خلال التحضير للقمة الأميركية- الروسية في هلسنكي عام 2018، ركّز مستشار الأمن القومي جون بولتون على أمرين في عرضه للأولويات الأميركية: إكمال الحرب على داعش، وإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا.
وكان رأيه أن "إيران تتبع أجندتها الخاصة بالنظر إلى أهدافها في لبنان مع الشيعة والتي لا علاقة لها بالأهداف الروسية وتخلق مشاكل للروس ولبشار الأسد".
ووفق جون بولتون في كتاب "الغرفة حيث حدثت"، فإن فلاديمير بوتين قال له "أبلغ الرئيس (دونالد) ترمب أن الروس ليسوا بحاجة إلى إيرانيين في سوريا، ولا مصلحة لروسيا في وجودهم هناك. هدف روسيا هو تعزيز الدولة السورية لمنع الفوضى كما حدث في أفغانستان، في حين أن لإيران أهدافاً أوسع".
وكان الانطباع الذي نقله بولتون إلى رئيسه هو أن هاجس بوتين "إذا انسحبت إيران هو من سيحمي القوات السورية ضد عدوان واسع وأن الأسد يمنعه من الضغط على الإيرانيين لأنه يعتمد عليهم في معركة إدلب". وفي القمة، بحسب رواية ترامب والمترجم، فإن المحادثات كانت في معظمها عن سوريا وما الذي نفعله "نحن والروس لتحفيز الإيرانيين على المغادرة".
وعلى مدى عامين بعد القمة، توسع الوجود الإيراني في سوريا، وحدث مدّ وجزر في العلاقات الأميركية- الروسية، وازداد الضغط الاقتصادي الأميركي على طهران لإخراجها من سوريا. إسرائيل كثّفت غاراتها الجوية، بغض نظر روسي، على قواعد ومراكز ومستودعات صواريخ إيرانية. دول عربية أجرت مباشرة أو بالواسطة محادثات مع مسؤولين سوريين لإقناع دمشق بالتخلي عن التحالف مع إيران والعودة إلى موقعها العربي الطبيعي. وقنوات الحوار بين واشنطن وموسكو بقيت مفتوحة. لكن الحسابات لم تتبدّل، بصرف النظر عن الوقائع المتطورة. فلا أحد بدا على استعداد للعمل بموجب المثل الإيراني القائل "إذا كنت لا تستطيع حل عقدة بإصابعك، فلماذا لا تفكها بأسنانك؟".
ولا شيء يوحي بأن الصفقة الكبيرة بين أميركا وروسيا صارت ناضجة. لا في الإطار المحصور بالحاجة إلى تسوية سياسية في سوريا مطلوبة روسياً وأميركياً وعربياً وصينياً. ولا في الإطار الأوسع الذي يضم أوكرانيا واتفاقات الحد من التسلح وتوسّع الحلف الأطلسي صوب الحدود الروسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ذلك أن ثمن الصفقة كبير، والوقت حرج عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية. والأسئلة كثيرة. هل يستطيع ترمب دفع الثمن الذي يريده بوتين وبالعكس؟ إلى أي حد يمون الكبار على القوى الإقليمية والنظام السوري؟ هل يريد بوتين بالفعل إخراج إيران من سوريا، وهل هو قادر على ذلك إذا ما أراد؟ وهل في حسابات الأسد وحسابات إيران شيء اسمه فك التحالف الإستراتيجي بينهما؟ الواقع أبلغ من الأجوبة. وهو يكشف كثيراً من الأوهام في الرهانات على إعادة الساعة إلى الوراء في حرب دخلت عامها العاشر وصنعت حقائقها على الأرض. من سيناريو الرهان على أن يتخلى الأسد عن إيران ثم أن تتخلى روسيا عن الأسد إلى سيناريو إقناع إيران بالتخلي عن نفوذها الإقليمي وصواريخها الباليستية في مفاوضات مع أميركا تحت ضغط العقوبات. ومن سيناريو التفريق بين تغيير النظام وتغيير السلوك إلى سيناريو الحرب الشاملة التي تغيّر كل شيء.
والواقع أن إيران موجودة عسكرياً في مواقع متعددة في محافظات دمشق وحلب وحمص ودير الزور ودرعا والسويداء والقنيطرة والساحل السوري. وموجودة من خلال مستشارين في مفاصل مهمة من الجيش. ومتغلغلة في النسيج الاجتماعي السوري عبر التشيّع والجمعيات التي تقدم خدمات وضمانة لربط لبنان بسوريا عبر حزب الله. وهي تعرف أن التخلي عن الوجود في سوريا وكل النفوذ الإقليمي يعني نهاية المشروع الإيراني وربما نهاية النظام أو إضعافه. فضلاً عن أن النخبة الروسية باتت مقتنعة بغياب القدرة على فصل النظام السوري عن إيران، واستحالة "تغيير سلوك النظام" كما جاء في قراءة خبير روسي لتصريحات وزير الخارجية وليد المعلم. وفضلاً أيضاً عن أن مصالح روسيا مع إيران واسعة. والرهان على "الضغط الأقصى" مسار طويل في إستراتيجية أميركا الموصوفة بقلة الصبر الإستراتيجي.
لكن، من الوهم أيضاً بقاء اللعبة على حالها في سوريا التي يقول الروس إن نظامها وصل إلى مرحلة "التكلّس" والحاجة إلى سوريا جديدة، وتسجل الأمم المتحدة أن 80 في المئة من شعبها تحت خط الفقر. فلا مخرج إلا بصفقة كبيرة أو بانفجار كبير. و"العقل وجد دائماً عند الإنسان، ولكن ليس دائماً بصورة عقلانية"، كما قال كارل ماركس.