يقوم نجاح حزب المحافظين الانتخابي على أكتاف المتقاعدين وأصواتهم.
وكانت الانتخابات الأخيرة مثالاً واضحاً على ذلك، إذ خلُص تحليل لمؤسسة "إيبسوس موري" Ipsos Mori إلى أن 64 في المئة ممن تزيد أعمارهم عن 65 سنة صوتوا لصالح المحافظين، أي حوالى ثلثي عدد الناخبين المسنين الإجمالي. وهكذا كان الوضع لعقود عدة. لكن الشيء الوحيد الذي تغير في الانتخابات الأخيرة هو أن المحافظين نجحوا بانتزاع ناخبين أصغر سناً من حزب العمال، إذ فازوا بأصوات شباب كان أصغرهم في الـ 39 من عمره.
وحرص الحزب خلال ولاية ديفيد كاميرون على مكافأة أنصاره من المتقدمين بالسن على ولائهم، وذلك من خلال حماية المتقاعدين من أسوأ إجراءات تقشف لحقت ببقية قطاعات البلد. لكن الحال تغير الآن.
وهذه هي المجموعة السكانية نفسها التي باتت مستهدفة من قبل "قاطع طريق غير مرئي"، كما وصف بوريس جونسون الفيروس الذي يهدد بارتكاب أبشع جرائمه ضد المتقدمين في السن. وتفيد الأرقام الصادرة عن "مكتب الإحصاءات الوطني" بأن المتقدمين في العمر ممن هم في سن ّ الـ 65 فما فوق، يشكلون أغلبية ساحقة من ضحايا الفيروس بلغت نسبتها 88 في المئة من العدد الإجمالي للوفيات التي تسبّب بها.
مع ذلك، لعلك تعرف من خلال تصريحات بعض النواب البارزين في حزب المحافظين، أن أكثر الاحتجاجات صخباً ضد الإغلاق التام، والدعوات لرفعه بسرعة، آتية من أولئك الذين يتشبثون بالأساليب الشعبوية لكسب الناخبين.
لنأخذ على سبيل المثال السير غراهام برايدي Sir Graham Brady، الذي يرأس لجنة 1922 لأعضاء مجلس العموم المحافظين الذين لا يحتلون مناصب حكومية. فهو قال في المجلس إن على الحكومة أن ترّكز على "إزالة القيود والقواعد التعسفية والكفّ عن التضييق على الحرية بأسرع ما يمكن".
وأعلن برايدي أنه "في بعض الحالات، قد يبالغ الناس قليلاً في استعدادهم للبقاء في البيوت".
لكن، لا، هذا غير صحيح، يا سير غراهام، فالشعب شهد بوريس جونسون، ينطق بالحقيقة، ولمرة واحدة، من خلال شعاره القائل "ابقوا في البيوت، احموا خدمة الصحة الوطنية، وانقذوا الأرواح"، وتصرف على ضوء ذلك.
فقد أثبت الشباب وبشكل كبير، أنهم ما زالوا يحبون أجدادهم كثيراً ولا يريدون لهم أن يتعرضوا للإصابة بالمرض القاتل، ولو كان العديد منهم لا يحبون الحزب الذي يؤيده أجدادهم.
لو اقتصر تأييد هذا الرأي على السير غراهام، الذي يبدو لي أنه يجيد من خلال هذا الموقف تأدية شخصية الإمبراطور بالباتين Emperor Palpatine ( الخرافية للشرير الأكبر في "ملحمة النجوم")، لهان الأمر. لكن، ولسوء الحظ، هناك كثير من مقاتلي النخبة الذين يؤازرونه في مجلس العموم. أحد هؤلاء الميامين هو إيان دانكان سميث، زعيم حزب المحافظين الأسبق، الذي نشر مقالاً في صحيفة "ديلي تلغراف" بغرض الحثّ على إنهاء حالة الإغلاق.
