لم يكن الأمر مفاجئاً، لكنه مع ذلك كان صادماً. فقد أكد كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه عدم إحراز أي تقدم في المحادثات المتعلقة بتسوية ما بعد بريكست في الأشهر التالية لمغادرة بريطانيا رسمياً للاتحاد في يناير (كانون الثاني). وتنتهي المرحلة الانتقالية في 31 ديسمبر (كانون الأول). وبعد ذلك، سنخرج من الإطار التنظيمي للاتحاد الأوروبي من دون بديل منه وستُفرَض رسوم جمركية على صادراتنا إلى الاتحاد. ولا يزال بوسع المملكة المتحدة أن تطلب تمديد الفترة الانتقالية في غضون الشهر الحالي. ويفيد الاتحاد الأوروبي بأنه سيقبل طلباً كهذا، وهو موقف كرره أخيراً بارنييه. لكن الحكومة البريطانية استبعدت هذا الخيار مراراً.
وليس مفاجئاً كثيراً أن نسمع أن المحادثات لم تتقدم قط في ظل الأزمة المستعرة لفيروس كورونا والتي هيمنت على اهتمام الحكومة ومنعت فريقَي التفاوض حول بريكست من الالتقاء في الغرفة نفسها.
لكن الصادم على الرغم من ذلك هو أن الحكومة تبدو مستعدة لترك المؤسسات البريطانية تعاني من تداعيات بريكست من دون اتفاق خلال ستة أشهر، في الوقت الذي تواجه أسوأ ركود في تاريخ البلاد في أوقات السلم.
ويقول كبير المفاوضين البريطانيين ديفيد فروست إن حكومته تبقى "ملتزمة بنتيجة ناجحة". غير أن الكلام الصادر عن مكتب رئيس الحكومة ينم عن عدوانية متنامية توحي بالثقة بفشل توصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
ويبدو أن ثمة تفكيرين يتبلوران. يتمثل الأول في الاعتقاد بأن الأثر الإضافي لبريكست من دون اتفاق في الأعمال التجارية سيكون أقل بسبب التعطيل الضخم الناجم عن الركود في ظل تفشي فيروس كورونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولمّح مايكل غوف وزير شؤون مجلس الوزراء حين مثل الشهر الماضي أمام لجنة الاتحاد الأوروبي التابعة لمجلس العموم، إلى أن "الإعادة إلى الوطن" لسلاسل الإنتاج التي ستنفذها الشركات بعد كوفيد-19، وذلك أثناء سعي البلدان إلى إعادة بناء مرونتها الاقتصادية الوطنية، ستغير الحسابات.
ويتلخص التفكير الثاني في أن أي ضرر اقتصادي بسبب غياب صفقة بريكست سيُدرَج ضمن الضرر الناجم عن الركود جرّاء كوفيد. ويبدو أن الحكومة تعتقد بأن "تكاليف مغادرة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي من دون صفقة تجارية أصبحت أقل مما كانت عليه". والتفكيران مضلَّلان.
فلو أن شركة تجارية تعاني حالياً بسبب الإغلاق العالمي من انهيار في الطلبات التي تتلقاها، أو تجد نفسها مجبرة على تحمل مزيد من الدين لتتمكن من الاستمرار في العمل، فلماذا سيسهل عليها التخطيط لمزيد من العقبات اللوجستية أو المالية إذا حصل بريكست من دون اتفاق؟ في الأقل، سيجعل الركود الضخم الحالي تلك المهمة أصعب وليس أسهل.
وبالنسبة إلى تمويه الضرر الاقتصادي كما لو كان صادراً عن الكساد الموجود سلفاً، فقد يكون في ذلك بعض الحقيقة في ما يتعلق بالضرر القريب الأجل المترتب على قطع للعلاقات من دون صفقة.
بيد أن ذلك لن يؤثر في التكاليف المتوسطة والبعيدة الأجل لمغادرة الاتحاد الأوروبي من دون صفقة تجارية.
وتوضح تقديرات جديرة بالثقة أن ضرر بريكست، بما في ذلك الضرر المترتب على وزارة المالية في عام 2018، أن معظم الضرر الاقتصادي لا يحصل في الأشهر القليلة الأولى بل على امتداد سنوات كثيرة، إذ سيؤذي تراجع التجارة مع سوقنا الأكبر وشركائنا التجاريين الأقرب نمو الإنتاجية البريطانية.
وسيكون فرض بريكست من دون صفقة على الاقتصاد البريطاني بصورة متعمدة في وقت يعاني من أسوأ ركود في التاريخ الحديث مشابهاً لوضع مرساة على عنق شخص يحاول الخروج من حفرة عميقة.
وقد تكون الحكومة مصيبة أو مخطئة حين تقدر أن التكاليف السياسية لبريكست من دون صفقة أصبحت أقل منها قبل أزمة فيروس كورونا.
لكن الرأي العام يجب ألا تكون لديه أوهام حول التكاليف الاقتصادية: فهي لم تتغير وهي كبيرة.
© The Independent