يعتقد مطّلعون في أوساط صناعة السفر أن الحكومة دفعت بمئات من شركات تنظيم العطل السياحية إلى الإفلاس، عبر قرارها فرض الحجر الصحي الإلزامي لمدة 14 يوماً لكل من يصل جواً إلى المملكة المتحدة.
وبعد شهرين من إعلان "منظمة الصحة العالمية" أن فيروس كورونا أصبح جائحة عالمية، أعلن رئيس الوزراء البريطاني فرض الحجر الصحي الإلزامي على الوافدين الجدد الواصلين جواً.
وتنصح المنظمة بأن الحجر الصحي إجراء يفيد في المراحل المبكرة الأولى من انتقال الفيروس. في المقابل، صرح بوريس جونسون أن هذه السياسة ضرورية لمنع حدوث قفزة ثانية في أعداد المُصابين بفيروس كورونا.
وبحسب كلماته، "كي نمنع تجدّد العدوى الآتية من الخارج، ومع تراجع العدوى داخلياً بشكل كبير، أعلن أن فرض الحجر الصحي على الناس القادمين إلى هذا البلد جواً سيبدأ قريباً".
وسيجري التعامل مع ركاب الخطوط الجوية الآتين من كل الأمكنة خارج البلد باستثناء جمهورية إيرلندا وربما فرنسا، كأنهم يحملون فيروس كورونا. وسيُطلَب منهم أن يعزلوا أنفسهم في مسكن خاص لمدة أسبوعين.
وبموجب اتفاق منفصل بين جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ستتشاور المملكة المتحدة وفرنسا قبل فرض كل منهما إجراءات للحجر الصحي على البلد الآخر.
ولأن رئيس الوزراء أوضح أن الحجر الصحي لن يُطبَّق على ركاب القطارات أو العبّارات، سيسهل على المسافرين الأفراد إلى المملكة المتحدة أن يتحايلوا على هذه السياسة. إذ لن يحتاجون سوى للسفر إلى باريس أو أحد موانئ القناة الإنجليزية، ثم ركوب قطار أو عبّارة. كذلك لن يتأثر المسافرون الذين تنتهي رحلاتهم في ميناء بريطاني.
ولم يُحدَّد تاريخ بدء تطبيق سياسة الحجر الصحي الخاصة بالوافدين جواً من بلدان أخرى أو مدّة استمرارها، لكن التسريبات من الحكومة تشير إلى احتمال سريانها عند نهاية الشهر.
وعلى رغم أن الحجر الصحي متّبع على نطاق واسع، شكل ذلك الإعلان الحكومي، وافتقاره إلى الوضوح أيضاً، صدمة في صفوف الشركات التي تعاني بالفعل من الإغلاق شبه الكامل لصناعة السفر.
وقبل الإعلان، عكفت شركات طيران ومؤسسات السفر مثل "توي" و"جت2" Tui and Jet2 Holidays، على التخطيط لـ"مشروع الإقلاع". واستهدف مشروعها إعادة تشغيل عملياتها بدءاً من يونيو (حزيران)، وتوسيع نطاق الرحلات الجوية في يوليو (تموز)، وصولاً إلى برامج شبه طبيعية في أغسطس (آب) الذي يعتبر شهر الذروة للرحلات وتستطيع الشركات أن تفرض فيه أسعاراً مرتفعة.
واستطراداً، تعني الطبيعة المميزة لأغلبية عمليات تلك الشركات أنها لا تستطيع بسهولة أن تستفيد من الثغرة التي تمثّلها القطارات والعبارات،
إذ لن يتقبّل الشخص العادي حين يسعى إلى تمضية عطلة سياحية، إضافة 14 يوماً من العزل الذاتي الصارم إلى رحلته المزمعة أو لن يرغب في ذلك.
وكذلك ليس واضحاً مدى توافر حق الشركات في إلغاء الحجوزات التي حصلت قبل جائحة كورونا، من دون دفع غرامة، إذ لم تأخذ القواعد التي تحكم عقود الإجازات في الاعتبار حدوث ظروف تشبه تلك التي ترافق هذه الجائحة. ومن الممكن أن تُصر شركات السفر على تنفيذ إجازاتها، شرط أن يخسر من يختار إلغاء حجزه بعض أمواله أو كلها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطراداً، فمن شأن ذلك أن يضع المسؤولين على تنظيم الجولات السياحية في وضع مضر لهم ولسمعتهم، يتمثل في تنفيذ العطل من دون مشاركين كثر، ويُستبعَد أن يتمكنوا من بيع الأماكن الكثيرة جداً التي لا تزال غير مباعة. لذا، قد لا تكون أمامهم خيارات كثيرة غير إلغاء معظم الرحلات الصيفية، إضافة إلى الملايين من الرحلات التي ألغوها بالفعل.
