أثناء تحذيره من أنه قد يطلق عسكريين أميركيين ضد مواطنيهم المشاركين في مسيرات احتجاجية في البلاد، أمر دونالد ترمب أيضاً بتغييرات في انتشار العسكريين في الخارج من المتوقع أن تكون لها تداعيات دولية واسعة النطاق.
وحفّز تهديد الرئيس الأميركي باستخدام القوات المسلحة ضد التظاهرات، إدانة غير مسبوقة ولاذعة من قادة سابقين بارزين. وكان الجنرالان جيمس ماتيس وجون ألن والأدميرال مايك مولن من بين الذين حذّروا علناً من أن ترمب أصبح الآن خطراً على الأمة.
وتبيّن الآن أن ترمب طلب انسحاباً دائماً لأكثر من ربع القوات الأميركية المتمركزة في ألمانيا. ويبدو أن ذلك جرى مع قليل من التشاور مع الأعضاء الآخرين في "منظمة حلف شمال الأطلسي" ("ناتو"). ويُروّج أن الخطوة جاءت معاكسة لرغبات شخصيات بارزة في البنتاغون (وزارة الدفاع) ووزارة الخارجية. في المقابل، دحض مسؤولون في البيت الأبيض هذا الزعم.
وتعني خطة الرئيس الأميركي سحب 9500 جندي، مغادرة 27.5 في المئة من إجمالي الجنود الأميركيين في ألمانيا.
ويخطّط الرئيس أيضاً لتحديد الحدّ الأقصى للجنود المتمركزين في ألمانيا عند 25 ألفاً. ويبلغ العدد الإجمالي الحالي 34700، وثمة خطة طوارئ لرفع العدد إلى 50 ألفاً حين تدعو الحاجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاءت إجراءات ترمب في شأن الجيش بعد أسبوع من اتصال هاتفي ساده النفور بينه وأنغيلا ميركل، أوردت فيه المستشارة الألمانية أنها لن تشارك في قمة لمجموعة السبع تستضيفها الولايات المتحدة بسبب فيروس كورونا.
ووفق تقارير نشرتها وسائل إعلام ألمانية وبحسب دبلوماسيين غربيين، انتهت المكالمة قبل الوقت المحدّد بعدما تفرّد ترمب بالكلام تقريباً ليشكو من "منظمة الصحة العالمية" وحلف "ناتو" والاتحاد الأوروبي.
ومن المقرر استكمال انسحاب القوات الأميركية في سبتمبر (أيلول) 2020، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المحدّدة بعد شهرين. ويخفّض ترمب أيضاً عديد القوات الأميركية في أفغانستان على الرغم من تحذيرات تفيد بأن ذلك سيعزّز موقف حركة "طالبان" فتشنّ مزيداً من الهجمات. وثمة كلام أيضاً عن احتمال تخفيض الحضور العسكري الأميركي في كوريا الجنوبية. ومن المتوقع أن يحاول فريق الحملة الانتخابية للرئيس، الاستثمار في أن الأخير يعيد القوات إلى البلاد ويسحبها من مهمات أجنبية مُكْلِفَة.
ومن المرجح نقل جزء في الأقل من القوات الأميركية في ألمانيا إلى دول أخرى أعضاء في "ناتو" مُطلّة على بحر البلطيق وفي أوروبا الشرقية على الحدود مع روسيا. وقد ذكر رئيس الوزراء البولندي ماتيوش موارفيتسكي أنه يأمل في أن يُرسَل بعض عديد هذه القوات إلى بلاده في المستقبل.
ويبيّن مسؤولون في "ناتو" أنهم سيدرسون تفاصيل الخطط الأميركية قبل أن يقرّروا مدى الحاجة إلى إعادة موازنة القوات، أو ضرورة تدخّل دول أخرى أعضاء في ذلك الحلف.
وتألف جيش الراين البريطاني يوماً من 20 ألف جندي، لكن الأعداد خُفِّضت بشكل جذري مع مرور السنوات. وسُلِّم المقرّ الأخير في مدينة "بيلفلد" إلى السلطات الألمانية قبل ثلاثة أشهر، ولن تبقى سوى قوة صغيرة نسبياً وفق الترتيبات الحالية.
