأسواق المالية الأميركية والعالمية، بعد أن أعلن بيع كل الأسهم التي تمتلكها شركته في أكبر 4 شركات طيران أميركية، وهي: "دلتا إيرلاينز"، و"أميركان إيرلاينز"، و"ساوث ويست إيرلاينز"، و"يونايتد إيرلاينز".
ويأتي هذا الإفصاح في وقت تعاني فيه الأسواق المالية حالة تذبذب كبيرة، إثر توقّف الاقتصادات العالمية على خلفية وباء فيروس كورونا.
الاجتماع السنوي
وجاء إعلان بافت في الاجتماع السنوي لشركته مع المساهمين، التي تعتبر أكبر شركة استثمارية بالعالم، إذ تمتلك حصصاً في كبرى الشركات العالمية. وتعدُّ تحركات بافت بوصلة المستثمرين في الأسهم، إذ إنّ أي قرار يتخذه يلحقه فيه كثيرون من الشركات المالية والمستثمرين الكبار، ومن هنا تأتي أهمية إعلانه بيع كل أسهم شركات الطيران، الذي يفسّر على أنه "إعلان وفاة لهذا القطاع" الأكثر تضرراً من أزمة وباء كورونا.
وحتى نهاية 2019 كانت المؤسسة تملك حصصاً كبيرة في شركات الطيران، بما في ذلك 11 في المئة بدلتا إيرلاينز، وعشرة في المئة بأميركان إيرلاينز، ونحو عشرة في المئة بساوث ويست إيرلاينز، وتسعة في المئة بيونايتد إيرلاينز، وذلك حسبما جاء في تقريرها السنوي، وتقارير الإفصاح الخاصة بها التي نقلتها "رويترز".
خسائر قطاع الطيران
وألغت شركات الطيران الأميركية مئات آلاف الرحلات، بعدما انخفض الطلب على السفر بالولايات المتحدة نحو 95 في المئة، ولا يوجد جدولٌ زمنيّ واضح لعودة الرحلات إلى مستويات ما قبل الأزمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال بافت، "توقعات صناعة الطيران تغيّرت بشكل كبير في غضون بضعة أشهر فقط"، مضيفاً "اتخذنا القرار، وسحبنا الأموال بشكل أساسي حتى مع تكبّد خسارة كبيرة. لن نموِّل شركة نعتقد أنها ستلتهم الأموال في المستقبل".
ومع أن هذا الأمر كان متوقعاً، إذ توجد خسائر بنحو 40 مليار دولار لقطاع الطيران العالمي حسب اتحاد النقل الجوي الدولي، الذي توقّع هذه الخسارة للربع الأول، بينما توقع خسائر بـ252 مليار دولار لإيرادات القطاع هذا العام. لكن المفاجأة أن شركة بافت تركت قطاع الطيران الأميركي، وكأنها لا تتوقع أي أمل منه مستقبلاً، رغم أنّ الإدارة الأميركية قدّمت إنقاذاً بقيمة 58 مليار دولار، لمساعدة قطاع الطيران الأميركي، بينما اعتبر بافت أنّ أي دولار مُستثمَر في القطاع هو "خسارة مستقبلية".
وقال بافت، "(بيركشاير) استثمرت نحو سبعة مليارات دولار أو ثمانية مليارات في حصص شركات الطيران الأربع، لكننا لم نحصل على أي شيء، مثل سبعة أو ثمانية مليارات، وكان ذلك خطئي. أنا مَنْ اتخذ القرار".
تكاليف إضافية
ويرجّح المحللون أن هناك تكاليف إضافية ستتكبّدها شركات الطيران حتى لو عادت إلى التشغيل قريباً. فمن ناحية ستكون هناك إيرادات أقلّ بسبب عدد مقاعد الطيران، الذي سيقل بفعل شروط التباعد الجسماني، إذ ستضطر الشركات إلى إلغاء بعض المقاعد بالطيارات، لكي تمتثل إلى هذه الشروط. إضافة إلى ذلك، توجد تكاليف تشغيلية متعلقة بشروط التعقيم الصارمة.
والأهم، أن مفهوم الطيران سيتغير، إذ لن يقوم الناس بالسفر إلا للضرورات في السنوات القليلة المقبلة، كما أنّ ضعف الاقتصادات العالمية وعودتها إلى النمو سيحدّان من الطلب على الطيران عموماً.
مفاجآت بيركشاير هاثاوي
وهذه ليست المرة الأولى التي يترك فيها اجتماع مجموعة "بيركشاير هاثاوي" السنوي أثراً فريداً في الأسواق، إذ ينتظر هذا الاجتماع ملايين المستثمرين، ويعدّ مرجعاً في عالم الاستثمار. وهذه السنة كانت مفاجأة قطاع الطيران، بينما كانت مفاجأة العام الماضي دخول المجموعة في قطاع التكنولوجيا، والاستثمار في شركتي "أبل" و"أمازون"، علماً أن هذا القطاع ظل بعيداً عن اهتمامات وارين بافت وذراعه اليمنى تشارلي مونغر، نائب رئيس مجلس الإدارة، بسبب أسلوبهما البسيط في الاستثمار، الذي يعتمد على مدى قدرتهما على فهم الاستثمار قبل الدخول فيه. وكان الاثنان ينظران إلى شركات التكنولوجيا على أنها "ذات أصول من الصعب تقييمها بالطريقة التقليدية التي تتبعها (بيركشاير)".
وكانت ظهرت أسئلة مُلّحة في الفترة الأخيرة عمّن سيقود مجموعة "بيركشاير" بعد وفاة بافت ومونغر، إذ يبلغ الأول من العمر 89 عاماً، والثاني 95 عاماً.
وتعتبر آراء الاثنين في الاقتصاد والاستثمار بمثابة خريطة طريق للمستثمرين في كبرى الشركات التي تملكها مجموعة "بيركشاير"، التي تبلغ قيمتها السوقية نحو 445 مليار دولار. وتتخذ المجموعة أهمية كونها تملك أسهماً في عشرات الشركات، على رأسها: أبل، وبنك أوف أميركا، وبنك ويلز فارغو، (أكبر بنك في الغرب الأميركي)، وكوكا كولا، وأميركان إكسبرس، وكرافت هاينز، وغيرها.
وتمتلك مجموعة بافت نحو 128 مليار دولار "كاش"، ما يفسّر لماذا تحركاتها ربما تغيّر قواعد اللعبة في أسواق الأسهم.