في موقفٍ يعكس الوضع الذي آلت إليه مفاوضات صفقة الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي، حذّر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل في أعقاب محادثاتٍ رفيعة المستوى مع رئيس الوزراء البريطاني، من أن الاتّحاد الأوروبي لن يقبل من بوريس جونسون صفقةً شبيهة بمَن "يشتري سمكاً في البحر".
أوضح ميشيل أن مطالب الاتّحاد الأوروبي بتكافؤ الفرص بين الجانبين في قواعد، وأنظمة ما بعد الخروج البريطاني من الكتلة الأوروبية - التي تمّ رفضها رفضاً قاطعاً من جانب رئيس الوزراء البريطاني - كانت "أساسية" للتوصّل إلى اتفاقٍ على العلاقات التجارية والأمنية في المستقبل.
وفي بيان مشترك صدر بعد محادثاتٍ رفيعة المستوى أجريت عبر الفيديو، لإعطاء دفع جديد لمحادثات التجارة المتوقّفة بين الجانبين، أعلن كلٌّ من بوريس جونسون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عن استعدادهما "لتكثيف" المفاوضات التي لم تحقّق أي تقدّم يُذكر منذ بدء مرحلة الخروج الرسمي للمملكة المتّحدة من الاتّحاد الأوروبي في 31 يناير (كانون الثاني) الماضي.
لكن رئيس الوزراء البريطاني يصرّ على الاعتقاد أن لدى المملكة المتّحدة فرصةً "جيّدة للغاية"، كي تتوصّل إلى صفقة تجارية مع الاتّحاد الأوروبي بحلول نهاية السنة، "شرط أن نقوم بتركيز جدّي الآن، ونواصل القيام بذلك حتى إتمامها"، على حدّ تعبيره. ورأى أن المفاوضات تحتاج إلى "القليل من الجهد"، وحضّ الاتّحاد الأوروبي على الاستعداد للتوصّل إلى اتّفاق بحلول أواخر الصيف.
أما رئيس المجلس الأوروبي فأشار من جانبه إلى أن الاتّحاد الأوروبي "لن يقبل أبداً صفقة تتعارض مع مصالح دوله". ومن خلال استخدام التعبير الإنجليزي الذي يشير إلى سلعةٍ معروضة للبيع، لكن دون أن يتمكّن المشتري من تفحّص جودتها، قال شارل ميشال إن "اتفاقاً شاملاً وطموحاً مع بريطانيا يتماشى مع توجيهات المجلس الأوروبي، من شأنه أن يصبّ في المصالح المشتركة للجانبين. إننا جاهزون لإدارة محرّكاتنا، وتزخيم عملها. لكننا لسنا على استعداد لشراء سمكٍ في البحر Ready to put a tiger in the tank but not to buy a pig in a poke، فتكافؤ الفرص بين الطرفين مسألة ضرورية.
في عضون ذلك، حذّر "الحزب القومي الاسكتلندي" من أن الفشل في تحقيق تقدّم في المحادثات حتى الآن، "زاد من احتمالات أن تكون المملكة المتّحدة متوجّهةً نحو صفقةٍ سيّئة، أو إلى وضع "لا صفقة"، في ما يتعلّق بالخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي".
في المقابل، قال أحد الحلفاء المقرّبين من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوضوح، إن باريس باتت مستعدّةً لمسألة عدم التوصّل إلى اتفاق مع بريطانيا، في حال رفض بوريس جونسون تقديم تنازلات في قضايا مثل مصايد الأسماك، والتكافؤ المتبادل لتجنّب المنافسة غير العادلة.
كان التأكيد الرسمي لرئيس الوزراء البريطاني الأسبوع الماضي، أن المملكة المتّحدة لن تطلب تمديد المحادثات مع بروكسل، قد زاد من الضغط الهادف إلى التوصّل إلى اتفاقٍ سريع، أو مواجهة احتمالات فرض تعريفاتٍ جمركية جديدة، ووضع حواجز أخرى أمام حركة التجارة مع الاتّحاد الأوروبي، اعتباراً من 31 ديسمبر (كانون الثاني) المقبل.
الناطق الرسمي باسم بوريس جونسون أعلن مع انطلاق المحادثات، أن رئيس الوزراء سيوضح أنه فيما لا تزال المملكة المتّحدة راغبةً في إبرام اتفاق "طموح" يتعلّق بالتجارة الحرّة مع دول الاتّحاد الأوروبي، فإنها مستعدّة للانتقال إلى قواعد "منظّمة التجارة العالمية" اعتباراً من مطلع شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، إذا كان التوصّل إلى اتفاقٍ مع بروكسل غير ممكن.
من شأن ذلك أن يؤدّي إلى فرض رسوم جمركية كبيرة على عددٍ من الواردات، بما في ذلك وضع ضريبة نسبتها 10 في المئة على السيّارات الآتية من الاتّحاد الأوروبي، التي من المرجح أن تزيد كلفة سيّارات الأسرة العادية مثل فولكسفاغن ورينو بنحو 1500 جنيه إسترليني (1874 دولار أميركي) أو أكثر، بالنسبة إلى المستهلكين البريطانيّين.
الوزيرة الفرنسية السابقة لشؤون أوروبا ناتالي لوازو، التي هي الآن من كبار أعضاء البرلمان الأوروبي عن حزب "إلى الأمام" En Marche الذي يتزعّمه الرئيس إيمانويل ماكرون، علّقت من جانبها على مسار المفاوضات فقالت لبرنامج "توداي" الذي يُبثّ على "بي بي سي راديو 4"، "بتنا على استعداد للتعامل مع مسألتي حصول اتفّاق، أو عدم التوصّل إليه. ونحن نتهيّأ أكثر لاحتمال عدم توقيع صفقة في ظلّ الظروف القائمة".
