هل الخفاش مظلوم؟ عبارة ضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشر أدلة تفيد بأن انتقال كورونا لا يمكن أن يكون عن طريق الخفافيش. فبعد عدة أشهر من محاولات السيطرة على الوباء العالمي، الذي ظهر للمرة الأولى نهاية العام الماضي بمدينة ووهان الصينية، وخلَّف ملايين المصابين والوَفَيَات، فقبل شهرين لم يكن لدى العلماء أي فرضية بشأن كيفية انتقال فيروس كورونا، لذا كانت الفرضية السائدة وقتها، أنه انتقل من الخفاش إلى الإنسان في سوق ووهان الصينية للمأكولات البحرية ديسمبر (كانون الأول) الماضي. لكن توجد بحوث وأوراق علمية نُشرت أخيراً بدول عدة، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وهونغ كونغ، أوضحت أن الفيروس "لا يمكن أن يكون قد انتقل بطريقة طبيعية".
الفرضية السائدة
وانتشار الفيروس في سوق ووهان الصينية للمأكولات البحرية هو الرأي الذي رجّحه لـ"اندبندنت عربية" استشاري أمراض الجهاز التنفسي، النشمي العنزي بشأن هل الخفاش مظلوم؟ إذ قال "هذا غير صحيح. التركيب الجيني له واضح مخبرياً وسريرياً، وتركيبته وسلالته معروفتان في الأوساط الطبية منذ زمن".
وأشار إلى دراسة نشرتها مجلة "Nature" العلمية المرموقة، التي تأسست عام 1869، تفيد بأن "كورونا هو الجيل السابع من الفيروسات التي تصيب الإنسان"، وأبرز الأجيال السابقة وباء "سارس" المسبب المتلازمة التنفسية الحادة، الذي ظهر عام 2003، و"ميرس" المعروف بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، الذي ظهر في عام 2012.
وشارك في هذه الدراسة عددٌ من الباحثين في الأمراض الجرثومية والأوبئة والمناعة في جامعات أميركية وبريطانية وأسترالية، ونشرت في السابع عشر من مارس (آذار) 2020. وخلص هؤلاء الباحثون إلى القول، "تُثبت بحوثنا أن كورونا ليس مصمماً في مختبرات أو فيروساً معدلاً".
لكن، يوجد شبه إجماع على أن مصدر الفيروس هو مدينة ووهان وسط الصين، كما يعتقد معظم العلماء أن الوباء انتقل من الخفاش إلى حيوان آخر ومنه إلى الإنسان، وتدور تكهنات أن الحيوان الوسيط هو بانغولين. الأمر الذي جعل العالم يسلط الضوء على سوق اللحوم والخضراوات في المدينة، إذ تباع مختلف أنواع الحيوانات البرية بغرض الأكل.
معمل ووهان وترمب
وحول أصل منشأ الفيروس دارت الشكوك، إذ ألمح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى أن حكومته تحاول تحديد ما إذا كان كورونا خرج من معمل في مدينة ووهان الصينية، وقال وزير الخارجية مايك بومبيو إنه ينبغي لبكين "الإفصاح عما تعلمه".
ولا يزال مصدر الوباء غامضاً. وكان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي قال، "المخابرات الأميركية تشير إلى أن كورونا نشأ على الأرجح بشكل طبيعي، ولم يُخلّق في معمل بالصين، لكن لا يوجد ما يؤكد أياً من الاحتمالين".
وذكرت محطة فوكس نيوز التلفزيونية، في تقرير سابق، أن الفيروس نشأ في معمل في ووهان، ليس باعتباره سلاحاً بيولوجياً، إنما جزء من سعي الصين لإظهار أن جهودها لرصد ومكافحة الفيروسات تكافئ أو تفوق قدرات الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار هذا التقرير وتقارير أخرى إلى أن ضعف معايير السلامة في المعمل الذي تُجرى فيه التجارب المتعلقة بالفيروسات في ووهان تسبب في إصابة شخص ما بالعدوى وظهورها في سوق حيث بدأ المرض في الانتشار.
وقالت شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، نقلاً عن مصادر، إن الولايات المتحدة تُجري تحقيقاً واسع النطاق في ما إذا كان كورونا قد تسرّب من معمل في ووهان، التي ظهر فيها للمرة الأولى ديسمبر الماضي.
وأضافت المصادر أن عملاء استخباراتيين يجمعون معلومات حول المختبر وعن بداية تفشي الفيروس، مشيرة كذلك إلى أنّ محللي الاستخبارات يضعون جدولاً زمنياً حول المعلومات التي كانت بحوزة الحكومة عن كورونا و"يرسمون صورة دقيقة لما حدث".
وتوقعت المصادر أن يُجرى التوصّل إلى نتائج هذا التحقيق قريباً، وسوف تُقدَّم إلى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وسيكون على صانعي السياسة في البيت الأبيض وترمب تحديد كيفية محاسبة الصين.