وفي ذلك الصدد، ذكر تيم جينز، رئيس مطار "كورنويل نيوكواي" Cornwall Newquay Airport والمدير الإداري السابق لوكالة "مونارك" للسفريات Monarch، أنه "لا يبدو منطقياً تطبيق هذا الإجراء في وقت يبدو الإغلاق قيد التخفيف، وأتوقع اضطرابات في صناعة العطل السياحية، ذلك أن مشغلي الجولات السياحية سيواجهون سيلاً من الطلبات لاسترداد المبالغ المدفوعة".
ومن شأن رفض الحكومة تحديد موعد أو كيفية انتهاء الحجر الصحي، أن يمنع المستهلكين من الالتزام بالحجوز الآجلة، وسيؤدي ذلك إلى خنق المبيعات التي بدأت تتحسن.
ومع غياب السيولة النقدية الواردة، وغياب احتمال لحدوث انتعاش قبل 2021، قد لا تجد شركات راسخة كثيرة بديلاً عن وقف المبيعات.
وفي ذلك السياق، لاحظ أحد أركان صناعة السفر، "تحمّلنا هذا الوضع لسبعة أسابيع، حينما تصورنا أننا سنرجع بعض الشيء إلى الحالة الطبيعية، ولقد أصبحنا الآن في حال أسوأ من المربع الأول. وسيتفاقم الوضع الصعب أصلاً، بالنسبة إلى مئات شركات السفر، وسيُضاف إلى ذلك إقفال عدد من الشركات الجيدة التي كانت لتتمكن من تجاوز الأزمة أثناء الصيف".
وفي تطوّر متصل، سيتمكن الراغبون في تمضية عطل سياحية ممن ستقفل شركات السفر التي حجزوا معها، من استعادة أموالهم بموجب "برنامج آتول"، الذي تديره هيئة الطيران المدني.
وعلى رغم نفاد كل الأموال تقريباً في صندوق السفر الجوي بسبب انهيار شركة "توماس كوك" في سبتمبر (أيلول) 2019، تُعتبر الحكومة الضامن النهائي لتلك الصناعة، وتالياً يُرجَّح أن يتحمل دافعو الضرائب عبء بعض المبالغ المستردة.
وحاضراً، تتوقع شركات الطيران التي تخسر يومياً بالفعل سيولة بالملايين من الجنيهات الإسترلينية، ابتعاد الحجوزات الجديدة إلى الخريف.
وقد ذكر تيم ألدرسليد، الرئيس التنفيذي لـ"رابطة شركات الطيران البريطانية" Airlines UK التي تمثّل تلك الصناعة، أنه "يتعين علينا جميعاً، بما في ذلك الحكومة، أن نتكيف مع الوضع الطبيعي الجديد، لكن إغلاق السفر الجوي على هذا النحو ليس السبيل إلى تحقيق هذه الغاية".
وأضاف، "في الواقع، يخبر الوزراء الناس إنهم لن يتمكنوا من السفر في المستقبل المنظور، وستستجيب شركات الطيران لذلك بإبقاء أساطيلها على الأرض. ولهذا السبب، تحتاج الشركات إلى دعم حكومي إضافي عاجل للخروج من هذه الأزمة المتنامية".
وعلى نحوٍ مُشابِه، ذكر ديل كيلر، الرئيس التنفيذي لمجلس ممثلي شركات الطيران في المملكة المتحدة BAR UK، الذي يمثل الخطوط الجوية الخارجية التي تسير رحلات إلى بريطانيا، أن "إعادة تشغيل الطيران وانتعاشه تشكّل عنصراً أساسياً في دفع اقتصاد المملكة المتحدة إلى التحرك من جديد. لا يمكن للطيران أن ينطلق من جديد بطريقة مجدية، إلا بعد إبطال شرط العزل الذاتي لـ14 يوماً عبر اتباع نهج منسق ومتفق عليه دولياً بعناية، ويتضمن سلسلة من الإجراءات الفاعلة والمتعددة المراحل، تضمن استهداف المخاطر وتخفيفها في شكل أفضل، وتعزز الثقة أيضاً في أن السفر الجوي آمن".
وفي تطوّر متصل، سيُلغَى جزء كبير من السياحة الداخلية خلال الصيف بسبب متطلبات الحجر الصحي. وقد لاحظ نيل تايلور، الكاتب في مجال السفر والمشغّل السابق لجولات سياحية، أنه "من سيفكر في القدوم إلى بريطانيا في ظل ظروف كهذه؟ إن التداعيات تتجاوز السياحة إلى حد كبير. كم عدد الطلاب الأجانب المحتمل قدومهم إلى جامعاتنا، ممن يمكن أن يؤخروا طلبات انتسابهم؟ فعلياً، يبدو وسط لندن كئيباً بما فيه الكفاية بمتاحفه ومسارحه ومقاهيه المغلقة. هل نريد إبعاد الطلاب أيضاً؟".
© The Independent