ربما كانت كلمة "لعبة" قديماً مرافقة فوراً لمعنى "البراءة". لهوٌ وترفيهٌ هدفه التسلية فقط، والإفلات من التورّط في نقاشات مربكة حول أمور الحياة الجدية تماماً، لكن الآن أصبحت الألعاب تتطلب إصدار الفتاوى، وتواجه طوال الوقت تنبيهات وتحذيرات من المراكز المجتمعية والدينية، واتهامات بالتحريض على العنف والترويج للعزلة والتعصب، بل والانتحار مثلما حدث قبل عامين مع لعبة "الحوت الأزرق"، وتُهمٌ مثل هذه ظلت ملاصقة الهوس الحاضر حاليّاً بلعبة إلكترونية أخرى شهيرة هي "ببجي ـ PUBG"، التي وصل صداها إلى دار الإفتاء المصرية ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، وكانت قد صدرت تحذيرات في وقت سابق بشأنها في دول عدة، بينها العراق والأردن، والهند أيضاً.
"ببجي" مئات المشتركين حول العالم وجدل لا ينتهي
الجدل الدائر في مصر حول اللعبة كان يخفت وينشط على مدار سنوات منذ انطلاقها في عام 2017، وتحقيقها شعبية كبيرة بين أوساط الشباب والمراهقين والأطفال، لكن الأمور باتت أكثر توتراً قبل أيام قليلة على خلفية تحديث جديد في اللعبة التي زاد عدد مشتركيها على مئتي مليون مشترك حول العالم، حسب إحصاء صادر بشأنها عام 2018، وهو رقمٌ على الأغلب تضاعف الآن مع ظروف الحظر المنزلي، إذ يظهر في التحديث الأخير في مرحلة من اللعبة ركوع اللاعب لأحد التماثيل، للحصول على مكاسب جديدة، وهو أمر شكّل حالة من الاستياء بين المستخدمين العرب الذين قادوا حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لحذفها من على أجهزتهم الذكية وحظرها.
وتزايدت الشكاوى وطلبات الفتوى حول اللعبة التي تُلعب إلكترونياً بشكل جماعي، وقد يصل عدد مستخدميها إلى مئة لاعب، وتقضي بالتسابق من أجل الحصول على الأسلحة، إذ يبدأ اللاعب من الصفر، ويخوض معارك لبناء جيشه، والدخول في قتال من أجل الفوز عبر مراحل عدة.
وجاء في بيان مركز الأزهر العالمي للفتاوى الإلكترونية: "يزداد خطر هذه اللعبة في الآونة الأخيرة، بعد إصدار تحديث لها، يحتوي على سجود اللاعب وركوعه لصنم فيها، بهدف الحصول على امتيازات داخل اللعبة. لا شكّ هو أمر شديد الخطر، عظيم التأثير في نفوس شبابنا والنشء من أبنائنا الذين يمثلون غالبية جمهور هذه اللعبة، فلجوء طفل أو شاب إلى غير الله سبحانه لسؤال منفعة أو دفع مَضرَّةٍ ولو في واقع إلكتروني افتراضي ترفيهي، أمر يشوّش عقيدته في الله خالقه سبحانه، ويُهوِّن في نفسه عبادة غيره ولو كان حَجَراً لا يضر ولا ينفع"، وطالب المركز أولياء الأمر بمراقبة أبنائهم من تلك الأمور التي تشكك في عقيدتهم."
استجابة سريعة
اللافت أن استجابة القائمين على اللعبة التي يتجاوز عدد مستخدميها النشطين بشكل يومي الثلاثين مليون مستخدم، جاءت سريعة جدّاً، إذ حرّكها الحرص على عدم خسارة أي من اللاعبين الذين يدرون أرباحاً على التطبيق، إذ وصلت أرباح اللعبة حتى نهاية العام الماضي إلى مليار ونصف المليار دولار أميركي، وحذفت بالفعل التحديث. وأصدرت بياناً عبرت فيه عن تقديرها عقائد مستخدميها، وجاء في البيان الرسمي: "يودّ فريق ببجي موبايل (PUBG MOBILE) التطرّق إلى مسألة القلق والمخاوف التي نتجت عن التحديث الأخير في اللعبة. ونودّ أن نعبر عن أسفنا الشديد حيال تسبب الخصائص الجديدة في اللعبة بالاستياء لدى بعض لاعبينا. نحن نقدّر ونحترم قيم وتقاليد وممارسات لاعبينا، ونشعر بالأسف لتسببنا بأي ضرر أو استياء، لذلك باشرنا باتخاذ الإجراءات اللازمة، وأزلنا الخاصية المزعجة، ونعمل على إزالة المحتوى البصري المتعلق بها. يقدّر فريق لعبة ببجي موبايل ويحترم جميع الأديان والثقافات، ويبذل أقصى ما بوسعه لتوفير بيئة لعب آمنة وشاملة للجميع. وسنستمر في الاستماع إلى آراء لاعبينا، وتحسين لعبتنا وخطوات فحص الخصائص والمزايا الجديدة قبل إطلاقها، لنضمن أن اللعبة تناسب كل أديان وثقافات وممارسات اللاعبين. ونودّ أن نشكر لاعبينا على لفت انتباهنا لهذه المشكلة، ومساعدتنا في تحسين تجربة اللعبة للجميع".
وسيلة مثالية لتجاوز ملل الحظر المنزلي
جاءت تلك الاستجابة بعد آلاف التغريدات التي اجتاحت موقع تويتر بمقاطعة اللعبة من قِبل المستخدمين العرب، وبعد أن أصدر مركز الأزهر بياناً مطولاً حول تحديث اللعبة المثير الجدل، وأرفقه بنصائح عامة تنطبق على مثيلاتها من الألعاب التي قد تحض على العنف والكراهية والإرهاب وتمس المقدسات، بينما حرصت دار الإفتاء المصرية على تثمين سرعة حذف التحديث الأخير من قبل القائمين على اللعبة وعبر حساباتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، ونشرت صورة من بيان الاعتذار وأرفقته بعبارة: "شكراً على الاستجابة السريعة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقوبل تعليق دار الإفتاء أيضاً بارتياح بين أوساط اللاعبين، خصوصاً أنه في فترة الحظر المنزلي المطبق حاليّاً للحد من انتشار فيروس كورونا يجد كثيرٌ من الشباب في لعبة "ببجي" متنفساً لقضاء الوقت، وهو الرأي الذي تبناه مستخدم على تويتر باسم AMR، إذ كتب تعليقاً على تدوينة دار الإفتاء المصرية: "اللعبة ممكن تلهو الناس، لكن مش (ليست) محرّمة ممكن تكون مش مستحبة، والاهتمام بالدين والقرآن أهم، اللعبة تلهو الشباب عن أشياء ممكن تكون محرمة مثل الإدمان أو الوقوف على النواصي أو متابعة مواقع إباحية".
على ما يبدو أن صناع اللعبة أنقذوا أنفسهم من حظر محتمل في مصر وبعض الدول العربية، ومن هجوم قد يكون كاسحاً إذا ما استمر التحديث في ظل الحملة التي أتت ثمارها سريعاً، خصوصاً أن دولاً أخرى أصدرت قوانين بحظرها، والأمر وصل إلى سجن بعض مستخدميها، وهو ما حدث في الهند مثلاً.