شكّلت موافقة حركة "حماس" على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، بداية أملٍ بالنسبة إليها، بتراجع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس عن قرار تشكيل حكومة من فصائل منظمة التحرير، بعد استقالة حكومة الوفاق الوطني، التي وُلِدت بعد مخاضٍ عسير من المفاوضات بين طرفَي الانقسام (حركتَي فتح وحماس) بإشراف مصري.
من وجهة نظر "حماس"، فإنّ عبّاس قلب الطاولة على الحوار الوطني الشامل، وقطع الطريق على إجراء الانتخابات، بعد تكليفه محمد أشتية تشكيل حكومة فصائلية، وسط معارضة فصائل منظمة التحرير، ورفض الجبهتين الشعبية والديموقراطية (فصيلان يساريان، من أكبر فصائل منظمة التحرير) المشاركة فيها.
وصرّح القيادي في حركة "حماس" حماد الرقب إلى "اندبندنت عربية" أنه "عادةً ما تُشكَّل الحكومة على ضوء الانتخابات التي تفرز مجلساً تشريعياً، أما في ظلّ الأزمات فمن طريق التوافق الوطني، لمحاولة الوصول إلى إجراء انتخابات، لكن حكومة أشتية لم تأتِ بتوافق وطني، ولا تستطيع تنظيم انتخابات التشريعية".
ويمنح الدستور الفلسطيني أشتية مهلة أسبوعين، يمكن تجديدها مرةً واحدة، لتشكيل الحكومة الثامنة عشرة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1994، ثلاث حكومات منها تشكلت خلال فترة الانقسام الفلسطيني منذ العام 2007 وحتى اليوم، وواحدة قادها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، وأقالها عبّاس.
مستويات عدم الاعتراف
واعتبر الرقب أن "حكومة أشتية ليست مختارة من الشعب ومكوناته الفصائلية"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن إعطاؤها الأحقية للحديث في القضايا الوطنية الفلسطينية، لأنّها أتت كإحدى الأدوات العقابية لقطاع غزّة، وقطع الطريق على إنهاء الانقسام".
وأوضح القيادي الحمساوي أن عدم الاعتراف بحكومة أشتية يأتي على مستويات عدة، أولها، "أن معظم ممارسات الحكومة، تأتي بحكم الأمر الواقع، وليس من الناحية الدستورية والشرعية، التي تمثل الشعب الفلسطيني. ثانيها، عدم تحمّل إجراءات وتبعات عمل الحكومة أمام العالم في المؤسسات والمحافل الدولية.
المستوى الثالث، يظهّر بعدم الاعتراف بتوقيع الاتفاقيات معها محلياً ودولياً، إذ نرى أنها غير ملزمة لمكونات المجتمع الفلسطيني. رابعها، عدم الاعتراف بها من الشعب الفلسطيني، وعدم احترام حكومة تتحدث باسم مصالحه وحقوقه".
مصير الانتخابات
ويرى حماد الرقب أن "عباس هو مَن يعطّل الانتخابات"، مظهراً أن "الحكومة مهمتها تأسيسية وتنفيذية للانتخابات، وأن حكومة أشتيّة ليس لها دور سياسي"، في ظلّ رفض عباس كل ما تمّ التوافق عليه في حوارات القاهرة للمصالحة الفلسطينية.
وأشار إلى أن "حكومة أشتيّة لا صلاحيات لها إلا في نطاق سلطة عباس في الضفة الغربية فقط، أمّا في غزّة فلا وجود لها، ومن وجهة نظر حماس فإنّها لا تعترف بها حكومةً بل تعتبرها مجموعةً من الفلسطينيين يتحدثون بأيّ شأن داخلي".
ولفت إلى أن "ما يتعلق بالمصالحة لا دخل للحكومات فيه، بل هو مرتبط بقيادة حركة فتح التي تعطل العمل على كلّ ما تمّ الاتفاق عليه، وفق أهواء رئيسها محمود عبّاس".
إدارة غزة
وكشف حماد الرقب أن "قطاع غزّة يُدار الآن عبر وكلاء الوزارات من موظفي الحكومة الموازية في غزّة، ومرجعيتهم المجلس التشريعي، لمتابعة أعمالهم كجهة رقابية"، مؤكّداً أنّ "هذه الصورة غير مريحة".
وحول اللجوء إلى لجنة إدارية لإدارة قطاع غزّة وتنظيمه، بعد عدم الاعتراف بحكومة أشتية، نفى الرقب ذلك، موضحاً أنّ المكتب السياسي لحركة حماس لم يطرح هذه النقطة للنقاش.
فشل الحكومة
وعلمت "اندبندنت عربية" أن عباس يريد أن تحظى الحكومة بتأييد عربي ودولي وإسرائيلي، تفادياً لأيّ عقبات تعطّلها، بخاصة في ظلّ الأزمة المالية التي تمرّ بها الرئاسة نتيجة الضغوط الإسرائيلية والأميركية. كما أنّ هناك مشاورات عربية (سعودية - مصرية) متعلقة بشكل الحكومة المقبل، لتكون مرضية للخارج.
وليست "حماس" وحدها مَن يرفض حكومة أشتية، بل أيضاً "حركة الجهاد الإسلامي" التي لا دور لها في تشكيل الحكومات وترفض المشاركة في الانتخابات التشريعية، لكنّها وصفت خطوة تشكيل تلك الحكومة بـ "الانفرادية التي تجسّد حالة الاستبداد التي يكرّسها عباس".
ويقول عضو المكتب السياسي لـ "الجبهة الديموقراطية" عصام أبو دقة لـ"اندبندنت عربية" إنّ "الكلّ الفلسطيني اتفق على تشكيل حكومة وطنية تعمل وفق برنامج
سياسي يعمل على توحيد المؤسسات الفلسطينية، ووضع خطة لإنقاذ غزّة، والتحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية، وهو ما ستفشل حكومة أشتيّة بالقيام به، لعدم وجود توافق عليها".
وتوقع أبو دقة مزيداً من التعقيد للوضع السياسي في غزّة، "في ظل التجاوزات التي يقوم بها عبّاس، في تشكيل الحكومة من لون واحد - فتح وأتباعها -، والتي بدورها لا تستطيع إنهاء الانقسام، في ظلّ التشتت الداخلي وعدم احترام قرارات الإجماع الوطني".
حليف قديم
وبالوقوف عند شخصية رئيس الحكومة المكلّف محمد أشتية، فإنّه يُعدّ حليفاً لعبّاس، ويأتي تعيينه لزيادة عزلة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ صيف العام 2007.
ويحمل أشتية شهادة الدكتوراه في التنمية الاقتصادية، وله مؤلفات اقتصادية وسياسية عدة، وأسّس صندوق التنمية الفلسطيني ومجلس الإسكان، الأمر الذي سيؤهل الحكومة التي يقودها إلى الخروج من الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة.
مناصب عدة
وشارك أشتيّة في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة في العام 2014، والمفاوضات مع إسرائيل حول الانتخابات، بصفته السكرتير العام للجنة الانتخابات الفلسطينية، التي أشرفت على الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي جرت لأوّل مرّة في يناير (كانون الثاني) العام 1996.
كما أن أشتية عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح، وشغل منصب وزير الأشغال العامة والإسكان، ووزير المجلس الاقتصادي للتنمية والإعمار، وكان عضو وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى مفاوضات مدريد ومباحثات واشنطن والمفاوضات الاقتصادية مع الاحتلال الإسرائيلي، وعدا عن أنه عضو دائم في اللجنة الموقتة لتنسيق المساعدات للشعب الفلسطيني والمجموعة الاستشارية للدول المانحة.