تستر الصين
وقالت المصادر إن المسؤولين الأميركيين واثقون مئة في المئة أن الصين بذلت جهوداً كبيرة للتستر بعد انتقال العدوى، وتعتقد أن منظمة الصحة العالمية كانت "إمّا متواطئة في التغطية وإمّا غضت الطرف".
وتوقعت فوكس نيوز أنه في حال تبين أن الفيروس تسرّب من مختبر صيني، أن يحدث ضغط عالمي كبير ضد الحكومة الصينية، بعد أن أصاب وقتل المرض مئات الآلاف حول العالم ودمّر اقتصادات الدول.
الرئيس الأميركي ووزير خارجيته اتهما الحكومة الصينية بالتستر فترة طويلة على حجم انتشار العدوى ومدى خطورة الوباء، كما قالا "توجد تقارير استخبارية كثيرة تشير إلى أن الفيروس تسرَّب من مختبر الفيروسات في ووهان".
وردّت الصين على الاتهامات الأميركية قائلة إن الرئيس ترمب "يحاول التغطية على فشل إدارته في مواجهة الفيروس واتخاذ الإجراءات المناسبة".
لا يعرف أحدٌ كيف انتقل كورونا الموجود في نوع معين من الخفافيش، الذي عثر عليه في إقليم هونان (خفاش حدوة الفرس) إلى البشر. توجد نظرية تتحدّث عن انتقال الفيروس من الخفاش إلى قط الزباد ومنه إلى البشر. يذكر أن هذا النوع من الخفافيش يعيش في كهوف عميقة وبمناطق وعرة في الصين يصعب الوصول إليها.
باحثة في المختبر
وتوجد رواية أخرى تتحدّث عن إصابة باحثة في المختبر بكورونا ونقلها العدوى إلى شريك حياتها لاحقاً.
جدير بالذكر أن هذا المختبر يتولى دراسة انتقال الفيروسات القاتلة من الحيوانات إلى الإنسان منذ دخوله الخدمة قبل خمس سنوات. ونفت معظم أجهزة الاستخبارات الغربية رواية أن الفيروس من إنتاج المختبر، وأنه سُرِّب منه بشكل متعمد.
وقال بومبيو، الذي كان مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية قبل تولي منصبه الحاليّ، في الثالت من مايو (أيار)، في حديث مع قناة ABC الأميركية، "ليس لديّ سبب للاعتقاد بأن كورونا انتشر عمداً"، لكنه أضاف، "تذكروا أن للصين تاريخاً في نشر العدوى بالعالم، ولديها سجّل طويل في إدارة مختبرات لا تلبي معايير السلامة المطلوبة".
وأضاف بومبيو، "هذه ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها عالمنا للفيروسات، نتيجة أخطاء في مختبر صيني. وبينما تواصل أجهزة الاستخبارات عملها حول هذه المسألة والتحقيق فيها حتى نحصل على أجوبة شافية، يمكنني أن أخبركم أن هناك قدراً كبيراً من الأدلة التي تؤكد أن مصدر الوباء هو مختبر ووهان".
يذكر أن الفيروس الذي تسبب بمرض سارس كان مصدره الصين. وانتقل من الحيوان إلى الإنسان أيضاً.
الخفاش غير مظلوم فسلالته معروفة وهو سبب المرض
وفي الجهة المقابلة، قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية فضيلة الشايب، في إفادة صحافية بجنيف، "جميع الأدلة المتوفّرة تشير إلى أن لكورونا أصلاً حيوانياً، وأنه ليس فيروساً خُلِّق أو أُنشئ في معمل أو مكان آخر".
وأضافت، "من المرجح أن الوباء من أصل حيواني"، ومضت المتحدثة تقول، "من غير الواضح كيف انتقل الفيروس عبر السلالات إلى البشر، لكن من المؤكد أنه كان هناك مستضيف حيواني وسيط انتقل منه".
الرواية الصينية
وتقول الرواية الحكومية الصينية، إن الفيروس انتقل إلى البشر في هذه السوق، لكن لا تقدم الصين أدّلة علمية على ذلك. كما أن التعتيم الذي فرضته بكين حول انتشار المرض في الأسابيع الأولى من ظهوره، وفرض رقابة شديدة على كل المعلومات المتعلقة بالعدوى أثارا مزيداً من الشكوك حول مصدر كورونا وكيفية انتشاره.
وطردت السلطات الصينية كثيراً من الصحافيين الأجانب الذين كانوا بصدد تناول هذه الجائحة محاولين الحصول على أجوبة شافية لعديد من التساؤلات التي يطرحها الرأي العام العالمي.
جدير بالذكر أنه سُجِّل نحو خمسة ملايين و690 ألف حالة مصابة بكورونا على مستوى العالم، و355 ألف حالة وفاة، منذ بدء الأزمة ديسمبر من العام الماضي.