قبل أكثر من عام بدت أن المواجهة الأميركية - الإيرانية وشيكة. ففي أبريل (نيسان) 2019، أدرجت واشنطن "الحرس الثوري" الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية، ثم فرضت عقوبات على قطاع الفولاذ والحديد الإيراني، وأرسلت تعزيزات عسكرية إلى المنطقة. ووجهت أصابع الاتهام إلى طهران في شن هجمات في السعودية والإمارات. وبلغ التوتر ذروته في يناير (كانون الثاني) المنصرم، مع اغتيال أميركا قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري، قاسم سليماني، بمطار بغداد.
ولكن إدارة ترمب تتفاوض اليوم مع طهران في وقت تلتزم استراتيجية إحكام العقوبات عليها، وتهدّد بتدمير الزوارق العسكرية الإيرانية في الخليج. وتقضي الصفقة بإفراج السلطات الإيرانية عن مقاتل سابق في البحرية الأميركية (48 عاماً)، مايكل وايت، مقابل إفراج واشنطن عن طبيب إيراني - أميركي اعتقله الأميركيون، على ما أبلغ مسؤول إيراني بارز عائلة الجندي السابق. وهذه المفاوضات ملفتة واستثنائية نظراً إلى تعاظم التوتر والتلويح باللجوء إلى القوة العسكرية بين إدارة ترمب والحكومة الإيرانية.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن نائب مدير المصالح الإيرانية في سفارة باكستان بواشنطن، أبو الفضل مهرأبادي، أن المفاوضات تقضي بالإفراج عن مايكل وايت (48 عاماً) المحتجز في إيران منذ نحو عامين. ولكن هذه المفاوضات لم تبلغ خواتيمها بَعد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعتقل طهران 4 أميركيين على أقل تقدير، منهم ثلاثة متحدرين من إيران. ومن جهتها تقول إن الولايات المتحدة تعتقل عشرات الإيرانيين.
ويرجح أن لجائحة كورونا سهماً في هذه المفاوضات حول تبادل السجناء. فـ"وايت" أصيب بفيروس كورونا في السجن، وأطلق سراحه مؤقتاً في مارس (آذار) في إطار إطلاق سراح مؤقت للسجناء من أجل احتواء العدوى. وكان من وقتها في رعاية سفارة سويسرا بطهران، وهي ممثلة المصالح الأميركية في إيران. ويقول الناطق باسم عائلة وايت إن الأخير تعافى من العدوى.
وعلى الرغم من مفاوضات تبادل الأسرى، تدهورت العلاقات بين البلدين على مختلف الصعد منذ انسحاب إدارة ترمب من الاتفاق النووي مع إيران المُبرم في عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، في أيار (مايو) 2015. وأسهمت الخطوة الأميركية في تقويض الاقتصاد الإيراني. فإثر الاتفاق، ارتفع الناتج القومي الإيراني 12.5 في المئة في 2016، وتواصل نموه المطّرد في 2017. ولكن منذ انسحاب إدارة ترمب من الاتفاق قبل عامين، تراجع النمو الاقتصادي الإيراني وحقق نمواً سالباً بلغت نسبته 5.4 في 2018، و7.6 في المئة في 2019. وتوقع صندوق النقد الدولي أن يهبط الاقتصاد الإيراني 6 في المئة في 2020.
ورفض البيت الأبيض النزول على دعوات تخفيف العقوبات لأسباب إنسانية أثناء أزمة فيروس كورونا. ويسعى وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، إلى تمديد مجلس الأمن الأممي حظر السلاح على إيران الذي تنتهي صلاحيته في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ولوّحت طهران بعواقب وخيمة إذا وافق مجلس الأمن على تمديد حظر التسلح التقليدي عليها. والمفاوضات تدور في وقت تقدم طهران على إجراءات تصعيدية واستفزازية، فهي رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم عن الحدّ الذي يسمح به الاتفاق النووي، وأطلقت قمراً صناعياً عسكرياً، وتتوسل بميليشيات في الشرق الأوسط تحارب عنها بالوكالة. وأعلن الرئيس الأميركي ترمب على "تويتر" الشهر الماضي أنه أمر بتدمير الزوارق الإيرانية إذا اعترضت طريق السفن الأميركية في الخليج.
ويلفّ الغموض الطبيب الذي ترغب إيران مقايضته بوايت. فاسمه لم يعلن بعد، ويقال إنه يحمل الجنسيتين الأميركية والإيرانية. وثمة سجين ثالث تسعى طهران إلى استعادته، هو العالم سيروس أصغري، 59 عاماً، ثبتت إصابته بالفيروس التاجي الأسبوع الماضي أثناء وجوده في حجز إدارة الهجرة والجمارك، في انتظار ترحيله. وفي مقابلة هاتفية، قال أصغري إنه لا يعمل لمصلحة الحكومة الإيرانية أو القوات المسلحة، لكنه أجرى أبحاثاً وأبرم عقد عمل في صناعة الطيران المدني والعسكري في إيران.
وقال أصغري إن المسؤولين الإيرانيين تواصلوا مع عائلته أكثر من مرة ليعرضوا اسمه للتبادل مع وايت وشيو وانغ، الباحث الصيني - الأميركي. وكان سراح وانغ أطلق في تبادل مع عالم إيراني آخر في ديسمبر (كانون الأول). ولكنه رفض أن تدرج قضيته في عملية تبادل للأسرى لأنه بريء ولم يرتكب أي ذنب. ويُتوقع أن يفرج عنه ما إن يُستأنف السفر بعد انقضاء جائحة كورونا.
وهذه المفاوضات لم تحل دون رفض ترمب مشروع قانون قدمه الكونغرس يقيد صلاحياته في استخدام القوّة ضد إيران من دون موافقته. ويبدو أن التصعيد والتفاوض يدوران في وقت واحد.