يبدو أن دانكان سميث، الذي أغضب كثيراً من الأشخاص ذوي الإعاقة خلال فترة عمله وزيراً، قرر أن الوقت قد حان كي يضحي المتقدمون بالسن بأنفسهم لأجل المصلحة العامة. أيها المتقاعدون، من فضلكم اصطفوا في طابور بمكتب البريد كي تؤدوا واجبكم الفيروسي الوطني؟ وتعبيراً عن الامتنان لكم على خدمتكم، أنا متأكد أنه ستكون هناك بانتظار كل منكم هدية هي عبارة عن شارة "إيان دانكان سميث" المميزة. الرجاء أن تبرزوها كوسام على صدروكم حتى لو انتهى بكم الأمر إلى التنفس عبر رئات معطوبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وستيف بيكر، هو الآخر واحد من أعضاء مجلس العموم الذين أخذ منهم الهياج كل مأخذ، إذ وصف القواعد المتبعة بأنها "غير معقولة، وغرائبية واستبدادية". شخصياً، أجد العيش في بلد يجعل بيكر نائباً منتخباً، أمراً غير معقول وغرائبياً، لكن ذلك قد يكون رأيي أنا الشخصي.
مع ذلك، لم يبلغ أي من هؤلاء المحافظين ما بلغه نظراؤهم من أعضاء الحزب الجمهوري الأميركي، الذي تدعمه فئات عمرية مماثلة تعرضت سلامة أفرادها أيضاً للازدراء.
هكذا قال دان باتريك، النائب المتقدم في العمر لحاكم ولاية تكساس، إن "هناك أشياء أكثر أهمية من العيش"، في تعبير أناني عن رغبته في إعادة فتح ولايته بشكل يضمن الحفاظ على وظائف أبنائه وأحفاده.
وإذا كان هو فعلاً غير مبالٍ بحياته، فربما يتوجب عليه أن يتطوع للعمل في ولايته منظفاً في مستشفى أو بائعاً في بقالية، لإظهار تضامنه مع مواطنيه. لكنه قد يكون أكثر صدقاً من نظرائه في إظهار ازدرائه الملموس لإجراءات الإغلاق الصحي.
جاء تصريحه المذكور آنفاً في مقابلة أجرتها معه محطة "فوكس نيوز"، التي يضم جمهورها نسبة غير عادية من المشاهدين المتقدمين في السن.
وكان عدد من الوجوه البارزة في الحزب الجمهوري، قد وصفوا أول الأمر الجائحة بأنها مؤامرة حيكت لإلحاق الضرر بشعبية حبيبهم دونالد ترمب، قبل أن يتراجعوا عن هذا الموقف.
فهم أيضاً، دعوا إلى إنهاء سريع للإغلاق التام، وذلك لأنه يُؤذي سوق البورصة، ومعها محافظهم الاستثمارية أيضاً. هذا ما يفعله بالتأكيد.
لعل ما يجعل جونسون مختلفاً، هو أنه ذاق تجربة الإصابة بالفيروس. فاضطراره للمكوث في المستشفى وضخ الأوكسجين إلى رئتيه، جعلاه أكثر حذراً قليلاً من بقية أعضاء حزبه.
وهذا الحذر سيتمّلككم أيضاً إذا تعرضتم للإصابة بفيروس كوفيد-19، مثلي ومثل أولئك الذين سيعانون منه من دون توقف لأسابيع عديدة.
لذلك، يبدو أن إجراءات الإغلاق ستُرفع بشيء من الحذر، كما ينبغي أن يحصل نظراً لوجوب تفادي مخاطر تفشي الفيروس من جديد واستئناف معدل الوفيات تصاعده مرة أخرى.
يبدو أن جونسون غير متفق هذه المرة مع زملائه من جناح اليمين الشعبوي في حزب المحافظين، على الرغم من احتمال إلقاء العصي في العجلات في بريطانيا وأميركا معاً، ما سيعرقل نجاح الإجراءات الصحية التي تتطلب تخطيطا متأنياً.
والحق أن الكثيرين يظهرون وكأنهم يريدون توجيه ضربة لناخبيهم، ما يطرح السؤال عن عمق الدرك الذي تبدو هذه الحركة مستعدة للهبوط إليه. والإجابات عن هذا السؤال قد بدأت تثير المخاوف حالياً.
© The Independent