رفض النواب البريطانيون، الثلثاء، للمرة الثانية الاتفاق الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أخيراً، مع الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد، بـ 391 صوتاً مقابل 242 صوتاً لمصلحة اتفاق بريكست.
في المقابل، قال دونالد توسك، المتحدث باسم رئيس المجلس الأوروبي، إن رفض مجلس العموم البريطاني للمرة الثانية الاتفاق الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا بشأن انسحابها من الاتحاد "زاد بشكل كبير" من خطر الخروج "من دون اتفاق".
وأضاف "نأسف لنتيجة التصويت الذي جرى الليلة... لقد فعل الاتحاد الأوروبي كل ما يمكن للتوصل إلى اتفاق... من الصعب معرفة ما يمكننا أن نفعله أكثر من ذلك".
وأشار إلى أنه "إذا قدمت المملكة المتحدة طلباً منطقياً للتمديد، فإن دول الاتحاد الـ 27 ستدرس ذلك وتقرره بالإجماع".
لكن ميشال بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، استبعد فعل المزيد لمساعدة لندن على التوصل إلى اتفاق بشأن انسحاب منظم، قائلاً إن "هذا المأزق لن يجد طريقاً إلى الحل إلا في بريطانيا".
وأضاف "استعداداتنا لعدم التوصل إلى اتفاق باتت الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى".
وعبر وزير خارجية أيرلندا الشمالية سايمون كوفيني، الثلثاء، عن خيبة أمله إزاء رفض البرلمان البريطاني لاتفاق بريكست.
وقال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إن "التوقعات في الأيام القليلة الماضية كانت متسقة بما يكفي لتشير إلى هزيمة ثقيلة". وأضاف "نحن الآن بحاجة إلى التحلي بالصبر والهدوء للسماح للعملية بأن تأخذ مسارها".
وأبدت الرئاسة الفرنسية "أسفها" لنتيجة تصويت البرلمان البريطاني، مضيفة أن باريس لا يمكنها "بأي حال من الأحوال القبول بإرجاء (موعد بريكست) من دون وجود استراتيجية بديلة وذات مصداقية من قبل المملكة المتحدة".
تحذير ماي
وكانت ماي حذّرت النواب من عدم تمكّن بريطانيا من مغادرة الاتحاد الأوروبي في حال صوتوا ضدّ الاتفاق المعدّل. علماً أنّ الموعد المقرّر لانسحاب بريطانيا من الاتحاد هو 29 مارس (آذار) الحالي.
وقالت ماي أمام البرلمان إنه "في حال لم يُمَرّر هذا الاتفاق في تصويت الليلة، فقد تخسر (بريطانيا فرصة) بريكست".
وقالت ماي بشأن التأجيل المحتمل "لن يغير النقاش أو المسائل التي تحتاج إلى تسوية، بل سيكون مجرد تسليم (لدفة) السيطرة إلى الاتحاد الأوروبي".
وأضافت "سيقررون المدى الزمني المتاح، بمعنى أننا قد لا نحصل على ما نطلبه. قد يكون بإمكانهم أيضاً فرض شروط بشأن هذا التمديد. هذا ربما يعني التحرك نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي بصورة لا تفي بتوقعات الذين صوتوا من أجله أو حتى التحرك نحو إجراء استفتاء ثان".
وكانت رئيسة الوزراء البريطانية توجّهت إلى ستراسبورج، الاثنين 11 مارس، حيث اتفقت مع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في اللحظات الأخيرة على ضمانات جديدة "قانونية"، وفق قولها، حول خطة "شبكة الأمان" الخاصّة بالحدود الإيرلندية، التي يمكن أن تؤدي إلى إبقاء بريطانيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي إلى أجل غير مسمّى.
توصية برفض الاتفاق المعدّل
على عكس رغبات رئيسة الوزراء البريطانية، أوصت مجموعة من النواب البريطانيين المؤيدين لبريكست، الذين كُلّفوا بدراسة التعديلات في الاتفاق، البرلمان برفض الاتفاق المعدّل في جلسة التصويت، الذي سيجري الساعة 19.00 بتوقيت غرينتش.
وقال النائب المحافظ بيل كاش، متحدّثاً باسم المجموعة، إنّه "في ضوء تحليلنا القانوني وغيره من التحليلات، لا نوصي بقبول طرح الحكومة اليوم".
وتضمّ المجموعة أيضاً نايجل دودز، القيادي في الحزب الوحدوي الديمقراطي المنضوي في ائتلاف رئيسة الوزراء تيريزا ماي. ومن دون دعم النواب العشرة هذا الحزب، من غير المرجّح أن يمرّ اتفاق بريكست في تصويت مجلس العموم مساء الثلثاء.
النائب العام البريطاني النافذ جيفري كوكس المكلّف تقديم الاستشارة القانونية للحكومة رأى أنّ اتفاقيات اللحظة الأخيرة التي توصّلت إليها ماي "تقلّل خطر" بقاء بريطانيا عالقة "إلى ما لا نهاية وخارج إرادتها" في شبكة الأمان. لكنّه أكّد في المقابل أنّ "المحاذير القانونية لا تزال على حالها"، لجهة أنّ لندن لن تتمكّن، من الناحية القانونية، من التخلي عن خطة "شبكة الأمان" من دون موافقة الاتحاد الأوروبي.