من جهة أخرى، جاءت الاستجابة من الحكومة الألمانية صامتة حتى الآن في شأن الانسحاب الذي كشفت عنه للمرّة الأولى صحيفة "وول ستريت جورنال"، ثم ما لبث أن أكده بشكل غير رسمي مسؤولون أميركيون. وأفادت وزارات في برلين بأنها تنتظر إعلاناً رسمياً من واشنطن. وقد ذكر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن الولايات المتحدة "شريك مقرّب عبر المحيط الأطلسي، لكن الوضع معقّد".
في مقلب آخر، صدر ردّ فعل قوي بشكل غير معتاد، من أعضاء كبار في الحزب الألماني الحاكم، "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، على ما فعله ترمب، إذ يعتقد دبلوماسيون بأن الانتقادات الحادة التي يواجهها ترمب محلياً، شجّعت السياسيين في أوروبا على اتّخاذ مواقف أقوى في مواجهته.
وكذلك يسوّق نواب ألمان من "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، أن السياسة الأمنية الأميركية والغربية الحيوية توجّهها الآن النية والأجندة الشخصيّتان لترمب.
في ذلك الإطار، ذكر نوربرت روتغن، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والخليفة المحتمل لميركل، "يبدو أن شعار "أميركا أولاً" قد تحوّل إلى "ترمب أولاً"، إذ يتعلّق الأمر كله به، وليس برؤيتة إلى العالم، وليس العمل السياسي، به هو، وبحاجته إلى تحقيق نفسه، وأحياناً بحاجته إلى الانتقام. إنه عصبي ويتعرّض لضغوط، وكلّما اشتدّ الضغط، يزداد وضعه حرجاً، ويحتاج أكثر إلى شنّ هجوم".
وعلى نحو مماثل، ذكر أندرياس نيك، وهو عضو في البرلمان الألماني، أن عدم صدور إعلانات من "البنتاغون" الذي أحال كل الاستعلامات إلى البيت الأبيض، دليل على "أن القرار كان له دافع سياسي محض". وأضاف زميله النائب يوهان وادفول أن الأمر يبيّن "مجدداً أن إدارة ترمب تتجاهل مهمة أولية من مهمات القيادة، تتمثّل في إشراك الحلفاء بعملية اتّخاذ القرار. وما جرى يشكّل دعوة جديدة لنا نحن الأوروبيين إلى الصحوة، وأن نضع مصيرنا في أيدينا".
وكثيراً ما شجب ترمب دولاً أخرى أعضاء في "ناتو" لفشلها المزعوم في إنفاق نسبة كافية من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، ما يشكّل إفراطاً في إرهاق الولايات المتحدة بتكاليف ذلك التحالف. من جهة أخرى، باتت علاقاته بميركل مشحونة بشكل خاص مع صدّ المستشارة بقوة هجمات من البيت الأبيض ودفاعها عن "حلف شمال الأطلسي" والاتحاد الأوروبي ومنظمات أخرى متعدّدة الأطراف.
وانتقد ترمب أيضاً تكراراً ألمانيا بسبب "نورد ستريم 2"، وهو خط للأنابيب يسير في قاع البحر من المقرّر أن يجلب مزيداً من إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا. ووقّع الرئيس قانوناً سيفرض عقوبات على كل شركة تساعد في المشروع. وجاء العنف الذي وسم معارضة ترمب لخط الأنابيب مفاجئاً، إذ بدا الرئيس متجنّباً لانتقاد روسيا، لا سيما رئيسها فلاديمير بوتين، في كل أمر تقريباً، ما عزّز الاقتناع بأنه كان مرشح موسكو إلى البيت الأبيض.
وخمّن البعض بأن ليس من صالح بعض من الداعمين الماليين للرئيس، استكمال المشروع.
في ذلك الصدد، ذكر دبلوماسي بريطاني سابق خدم في ألمانيا، أنه "ليس من المفاجئ ألّا يتفق ترمب والمستشارة ميركل على أمور كثير، إذ إنّها تمثل كل شيء يبدو أنه لا يحبه، وإنّها زعيمة قوية تحمل قيماً نيوليبرالية. لكنها تقترب من التقاعد، وقد لا يكون ترمب رئيساً بعد ستة أشهر من الآن. ولطالما كانت العلاقات بين البلدين قوية في الماضي ويُؤمَل في أن تعود إلى قوتها في المستقبل".
© The Independent