عندما وصلت الرحلة 32 للخطوط الجويّة البريطانيّة آتية من هونغ كونغ إلى مطار هيثرو في لندن عند الساعة 4:40 فجراً من يوم الإثنين المنصرم، غدا ركّابها أول المسافرين جوّاً الذين تطبّق عليهم تدابير الحجر الصحّي البريطانيّة الجديدة، المثيرة للجدل. فقبل إقلاع الطائرة طلب من جميع ركّابها تعبئة نموذج "تحديد موقع المسافر" Passenger Locator Form. إذ ينبغي على الركاب، ما عدا طاقم الطائرة ومسافري الترانزيت، الإبلاغ عن العنوان الذي سيقيمون فيه على مدى أسبوعين مقبلين. كما ينتظر منهم إثر سفرهم التوجّه فوراً إلى مكان انعزالهم الطوعي، وعدم استخدام النقل المشترك إلّا عند الضرورة، والبقاء في مكان عزلهم حتّى الساعة 12:01 ظهراً من يوم الثلاثاء 23 يونيو (حزيران). إذ إن أيّام الحجر الـ14 يبدأ حسابها من اليوم التالي للوصول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتحمّل كل من يخرق الحجر الصحّي مسؤوليّة تسديد غرامة ثابتة، مقدارها 1000 جنيه إسترليني (خفضت إلى 480 جنيهاً إسترلينياً في إسكتلندا).
وابتُكر هذا التدبير على يد دومينيك كمينز، المستشار الأوّل لرئيس الوزراء البريطاني، وتعمل وزيرة الداخليّة بريتي باتيل على تطبيقه. وقالت الوزيرة متحدّثة عن التدبير: "نريد تلافي حدوث موجة ثانية من هذا الفيروس، أي أننا لا نريد حصول هذه الموجة الثانيّة. قُضي الأمر! كما نودّ كبح هذه الموجة الثانية الآتية إلى بريطانيا من إصابات فيروس كورونا مستوردة من الخارج".
وجاءت آثار تدبير الحجر الصحّي هذا لتخنق السياحة البريطانيّة الداخليّة والخارجيّة. حيث ألغت وكالتا السياحة الأكبر في المملكة المتّحدة، "توي" Tui و"جيت2" Jet2، جميع رحلاتهما لشهر يونيو (حزيران).
وأيّد تدبير الحجر الصحّي المستشار العلمي الأوّل لوزارة الداخليّة البريطانيّة، البروفيسور جون أستون، الذي قال في هذا الصدد إنّ "عدد الإصابات في بريطانيا يتراجع، وعلينا الآن التعامل مع مخاطر العدوى المقبلة من أماكن أخرى". غير أن الحكومة البريطانيّة لم ترجع إلى رأي هيئة مستشاريها العلميين لحالات الطوارئ، المعروفة بـ"هيئة الحكماء" Sage.
ويرأس Sage كبير مستشاري الحكومة العلميين، السير باتريك فالانس، الذي تناول تدابير الحجر الصحّي قائلًا إن "التأثير الأكبر لتدابير كهذه يأتي عندما يكون عدد الإصابات منخفضاً جدّاً، وهي تكون في ذروة تأثيرها حين تُطبّق على بلدان من معدّلات أعلى".
ويُشكّل عدد إصابات كورونا الجديدة في بريطانيا النسبة الأعلى مقارنة بمعظم البلدان الجاذبة للسيّاح البريطانيين، باستثناء الولايات المتّحدة الأميركيّة. وأظهر تحليل "اندبندنت" أنّ تدبير الحجر الصحّي سيزيد من عدد إصابات فيروس كورونا في المملكة المتّحدة عبر حيلولته عمليّاً دون سفر البريطانيين الذين هم بصحّة جيّدة والأقلّ عرضة للإصابة.
وتدبير الحجر الصحّي هذا، الذي إن لم يُعدّل سيُطبّق طوال عام كامل، يتّحدُ في معارضته أقطابُ قطاع السفر الذي شهد تراجعاً حادّاً خلال الأشهر الثلاثة الأسوأ في تاريخه الحديث. أمّا حزب العمال البريطاني فقد رحّب بتدبير الحجر، الذي شجبه عشرات النواب المحافظين والذي يواجه تحدّيات قانونيّة من ثلاث شركات سفر هي في الأحوال الطبيعيّة من أشدّ المتنافسين. إذ اعتبرت كلّ من الخطوط الجويّة البريطانيّة British Airways وشركتي "إيزي جيت" EasyJet و"ريانير" Ryanair أنّ تدبير الحجر "غير متناسب ومجحف". وقال متحدّث باسم "ريان إير": "نناشد الحكومة البريطانيّة إلغاء الحجر الصحّي للزائرين، فهو غير نافع وستكون له آثار كارثيّة في قطاع السياحة في المملكة المتّحدة وسيدمّر (فوق ما دمّر) آلاف الوظائف في خضم هذه الأزمة غير المسبوقة".
وتقوم مجموعة من وكالات وشركات السفر الداخلي والخارجي، تُعرف باسم "أبطلوا الحجر الصحّي" Quash Quarantine بإجراء مراجعة قانونيّة للتدبير. كما تقوم وزارة النقل البريطانيّة بمحاولة إبطال تدبير الحجر بسلسلة من الإجراءات تعرف بـ"الجسور الجويّة" air bridges و"ممرّات السفر" travel corridors. ويتمثّل الهدف بمواجهة تدبير الحجر في حثّ دولٍ متعطّشة للسياحة، ولديها معدّلات أدنى في الإصابة بكوفيد 19، على توقيع اتفاقيات "عدم الحجر". وذاك سيسمح للزوّار البريطانيين بتلافي 14 يوماً من الحجر الصحّي الطوعي حين يعودون إلى المملكة المتّحدة.
كما من المتوقّع مراجعة تدبير الحجر الصحّي في 29 يونيو (حزيران). وأملت قطاعات الأعمال في أن يجري التخفيف من التدبير في وقت مناسب يسمح للسائحين والمصطافين البريطانيين في السفر ابتداءً من 1 يوليو (تمّوز) – وهو تاريخ استئناف الرحلات الجويّة الذي حدده العديد من البلدان السياحيّة الرئيسة وشركات الطيران. بيد أن تقريراً نشرته صحيفة "ذا صن" The Sun نقل عن مسؤول حكوميّ رفيع قوله إن "تصميم ممرّات سفر دوليّة يمثّل عمليّة بالغة التعقيد، خصوصاً أنّها مسألة عابرة للحكومة". وقال المسؤول البريطاني إن "الهدف يتمثّل في تحقيق أولى الاتفاقيّات مع حلول منتصف يوليو (تمّوز)، وستكون الاتفاقيّة مع الاتحاد الأوروبي هي الأولى". ويتوقّع أن تطلب تركيا ومصر وتونس والمغرب الوصول إلى اتفاقيّات مماثلة. الولايات المتّحدة من جهتها، الوجهة السياحيّة المرغوبة من قبل السائحين البريطانيين والتي تعاني من نسبة إصابات جديدة أعلى ممّا تعانيه بريطانيا، تحظر في الوقت الراهن وصول المسافرين البريطانيين من المملكة المتّحدة إلى أراضيها.
© The Independent