وأضافت لوازو: "إننا نتوخّى من بوريس جونسون أن يلتزم خوض المفاوضات، وأن يخبرنا عمّا إذا كان يريد حقّاً التوصّل إلى اتفاق. فما جرى حتى الآن، كان بمثابة تكرارٍ للتصريحات والمواقف، ولم يظهر ما يشير إلى إجراء مفاوضاتٍ حقيقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن رئيس الوزراء البريطاني أشار في تصريحٍ له عقب المحادثات في "داونينغ ستريت" إلى أن "ما تحتاج إليه المملكة المتّحدة واضحٌ للغاية. فلا يمكننا إشراك "محكمة العدل الأوروبية" في هذا البلد، ولا يمكن أن يكون لدينا نظام نواصل من خلاله التقيّد بقانون الاتّحاد الأوروبي، حتى عندما نكون خارج كتلته، ويتعيّن علينا كذلك القبول بأن تحصل الدول الأوروبية على مقدارٍ كبير من ثروتنا السمكية".
وأضاف جونسون: "ما نسعى إلى تحقيقه واضح جدّا، ولا أعتقد في الواقع، أننا بعيدون كلّ البعد عن بعضنا بعضاً، لكن ما نحتاج إليه الآن هو بذل مزيدٍ من الجهد في المفاوضات".
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أوضحت في بيان لها نشرته على حسابها عبر "تويتر" بعد وقتٍ قصير من انتهاء محادثات يوم الاثنين، أنها، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ورئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي "أخذوا علماً بقرار المملكة المتّحدة عدم تمديد الفترة الانتقالية، وتوافقوا على بلورة أفضل صفقة مع المملكة المتّحدة، بالنسبة إلى مواطنينا".
معلومٌ أن الاتّحاد الأوروبي حرص على التأكيد على أن تمديد فترة عضوية المملكة المتّحدة متاحٌ لمدّة قد تصل إلى سنتين. وأشارت استطلاعاتٌ في المقابل إلى أن الرأي العام البريطاني يريد من جونسون أن يستفيد من الوقت الإضافي بعدما تعطّلت المفاوضات نتيجة تفشّي فيروس "كورونا".
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، والسيدة فون دير لاين في بيانهما المشترك عن "ترحيبهما بالمناقشات البنّاءة" التي أجراها كبيرا المفاوضين ديفيد فروست، وميشال بارنييه على مدار الأشهر الأربعة الأخيرة، التي قالا إنها سمحت للطرفين "بتوضيح المواقف وفهمها فهماً أكبر". وأوضحا أن الاتّحاد الأوروبي قبِل رفض المملكة المتّحدة تمديد الفترة الانتقالية.
لكنهما أضافا بأنه "مع ذلك، اتّفق الطرفان على أهمية قيام زخمٍ جديد. وأيّدا الخطط التي اتّفق عليها رئيسا المفاوضين من أجل تكثيف المحادثات في شهر يوليو (تموز)، وتهيئة أفضل الظروف لإبرام اتفاق، والمصادقة عليه قبل نهاية السنة 2020". ولفتا إلى أنه "يجب أن يشمل هذا، إن أمكن، التوصّل إلى فهمٍ مبكّر للمبادئ التي يقوم عليها أيّ اتفاق".
إيان بلاكفورد زعيم "الحزب القومي الاسكتلندي" في مجلس العموم البريطاني، كشف أن تحليل الحكومة الاسكتلندية توصّل إلى أن إنهاء الفترة الانتقالية في السنة 2020، يمكن أن يلحق خسارةً باقتصاد اسكتلندا بنحو 3 مليارات جنيه استرليني (3 مليارات و750 مليون دولار) خلال سنتين فقط - إضافةً إلى وطأة فيروس "كورونا".
ورأى بلاكفورد أن "بوريس جونسون يأخذ المملكة المتّحدة مباشرةً نحو كارثة الخروج من الاتّحاد الأوروبي، الأمر الذي يهدّد بإلحاق مخاطر متزايدة باقتصادنا، سواء تمّ التوصّل إلى صفقةٍ سيّئة مدمّرة، أو في حال عدم التمكّن من إبرام اتفاق".
أضاف "مرّةً أخرى، يضع رئيس الوزراء الهوس المحدود لـ"المحافظين" بالخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي، قبل مسؤولياته في حماية وظائف الناس، والشركات التجارية، والحفاظ على مستويات المعيشة. ويتعيّن عليه أن يفكّر من جديد، وأن يوقف محادثاته الفاشلة، وأن يوافق على تمديد الفترة الانتقالية المطروحة لمدة سنتين.
ختم زعيم "الحزب القومي الاسكتلندي" في مجلس العموم البريطاني بالقول "تواجه المملكة المتّحدة بالفعل أسوأ أزمةٍ اقتصادية منذ نحو عقود. وقد يكون من التهوّر إلى أقصى الحدود، أن تعمل حكومة حزب "المحافظين" على إضافة عبء أزمة المغادرة البريطانية للاتّحاد الأوروبي، على مشكلة فيروس كورونا، وهو ما من شأنه أن يعرّض المزيد من الوظائف، والأعمال للخطر، وأن يسهم في ارتفاع معدّلات البطالة وانفلاتها".
© The Independent