كشف مصرفيون ومحللون اقتصاديون، عن عدد من الخيارات الصعبة والحتمية أمام بنوك المنطقة في الوقت الحالي، التي فرضتها الظروف والمتغيرات القائمة التي تتصدرها الجائحة العالمية، وما خلفته من تداعيات ومخاطر كبيرة على جميع القطاعات وبين القطاع المالي.
وأوضحوا في حديثهم لـ"اندبندنت عربية"، أن هذه الخيارات تتمثل في القيام برفع رأس مال البنوك الصغيرة ولكن بنسب كبيرة، أو الاندماج لتكوين كيانات "سوبر ميغا" أو كبيرة وضخمة تكون قادرة على الاستمرار في ظل المنافسة الشرسة، وأخيراً الاستمرار في السوق لحين ظهور كيانات كبيرة، بالتالي ستواجه البنوك الصغيرة شبح الإفلاس.
وقبل أيام، أعلن كل من البنك الأهلي التجاري عن توقيع اتفاق أولي للاندماج مع مجموعة "سامبا" المالية لإقامة كيان واحد. وفي حال إتمام العملية سيصبح الحدث الأبرز والأعم على مستوى القطاع المصرفي بالسعودية خلال العام الحالي، فيما سيكون الثاني في القطاع بعد اندماج البنك الأول والبنك السعودي البريطاني (ساب) في 16 يونيو (حزيران) 2019.
وفي هذا الصدد، قال محللون سعوديون، إن أهمية الصفقة تكمن في توقيتها وفي ظل تداعيات فيروس كورونا، والتحولات العالمية على صعيد النظام العالمي، والتحول الجذري نحو الاقتصاد الرقمي، فضلاً عن المنافع الاقتصادية التي تنعكس على الاقتصاد السعودي في كيان مصرفي قوي يساعد على تمويل خطط الاستثمار على المدى الطويل.
وفي حال إتمام الصفقة، فمن المتوقع أن يكون الكيان الجديد، أحد أضخم بنوك المنطقة من حيث الأصول، محتلاً المرتبة الثالثة بعد بنك قطر الوطني وبنك أبو ظبي الأول الإماراتي. وتشير تقديرات المحللين، إلى أن الكيان الجديد سيولد بنكاً بإجمالي أصول تقارب 784 مليار ريال (209.625 مليار دولار)، ومجموع قروض تبلغ نحو 425 مليار ريال (113.636 مليار دولار)، وإجمالي ودائع تبلغ نحو 533 مليار ريال (142.513 مليار دولار).
اتجاه قوي للتخلص من البنوك الصغيرة
وقال المصرفي السابق ومحلل أسواق المال، نادي عزام، إن اتفاقيات بازل 1 و2 و3 حددت رؤوس الأموال بنسب معينة لا تقل عنها، بالتالي فإن الكيانات الصغيرة لن يكون لها وجود. واندماج البنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا في السعودية سيرفع رأسمال الكيان الجديد إلى أكثر من 800 مليار ريال (213.903 مليار دولار) وسيكون هذا الكيان الجديد هو أكبر بنك في المنطقة.
وأشار في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إلى أنه كلما كانت الكيانات كبيرة كلما كانت قادرة على تجاوز التحديات والاستمرار في السوق المصرفية، بخاصة في ظل الأحداث الحالية التي أثبتت أن المنقذ الحقيقي هو قطاع البنوك وعلى رأسها البنوك المركزية، وهي قادرة على دفع الاقتصاد إلى الأمام في ظل الأزمات الصعبة.
ولفت إلى اندماجات أخرى ستتم قريباً في قطاع البنوك مثلما سيحدث في الإمارات بين بنك أبو ظبي الأول مع بنك الإمارات دبي الوطني، وفي مصر يوجد اتجاه لبيع البنوك الصغيرة مثل البنك الأهلي المتحد المملوك للبنك المركزي المصري ورأسماله 3 مليارات جنيه (186 مليون دولار)، وفي ظل الأوضاع الحالية والمتغيرات القائمة فلن يستطيع هذا البنك بوضعه الحالي الاستمرار في السوق المصرفية.
