أشعل فيديو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي لشباب على متن قارب في عرض البحر وهم في طريقهم إلى السواحل الإسبانية، الجدل على مختلف المستويات الشعبية والرسمية، حول أسباب مغامرة أشخاص بحياتهم في ظل تفشي وباء كورونا.
الهجرة نحو كورونا
وبين من يرجع انتعاش الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط إلى انعدام الثقة في تحقيق تغيير في الجزائر وغياب آفاق واعدة واستمرار الغموض، يجزم البعض أن من أهم أسباب إقدام الشباب على المغامرة بحياتهم في عرض المتوسط ووسط بؤر تفشي كورونا، هو تصريحات المسؤولين في إيطاليا وإسبانيا حول تسوية وضعيات المهاجرين غير الشرعيين.
وكشف شريط فيديو جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام، عن مجموعة شبان على متن قارب يسخرون من كورونا بالقول "لا كورونا ولا شيء آخر يوقفنا. إسبانيا تنادينا"، ويودّعون عائلاتهم وأصدقائهم بعبارات "نلتقي في الخير ولا تغضبي يا أمي"، ويؤكدون أنهم صائمون وسيفطرون في منطقة "الميرية" الساحلية الإسبانية.
وأكدت السلطات في مدريد صحة الفيديو، بعد أن نشر الحرس المدني الإسباني، الخميس 14 مايو (أيار)، صوراً تظهر مهاجرين سريين جزائريين على متن قارب كان يتّجه بسرعة عالية باتجاه سواحل الأندلس، وأعلنت وصول 126 جزائرياً إلى السواحل الإسبانية خلال اليومين السابقين، عن طريق الهجرة غير الشرعية، من بينهم قصّر ونساء حوامل ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، مشيرة إلى أن قواتها البحرية تدخلت بتوقيف تسعة قوارب آتية من الجزائر، منها خمسة على مستوى الساحل وأربعة في أعالي البحار، كما اعتقلت 11 شخصاً متهمين بالانتماء إلى جماعة إجرامية تسهّل دخول الأجانب إلى إسبانيا بطرق غير شرعية بين منطقة وهران غرب الجزائر وسواحل الميرية جنوب شرقي البلاد.
غياب بوادر إصلاح حقيقي
ويعتبر صندوق محمد الأمين، رئيس جمعية الشباب الجزائري المهاجر في إسبانيا وعضو الصليب الأحمر الدولي، أن قوارب المهاجرين لم ولن تتوقف، بسبب عدم استقرار أوضاع البلاد، وغياب بوادر إصلاح حقيقي، وقال في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "شغف الشباب بغد أفضل يدفعهم إلى المخاطرة بحياتهم واتخاذ هذه الخطوة الانتحارية"، مضيفاً "الشباب وكما نرى في الجزائر حالياً، لا يبالي بالوباء، إذ لا احترام لإجراءات الوقاية والحجر المنزلي ولا الحظر الليلي"، وقال "تحدثت مع شباب كثر في محاولة لإقناعهم بعدم اتخاذ الخطوة، لكنهم أجابوا (السجن في إسبانيا أرحم من حرية بلادي)"، وتابع "حذرتهم من أن الوضع في إسبانيا مع وباء كورونا خطير وخطير جداً، فقالوا (على الأقل يلقون بنا في مركز المهاجرين غير الشرعيين نأكل ونشرب ونرقد، خير لنا من البقاء في البلاد)"، مؤكداً أن الأمور ليست واضحة بالنسبة إلى الشباب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى رئيس جمعية الشباب المهاجر أن إعلان دول أوروبية، مثل إيطاليا وإسبانيا، تسوية وضع المهاجرين غير الشرعيين، له دور كبير في دفع هؤلاء إلى المغامرة، مرجحاً أن تشهد الأيام المقبلة موجة كبيرة لقوارب مهاجرين من سواحل شمال أفريقيا، "ما يستدعي من السلطات الاهتمام بمطالب الشباب وفتح قنوات الحوار والتقرب منهم، ومنحهم الأمل الحقيقي، لا الوهمي"، موضحاً "الأمر ليس سهلاً بالنسبة إلى السلطات، لكن إعادة الثقة ضرورية"، وختم قائلاً "حين تتوفر النيات الصادقة والحقيقية لدى السلطات في تفادي هذه المعضلة عن طريق تجهيز إمكانات الدولة، فبالتأكيد سيكون هناك قبول ورد فعل إيجابي من قبل الشباب المغامر".
إيطاليا وإسبانيا يتحمّلان المسؤولية
إيطاليا أيضاً اتخذت قراراً بتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون في القطاع الزراعي أو كمساعدين محليين بشكل مؤقت، للسيطرة على السوق السوداء، وتمكينهم من الحصول على الرعاية الصحية في مواجهة الفيروس، حسب رئيس الوزراء جوزيبي كونتي، الذي أوضح أن الخطوة جاءت في إطار مكافحة الجريمة، ولوضع حد للسوق السوداء في الوظائف ولإنقاذ الإنتاج الزراعي.
كما أعلنت الحكومة الإسبانية حاجة البلاد إلى نحو 80 ألف عامل في الأسابيع القليلة المقبلة، للمشاركة في موسم جني المحاصيل الزراعية، لضمان إمداد السوق بالمؤن الغذائية وعدم تلف الإنتاج. وقال وزير الزراعة لويس بلاناس "الأولوية ستكون دائماً للعمال القريبين من أماكن الحصاد، بسبب القيود المفروضة على حركة التنقل، نظراً لحالة الطوارئ الصحية المعلنة في البلاد"، أمّا أولئك غير الشرعيين فسيتم ترتيب عقود عمل لهم للمشاركة في موسم جني المحاصيل.
نزوح بحري من سواحل شمال أفريقيا
وفي السياق ذاته، أوضح المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يُعنى بالهجرة، أن أكثر من 190 مهاجراً وصلوا إلى السواحل الإيطالية على الرغم من انتشار الفيروس التاجي وإجراءات الحجر الصحي التي تفرضها السلطات، مشيراً إلى أن البحرية التونسية أحبطت مساعي أكثر من 1500 مهاجر تونسي غير شرعي كانوا يحاولون الوصل إلى سواحل إيطاليا.
وسلّطت بعض الصحف الإسبانية، الضوء على الارتفاع المرعب في تدفق عدد المهاجرين السريين الذين وصلوا إلى سواحل إسبانيا، وكشفت عن اعتراض 103 مهاجرين مغربيين كانوا يحاولون بلوغ سواحل إقليم الأندلس على متن قوارب، إضافة إلى إغاثة 69 شخصاً كانوا عالقين وسط أمواج البحر، آتين من مدينة كاديز المغربية.
من جهتها، وفي ظل تصاعد الضغط عليها مع استمرار موجات الهجرة غير الشرعية، طالبت مالطا الاتحاد الأوروبي بإطلاق مهمة إنسانية فورية في ليبيا، للمساعدة في وقف تدفق قوارب المهاجرين، خصوصاً بعد إغلاق مرافئها لمواجهة تفشي كورونا. وجاءت الدعوة بعد تحديد قوات خفر السواحل المالطية موقع أربعة قوارب بين ليبيا ومالطا على متنها 258 شخصاً.