أعلن حراك المدن والقبائل الليبية، المكوّن من عدد من مشائخ ووجهاء وأعيان شرق ليبيا وجنوبها، إعادة فتح حقول إنتاج وموانئ تصدير النفط، بعد إغلاق دام أشهراً، احتجاجاً على ما وصفوه آنذاك، باستخدام عوائد النفط، لـ "جلب المرتزقة والسلاح إلى ليبيا، من قبل حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس".
وقالت مصادر ليبية متطابقة، إن هذه الخطوة، اتخذت بعد ضغط دولي كبير، مورس على قيادة الجيش والبرلمان، لتحريك الانسداد الحاصل، في المسار التفاوضي، بين طرفَي النزاع الليبي، على خلفية عدد من الإشكالات العالقة، يتقدمها ملف إغلاق النفط.
ضح النفط بشروط وضمانات
في المقابل، أوضح الحراك، في بيان، تلي في ميناء الزويتينة النفطي غرب بنغازي، أنهم "فوضوا القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، بالتواصل مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لإيجاد حلول تضمن عدم وقوع إيرادات النفط، في يد الميليشيات الإرهابية".
وأضافوا "عطّلنا إنتاج النفط وتصديره، لمطالبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بوضع آلية، لضمان عدم وقوع إيرادات النفط، في يد المليشيات وقادتها".
الجيش يدرس الخيارات
تعليقاً على إعادة إنتاج النفط، قال الناطق باسم قوات القيادة العامة أحمد المسماري، إن "القيادة العامة، تدرس حالياً الخطوات المقبلة، في ما يتعلق بالتفويض، الذي تلقته بإدارة المنشآت النفطية".
وتابع المسماري أن "القيادة العامة، لطالما رحّبت بأي حراك ليبي، لإنهاء الأزمة وتجفيف تمويل الإرهاب في ليبيا، من خلال قفل النفط".
وأضاف "تعمل القيادة العامة بشكل مستمر، على تأمين المنشآت النفطية، من أصول شركات ومنابع وآبار وموانئ"، موضحاً أن "إغلاق المنشآت النفطية، كان يدار بشكل شعبي وقبلي، ولكن انتقل إلى إدارة القيادة العامة للقوات المسلحة".
ويرى رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية، في مجلس النواب عيسى العريبي، أن "اللجنة تتطلع إلى إعادة تصدير النفط، في أقرب فرصة، بعد وقف إطلاق النار والاتفاق على آليات، تضمن التوزيع العادل لعوائده، على كل الليبيين".
ورقة تفاوض في يد الجيش
يعتبر الصحافي الليبي معتز الفيتوري، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن "الجيش يريد أن يمتلك ورقة النفط في يده ويستخدمها لصالحه، على طاولة المفاوضات، إذا عقدت"، موضحاً أن "ما حصل هو نقل القبائل حقول وموانئ النفط، التي كانت تغلقها، إلى سلطة الجيش، وتفويضه للتصرّف بما تقتضيه المصلحة العامة للدولة والمصلحة الخاصة، المتعلقة بالنزاع مع حكومة الوفاق".
ويشير إلى أن "النفط لم يستأنف إنتاجه، حتى الآن، ولكن هذا بات ممكناً بشروط، أعتقد أنه تم التعهّد للجيش دولياً بتحقيقها، وتتمثّل في نقطتين أساسيّتين، توزيع عادل للعوائد وإدارة الموارد النفطية، بشكل مستقل بعيداً من سلطة حكومة الوفاق والمؤسسات التقليدية الموالية لها، ممثلة بالمصرف المركزي ومؤسسة النفط، في طرابلس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خسائر ضخمة
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط، أوردت في آخر بيان لها، حول خسائر الإغلاق القسري لحقول وموانئ النفط الصادر في 21 يونيو (حزيران) الحالي، أن إجمالي الخسائر اقترب من "6 مليارات دولار".
وبلغ إنتاج ليبيا من النفط يومياً، قبل غلق الحقول والموانئ، 1.22 مليون برميل يومياً، وفق بيانات متطابقة لمؤسسة النفط الليبية، ومنظمة "أوبك".
الكل يهاجم أنقرة
في سياق آخر، واصلت أطراف عدة، داخل ليبيا وخارجها، نقدها الشديد للممارسات التركية، التي عقّدت الأزمة الليبية، وصعّبت فرص التسوية.
وفي هذا الإطار، يقول النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، أحميدة حومة، إن "تركيا تمارس ضغوطاً كبيرة، على حكومة الوفاق، في طرابلس، من أجل التوجه إلى مدينة سرت، للسيطرة على منطقة الهلال النفطي والاستيلاء على مدينة الجفرة، بوابة الجنوب الليبي وحقوله النفطية".
في المقابل، يصف الممثّل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية، في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في تصريحات له أمس الاثنين "حظر الأسلحة إلى ليبيا، بالمهزلة، في إشارة إلى الانتهاكات التي ترتكبها تركيا"،
مشيراً إلى أن "العلاقات الأوروبية مع تركيا، تسير من سيّء إلى أسوأ، ويجب طرح القضايا كافة معها على الطاولة" .
بينما اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون أن "سلوك تركيا في ليبيا، يلقي بمسؤولية جنائية وتاريخية، على حلف شمال الأطلسي، ويجب أن يتعامل بجدية مع هذا الوضع" .
وتكفّلت حكومة الوفاق، على لسان وزير خارجيتها، محمد سيالة، بالرد على الاتهامات الفرنسية لتركيا، بتعقيد المشهد الليبي، حيث قال في بيان مقتضب " كنا نأمل أن يصدر من الرئيس إيمانويل ماكرون، تصريحاً يفيد برفضه عدوان حفتر، على العاصمة طرابلس، طيلة 14 شهراً، كما يفعل الأن مع تركيا".
إستراتيجية ناجحة
يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جمال الشطشاط، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، إن "الإستراتيجية التي اتّبعها البرلمان والجيش الوطني الليبي، بتنسيق مع القاهرة وبعض القوى الدولية، تسبّبت في حرج كبير لتركيا وحكومة الوفاق، ووضعهما تحت ضغط متزايد، من المجتمع الدولي".
ويوضح أن "الجيش الآن، التزم بالمطالب الدولية، المتعلقة بالانسحاب من غرب ليبيا، وهو في طريقه لإعادة ضخ النفط، بينما يواصل الطرف الثاني، التشدّد في مواقفه وتصرّ أنقرة وطرابلس، على دخول الجفرة وسرت".
ويشير الشطشاط إلى أن "الوفاق وتركيا الآن، أمام خيارين مرّين، إما التقدم نحو منابع النفط والدخول في صدام مع المجتمع الدولي، أو التراجع عن أهدافهما الإستراتيجية، ما يبقي ورقة النفط الرابحة، في يد الخصم اللدود شرق البلاد".