وسبّب إعلان كوكس هذا هبوط سعر الجنيه الإسترليني، بعدما كان ارتفع بعد إعلان ماي عن التعديلات التي أُدخلت إلى اتفاق بريكست.
"اليوم هو يومٌ مهم"
في هذا السياق، وصفت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل العرض الأخير الذي قدّمه الاتحاد الأوروبي في شأن بريكست بـ "الواضح وواسع النطاق"، وذلك قبل ساعات من تصويت البرلمان البريطاني عليه مساء الثلثاء.
وقالت ميركل، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وزراء بلجيكا شارل ميشيل، إنّ "اليوم هو يومٌ مهم". أضافت "أعتقد بأنّ دول الاتحاد الـ 27، ممثلةً من قبل جان كلود يونكر (رئيس المفوضية الأوروبية) وميشال بارنييه (كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي)، قدمّت مرة أخرى اقتراحات واضحة وواسعة النطاق، تأخذ في الاعتبار مخاوف بريطانيا العظمى وتقدم لها الحلول".
وتابعت المستشارة الألمانية "نريد أن تسير الأمور بيننا على ما يرام، ونريد خروجاً منظماً لبريطانيا، والآن أصبح الأمر بيد البرلمان البريطاني للتوصّل إلى قرارات، وسنتابع عن كثب ما يحدث اليوم وغداً وبعد غد في بريطانيا"، مشيرةً إلى أنّ الأمر الآن يعود إلى البرلمان البريطاني.
ووصف ميشيل بدوره، العرض الأوروبي الأخير بأنّه "يد ممدودة"، آملاً في أن يتوصّل النواب البريطانيون إلى قرار "منطقي".
تعديلات بريكست
بعدما رفض النواب البريطانيون اتفاق بريكست للمرّة الأولى في 15 يناير (كانون الثاني) الماضي، بغالبية 432 صوتاً مقابل 202، باشرت رئيسة الوزراء البريطانية العمل مع الاتحاد الأوروبي على تعديل الاتفاق، خصوصاً في ما يتعلّق بمسألة الترتيب الخاص بأيرلندا الشمالية، التي تعدّ أكثر المسائل إثارة للخلاف حول الاتفاق.
وبُعيدَ لقائها رئيس المفوضية الأوروبية، الاثنين، وإعلانها عن اتفاقهما على ضمانات "قانونية"، أوضحت ماي أنّ هذه الضمانات تقضي بإنشاء قناة تحكيم في أيّ نزاع في شأن الترتيب الخاص بأيرلندا الشمالية، وأنّها "ترسّخ على نحو ملزم قانوناً" الالتزامات القائمة، بأن يكون هذا الترتيب موقتاً، ويلزم بالتالي المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بدء العمل على استبداله بإجراءات أخرى بحلول ديسمبر (كانون الأول) العام 2020.
وقالت ماي إنّ ثلاث وثائق ستُبرم، هي أداة مشتركة وبيان مشترك وإعلان من جانب واحد، للتعامل مع مسألة الترتيب الخاص بأيرلندا الشمالية. وأضافت أنه في حال انهيار المحادثات في شأن العلاقات المستقبلية بعد تفعيل هذا الترتيب، فإنّ الإعلان الأحادي الجانب يوضح أنّ ما من شيء سيمنع بريطانيا من التحرّك للتخلّي عن الترتيب.
وفي السياق ذاته، أوضحت مذكرة قدّمتها الحكومة أنّ الأداة المشتركة "تقلّل خطر" سقوط المملكة المتحدة في أزمة تتعلّق بالترتيب الخاص بأيرلندا الشمالية.
وفي حال صوّت النواب على رفض الاتّفاق، تعهّدت رئيسة الوزراء البريطانية بإجراء اقتراع آخر، يوم الأربعاء 13 مارس، في شأن إمكان الخروج من الاتحاد من دون اتفاق. وإن رُفض هذا الأمر أيضاً، سيُجرى تصويت في شأن تأجيل الانسحاب فترة محدودة.
ردود الفعل
تلقّف البريطانيون إعلان ماي عن التعديلات بتباين. إذ رحّب وزير شؤون الانسحاب السابق، ديفيد ديفيز، بمطلب وضع إجراءات بديلة في شأن الترتيب الخاص بأيرلندا الشمالية ومداه الزمني والتحكيم الدولي.
فيما أبدى نواب مؤيدون للانسحاب ومشرّعون من الحزب الديمقراطي الوحدوي في أيرلندا الشمالية، والذي يدعم حكومة ماي، حذراً تجاه التعديلات.
وقال جاكوب ريس موج الذي يقود فصيلاً داخل حزب المحافظين يطالب بالانسحاب من دون صلات تربط بريطانيا بالاتحاد، إنّه ينتظر الحصول على مشورة قانونية في شأن التعديلات. أضاف في حديث إلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي. سي) "كان هناك تعجلٌ بالغ... أعتقد بأنّه من الأفضل إجراء التصويت غداً حتى تتكوّن لدى الناس رؤية أنضج".
أمّا المدعي العام السابق دومينيك جريف، وهو معارض لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فرأى أنّ التعديلات التي أُدخلت على اتفاق ماي لا تُحدث اختلافاً جوهرياً فيه.