وقال إن الإندمادج حالياً أصبح أمراً حتمياً وليس اختيارياً، وهناك خياران فقط أمام البنوك الصغيرة، إما رفع رأس مال البنك بنسب كبيرة، أو دمج البنوك الصغيرة وإنشاء كيانات كبيرة حتى لا تبتلع الكيانات الكبيرة البنوك الصغيرة في حال استمرارها. وما يحدث من اندماج في السعودية هو مجرد بداية، بخاصة أن هناك سياسة للتخلص من البنوك الصغيرة سواء من خلال بيعها أو دمجها وتأسيس كيانات كبيرة قادرة على المنافسة.
كيانات "سوبر ميغا" لمواكبة المتغيرات
وقال المحلل بشركة "بايونيرز"، محمد جاب الله، نحن الآن في مرحلة زمنية لا تصلح إلا للكيانات الـ"ميغا" أو الكبيرة والضخمة فقط نظراً للتغيرات المتعاقبة والمتسارعة، سواء من النواحي الاقتصادية أو السياسية، ولا بد أن تواكب الكيانات الاقتصادية هذه التغيرات التي يشهدها العالم في الوقت الحالي. وهذا ما تحاول بنوك منطقة الخليج التواكب معه فتندمج الكيانات لإنشاء كيانات "سوبر ميغا" حتى تتواكب مع المتغيرات الحالية.
شلل كامل في عدد كبير من القطاعات
وقال المحلل الفني، محمود شكري، إن الاندماج أو الاستحواذ في قطاع البنوك غالباً ما يظهر خلال الأزمات المالية العالمية كإجراء تحوط من تبعات الأزمة المالية، او حتى للدخول تحت مظلة بنك أكبر - من وجهة نظر البنك المندمج - وخلق كيان كبير للدخول في نادي الكبار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن شبح افلاس "مورغان ستانلي" خلال الأزمة المالية في 2008 يطارد البنوك الصغيرة وحتى المتوسطة، بحسب حجم الأزمة، وشراستها، والأزمة الحالية مختلفة بالفعل، فهي ليست أزمة مالية فقط، لكنها تسببت في شلل كامل بعدد من القطاعات وليس القطاع المالي وأزمة الرهن العقاري فقط كما حدث في الأزمة المالية العالمية في 2008.
وأشار إلى أن هناك تحركات قوية في منطقة الخليج للخروج من الأزمة وتجاوز حالة الركود والكساد الذي ربما طال عدداً كبيراً من القطاعات المالية، وقبل أيام تم الإعلان عن دمج البنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا المالية في السعودية، وفي حال إتمام الاندماج، سيدخل الكيان الجديد نادي الكبار والمنافسة الشرسة على ريادة قطاع البنوك ليس فقط في السعودية ولكن في كل دول الخليج، بخاصة أن الكيان الجديد سيكون كياناً عملاقاً بحجم أصول تتجاوز 800 مليار ريال (213.903 مليار دولار) بحسب تقرير المستشار المالي للصفقة، ما يجعله ثاني أكبر كيان مصرفي من حيث حجم الأصول، وبذلك يرفع كفاءة الكيان الجديد على المنافسة، سواء في قطاع التجزئة أو التوسع في الإقراض ليس فقط للشركات ولكن للحكومة ودعمها في المشاريع المزمع القيام بها في إطار تنفيذ رؤية المملكة 2030.
الشركات تبحث عن سداد التزاماتها
وقال شكري إن هذا الاندماج سيؤدي إلى رفع كفاءة محفظة البنك ورفع قدرته على التوسع في المنتجات والخدمات، سواء للشركات التي تبحث عن آليات لسداد التزاماتها بسبب الأضرار التي لحقت بها جراء الأزمة الحالية، أو خدمات الأفراد التمويلية، بخاصة التمويل العقاري، لكن يبقى الوضع رهن إتمام الإجراءات الخاصة بالاندماج وفقاً للوائح هيئة سوق المال السعودية الخاصة بالاندماج، وخروج الصفقة إلى النور.
وتابع "يبقى الاندماج عملية إيجابية في ظل الأزمات المالية، كخطوة لخفض التكاليف الإدارية، ورفع كفاءة البنك الدامج، وحماية البنك المندمج من شبح الإفلاس، وهو ما يعود بالنفع على المساهمين في التوزيعات النقدية والأرباح.
وقد انعكس خبر إعلان الاندماج على أداء البنكين إيجاباً على رغم معاناة السوق من تباين في الأداء، وتراجع في أحجام وقيم التداول، فضلاً عن تراجعات في معظم القطاعات المتضررة سواء في الربع الأول، هذا مع الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة، وحتى وصول الحائجة العالمية ذروتها خلال الربع الثاني من العام الحالي.