الدواء في السودان أصبح من الرفاهيات، وفق الحاج بشير، وهو سائق تاكسي خمسيني من أم درمان، يُعاني من أجل توفيره، حيث يعمل يوماً كاملاً لتوفير صنف واحد من الأدوية لابنته. والآن "صار الحصول عليه أصعب من الأمس بسبب انقطاعه من معظم الصيدليات".
شحّ الأدوية دفع تجاراً إلى استغلال الأزمة وبيعها في السوق السوداء، حيث تضاعفت الأسعار أيضاً.
أزمة قديمة متجددة
قبل ثلاث سنوات، انفجرت أزمة دواء حادة في البلاد، نتجت عنها تظاهرات شعبية نادت بإسقاط حكومة عمر البشير، وهي أزمة لا تزال مستمرة إلى اليوم.
آلاف السودانين يواجهون خطر الموت جرّاء انقطاع الأدوية المنقذة للحياة والأساسية، وعقار ضغط الدم والسكري وحتى الأوكسجين.
إيمان محمد تعمل في إحدى صيدليات الخرطوم، وتقول إن "ندرة الأدوية جعلتهم في حالة ترديد عبارة (خلصان) بصورة مستمرة، حيث لم تبقَ سوى الأدوية غير المهمة وذات الطلب المنخفض".
إضراب الصيادلة
في 31 مايو (أيار) الماضي، نظّم أصحاب الأدوية والصيدليات إضراباً عن العمل، ولكنهم عادوا عنه بطلب من رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، ثم رفعوا مذكرة إلى مجلس الوزراء الانتقالي، طالبوا فيها بضرورة تعامل الدولة مع الدواء كسلعة استراتيجية، وإنشاء محفظة دائمة لتوفير مطالبهم.
في السودان تغطي الشركات المحلية 40 في المئة فقط من مطالب السوق، والآن أكثر من 50 صنفاً مفقود.
شح في المواد
أرجع مُصنعو الأدوية سبب عدم تصنيعها في السودان إلى عدم توفّر المواد الخام، بالإضافة إلى ارتفاع الدولار الذي تخطى حاجز 140 مقابل الجنيه السوداني في السوق السوداء، وأزمة البنزين والجازولين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صدّاح الأمين، من غرفة مستوردي الأدوية، يقول لـ"اندبندنت عربية"، إن "السياسة الموضوعة والمُعلنة هي التزام الدولة توفير النقد الأجنبي بالسعر الرسمي مقابل فواتير استيراد الدواء وتضمينه كسلعة استراتيجية".
ويُرجع الأزمة إلى "عدم إيفاء الدولة بالتزامها توفير النقد حتى تاريخ اللحظة، وبالتالي توقفت عمليات الاستيراد منذ بداية العام مما سبّب ندرة في معظم أصناف الأدوية في الشركات والصيدليات، بالتزامن مع انهيار القطاع الصيدلي المُنظم بسبب تعطُل النشاط التجاري".
ويتوقع أن "تزيد الفجوة الدوائية بشكل كبير جداً خلال الربع الثالث من العام الحالي في حال عدم إسراع الدولة لحل الإشكالية، خصوصاً أن عملية الاستيراد تستغرق أربعة أشهر".
أسباب الأزمة
دكتور صلاح جعفر، من لجنة الصيادلة المهنيين، قال إن "الأزمات متواصلة ومستمرة بسبب سوء تخطيط الدولة منذ حكومة البشير، حيث لم يكن هناك تخطيط أو استراتيجية معينة. قبل عقدين كان هناك استقرار اقتصادي ووفرة، مما جعل الحكومة تتجاهل أهمية وضع رؤية واضحة. وبعد انفصال الجنوب عام 2011 ساء الوضع الاقتصادي، ولكن كان يمكن للحكومة أن تحتوي الأزمة آنذاك، ولم يحدث، بل استمر التجاهل، وأُلقي اللوم على الشركات والتجار وتم اتهامهم بالجشع"، وحتى اللحظة لم تقدم أي آلية فعالة.
يضيف جعفر "الدولة حالياً تستهلك 350 مليون دولار شهرياً لاستيراد القمح والوقود، فلو خُصص 10 في المئة فقط من هذا المبلغ للأدوية لكان الوضع أفضل".
ووفق متخصصين، فإن الحل الوحيد للنجاة من أزمة الدواء هو توفير 55 مليون دولار شهرياً، 20 مليون للقطاع الحكومي، و10 ملايين للقطاع الخاص، و25 مليون لقطاع الاستيراد. وخلال ستة أشهر، تم توفير أدوية بقيمة 9 ملايين دولار، في الوقت الذي كان السودان يحتاج إلى أدوية بقيمة 300 مليون.