ضربت جائحة كورونا الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غرب أوروبا، بينها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، بين مارس (آذار) ومايو (أيار) بشكل قاتل، ربما أكثر من غيرها من دول العالم، التي تصنف على أنها أقل تقدماً أو أقل ثراءً.
وبعد أسابيع من السيطرة على الفيروس القاتل في العديد من هذه البلدان، يبدو أن الإخفاق الذي أبدته حكومات الدول الكبرى في مواجهة الفيروس لن يمر دون حساب، إذ اتجه عدد منها إلى التحقيق مع مسؤوليها وحكوماتها خلال الأسبوع الماضي.
تحقيقات متزايدة
في إيطاليا، أعلن رئيس الوزراء جوزيبي كونتي أنه سيخضع، اليوم الجمعة، لاستجواب من قِبل المدعين العموم بشأن الطريقة التي تعاملت بها حكومته مع كورونا في مدينة بيرغامو شمال إيطاليا، وهي واحدة من أكثر المناطق تضرراً بالوباء.
وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن المدعين يرغبون في معرفة سبب عدم إغلاق تلك المناطق التي تضررت بشدة حول بيرغامو، في وقت مبكر من تفشي المرض. وخضع الحاكم الإقليمي للومباردي، الذي يشمل بيرغامو، ورئيس الصحة في الإقليم، لاستجواب مماثل. في حين يلوم المسؤولون الإقليميون والحكومة بعضهم البعض على الإخفاق.
جاء ذلك بعد أن قدّم 50 من أقارب ضحايا الفيروس في إيطاليا شكاوى، الأربعاء الماضي، لدى مكتب المدعي العام في بيرغامو بشأن التعامل مع الوباء، وهو أول عمل جماعي قانوني من هذا النوع بالبلاد. وأصاب كورونا أكثر من 235 ألف شخص في إيطاليا، وأسفر عن مقتل ما يزيد على 34 ألفاً آخرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي فرنسا، فتحت النيابة العامة، الثلاثاء الماضي، تحقيقاً حول إدارة الأزمة الصحية للفيروس، بعدما أخذت قضية إدارة الأزمة مساراً قضائياً على خلفية عشرات الشكاوى ضد جهات إدارية مختلفة. وتتضمن الشكاوى المظالم الرئيسة التي تتعلق بالحماية في العمل وتوفير الكمامات والاختبارات. لكن هذا ليس التحقيق الوحيد في فرنسا، إذ إن هناك تحقيقين تم فتحهما بمجلس الشيوخ والجمعية الوطنية للوقوف على أسباب الإخفاق الفرنسي في التعاطي مع الكارثة.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب، ووزير الصحة أوليفييه فيران مَثلا في الأول من أبريل (نيسان) الماضي، أمام لجنة المعلومات بالبرلمان بشأن "الآثار وإدارة عواقب" انتشار الفيروس في البلاد، بعد تزايد الانتقادات الموجهة للفريق الحكومي، خصوصاً فيما يتعلق بنقص الأقنعة وأجهزة التنفس في المستشفيات. وأقر فيليب وقتها بأن الحكومة لا تعرف كل شيء في "مواجهة أحداث الطبيعة التي نعيشها، وفي مواجهة الأسئلة العلمية التي تطرح". بمعنى آخر كانت الحكومات الغربية تفتقر إلى المعلومات، وهو ما يمكن تفسيره في إطار موجة اللوم العالمي للصين لغياب الشفافية بشأن واقع الفيروس، الذي انتشر من أراضيها، لكنه في الوقت ذاته يعكس عدم استعداد الدول الكبرى للأزمات الصحية الكبرى على الصعيد العلمي واللوجيستي.
دعوات للتحقيق مع ترمب
وفي الولايات المتحدة، وُجهت لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب انتقادات واسعة على الصعيد الإعلامي من قبل خصومه في الحزب الديمقراطي بشأن الفشل في مواجهة الوباء. ومطلع يونيو (حزيران) الحالي، دعا تشارلي مارتل، الذي عمل قبلا كبير مستشاري التحقيق في اللجنة الفرعية للتعافي من الكوارث لدى مجلس الشيوخ في الكونغرس، إلى التحقيق في إدارة أزمة فيروس كورونا، التي وصفها بأنها معيبة بشدة، وحملت عواقب كارثية على نطاق تاريخي.
وأشار أستاذ القانون الأميركي لدى جامعة ميريلاند، إلى أن تعامل الإدارة الأميركية في الفترة من يناير (كانون الثاني) حتى منتصف مارس (آذار)، اتسم برفض الرئيس قبول التحذيرات الداخلية لخطر الوباء والتعامل معها، وإصدار بيانات أثبتت أنها خاطئة بشكل كبير حول انتشار الفيروس وفتكه وتقويض توصيات المتخصصين للمواطنين باتخاذ تدابير وقائية. ومن ثمَّ هناك ضرورة للتحقيق من قِبل الكونغرس يشمل مراجعة شاملة وتقريراً يدرس التعامل مع الأزمة بشكل شامل، ويحدد ما حدث من خطأ وصواب ويقدم توصيات محددة.
وكانت شبكة "سي إن إن" الأميركية، في منتصف أبريل الماضي، دعت إلى التحقيق في التعامل الكارثي لإدارة ترمب مع أزمة كورونا. ووصفت هجومه على منظمة الصحة العالمية واتهامها بالتغطية على الوباء بالتآمر مع الصين، بأنه محاولة يائسة منه، لصرف الانتباه عن سلوكه الكارثي، وواحد من أكبر الإخفاقات الأمنية في تاريخ الولايات المتحدة، مع عدد وفيات يتجاوز كثيراً كارثة بيرل هاربر، أو هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وتواجه الحكومة البريطانية شكاوى متزايدة بشأن سلسلة من الأخطاء السياسية المسؤولة عن أسوأ حصيلة لضحايا كورونا في أوروبا، بحسب صحيفة الغارديان. إذ تشير مراجعة للوثائق الرسمية ومقابلات مع سياسيين ومستشاري الأمن القومي ومتخصصين في إدارة المخاطر، إلى أن أحد الأسباب ربما تكون تمسك وزراء الحكومة البريطانية بالتوصيات الخاصة بخطة مواجهة الإنفلونزا، بينما المرضان مختلفان تماماً.
تأخر إعلان التدابير الاحترازية
وتتعدد أسباب الانتقادات لتعامل الحكومات المختلفة مع الأزمة، غير أن العامل المشترك يتعلق بالتحرك المتأخر في استيعاب الدروس التي تفهمها المناطق الأكثر خبرة في التعامل مع الأمراض المعدية. فبالنسبة لدول شرق آسيا مثل تايوان وسنغافورة، فإن تجربة تفشي مرض السارس، بين عامي 2003 و2004، دفعتها للتحرك سريعاً لتفعيل خطط الاحتواء بمجرد ظهور أخبار عن فيروس جديد خطير من الصين منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ويعد الدليل الساحق الذي يقع في قلب الانتقادات لإدارة ترمب، هو تلقيه تحذيرات مبكرة متكررة، منذ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، من احتمال حدوث جائحة. وبحسب "سي إن إن" فإن خطر الأوبئة معروفٌ، ويُدرس جيداً في الأوساط الاستخباراتية والعسكرية والعلمية. بينما لم تتمكن إدارة ترمب من معالجة هذه المعلومات وتوجيه الحكومة الفيدرالية مبكراً للتعامل بشكل فعال بالطريقة التي فعلتها تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية ودول أخرى. ويتوقع المراقبون أن يكون لهذا تأثيره في نتائج الانتخابات الرئاسية المقررة خريف العام الحالي.
الدول الناجحة
ومن بين السمات المشتركة للنهج الذي اتبعته الدول التي نجحت في احتواء المرض، هو إجراء الاختبارات على نطاق واسع، وتتبع الحالات المخالطة وفرض حظر سفر والحجر الصحي على القادمين من الخارج واستخدام أقنعة الوجه "الكمامة" في الأماكن العامة، جنباً إلى جنب مع الشفافية والتواصل الإعلامي الفعال مع الجمهور.
وفي الوقت نفسه، كان لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتضررة المزيد من الوقت للاستعداد لمواجهة الفيروس القاتل، لكن بحسب وصف صحيفة "آيرش تايمز"، فإن الحكومات قد أضاعت هذه الفرصة، إذ كان بإمكان مسؤوليها أن يروا منذ أواخر شهر يناير (كانون الثاني) أن المرض ينتقل من إنسان إلى آخر، وأنه شديد العدوى، ويسفر عن معدل وفيات مرتفع، وأن أحد أفضل الطرق للحد من انتشاره كان من خلال التباعد الاجتماعي. غير أن الخطوة جاءت متأخرة بالنسبة للدول الأوروبية الثلاث الأكثر تضرراً، إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، فضلاً عن المملكة المتحدة، إذ كان الفيروس قد انتشر بالفعل داخل البلاد وشكلت زيادة الحالات ضغطاً كبيراً على النظام الصحي.
وداخل أوروبا نفسها، تشير البيانات الخاصة بمعدلات الإصابة والوفيات جراء الفيروس إلى وجود فجوة واضحة. فالدول التي تصرفت بشكل أسرع حققت أفضل النتائج. وفيما يشير خبراء إلى أن العوامل الديموغرافية والكثافة السكانية لعبا أيضاً دوراً في توزيع الوفيات، لكن ظهر نمط لافت للنظر في هذه المرحلة الأولى إذ تأثرت دول أوروبا الشرقية بشكل أقل حدة من جيرانها الغربيين. وعلى سبيل المثال، عانت كل من إسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة حالات وفاة أكثر من جمهورية التشيك أو المجر أو سلوفاكيا منذ بدء الأزمة.