كعادتها بعد أي هجوم من شأنه أن يشكل تصعيداً إقليمياً قد يتسع إلى حد مواجهات وإشعال مناطق حدودية، صمتت إسرائيل الرسمية هذه المرة أيضاً، بعد الانفجار الذي تعرضت له منشأة نطنز النووية الإيرانية.
وفيما انشغل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في معركته الداخلية والجماهيرية في مواجهة جائحة كورونا، التي لم تستطع الحكومة الإسرائيلية السيطرة عليها، بعث بجهات مقربة له لتسرب إلى وسائل الإعلام تلميحات حول مشاركة إسرائيل في هذا الهجوم.
رسالة أولى
وأجمع أكثر من خبير ومحلل في الشؤون الإيرانية والاستخبارية على أن هذه الضربة هي رسالة أولى لإيران مفادها وبشكل واضح أنه لن يُسمح لها بتجاوز الخطوط الحمر والتوصل إلى صنع قنبلة نووية أو الاستمرار في تخصيب اليورانيوم.
ورأى البعض أن تنفيذ هذه الهجمات بالتزامن مع التهديدات الأخيرة التي أطلقها نتنياهو في وقت كان ينتظر منه الإسرائيليون موقفاً حول عدم تنفيذ خطة الضم، إنما يشير إلى أن إسرائيل "تنفذ تهديدات نتنياهو". وهناك من رأى في هذه العملية رسالة أولى ستعقبها رسائل أخرى.
محلل الشؤون الأمنية والعسكرية رون بن يشاي، المعروف بقربه من المؤسسة الإسرائيلية، أسرع إلى اعتبار هذه العملية "رسائل واضحة للقيادة الإيرانية وبأنها غير عفوية"، وفيما لم يتحدث عن وضعية إسرائيل إزاء هذه الهجمات اعتبر بن يشاي أن "جهة ما مهتمة بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني حاولت تمرير رسالة للقيادة في طهران تحذرها فيها من استمرار تخصيب اليورانيوم بأكثر من الكمية التي يسمح بها الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، والتوقف عن تطوير وبناء أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، ووقف تطوير وبناء صواريخ طويلة المدى والتوصل إلى قنبلة نووية".
ويطابق حديث بن يشاي مضمون تهديدات وتصريحات نتنياهو الأخيرة لإيران، بل زاد على ذلك في تطرقه إلى جهود الاستخبارات الإسرائيلية تجاه كشف النشاطات الإيرانية النووية فادعى أنها كشفت منشأة نطنز في العقد الماضي "كجزء من البرنامج النووي الإيراني"، مضيفاً أن تلك المنشأة تشغّل اليوم أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم بمستوى تخصيب متدنٍ.
تطوير أجهزة الطرد
وبحسب ما تداولت التقارير الإسرائيلية نقلاً عن خبراء أميركيين أنه "أقيم في هذا المكان قبل فترة قصيرة مصنع لتطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة لتخصيب اليورانيوم، وأن معهدَي أبحاث أميركيَين رصدا الأضرار التي حدثت في منشأة نطنز. واعتبر الإسرائيليون أن القلق الأساسي نابع من وجود أجهزة الطرد المركزي، وليس من كميات اليورانيوم المخصَّب التي جمعتها إيران.
وفي سياق محاولات التلميح إلى دور إسرائيل، قال بن يشاي "إن إسرائيل والولايات المتحدة ألحقتا أضراراً بمنشأة نطنز بواسطة هجمات سايبر، قبل 12 سنة، بالتعاون بين الوحدة 8200 في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ووكالة التجسس الإلكتروني الأميركية. وتم حينذاك زرع فيروس إلكتروني، يطلق عليه اسم "ستكينت" في حواسيب المنشأة وتسبب بتدمير قسم كبير من أجهزة الطرد المركزي".
في تلميح آخر لدور إسرائيل حول ما سبق وذُكر عن أن الانفجار الأخير بمثابة رسالة إلى إيران، بدا أن أبرز جهتين لهما مصلحة في تشويش وعرقلة جهود طهران لتطوير برامجها النووية، هما إسرائيل والولايات المتحدة.
اتصالات أميركية - إسرائيلية
وكشف الخبير في الشؤون الاستخبارية رونين برغمان أن اتصالات أجريت بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ونظيرتها الأميركية أخيراً، "كما تم جمع معلومات استخبارية عن الانفجار في موقع بارتشن من مصادر مختلفة. وتوصلت الاستخبارات الإسرائيلية من كل ما تم جمعه، أن الحديث يدور عن خلل تقني في حاويات الغاز الموجودة داخل مصنع الصواريخ في حجير".
ونُقل عن مسؤول أمني أن لدى إسرائيل اهتماماً شديداً بأجهزة الطرد المركزي من الطراز الحديث الذي تطوره إيران، تمكنها من إنتاج مادة مشعة بسرعة أكبر بكثير مما هي عليه اليوم. وترى إسرائيل في تراجع إيران عن التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، تجاوزاً للخطوط الحمر، خصوصاً أنها "بدأت تخصب اليورانيوم إلى مستوى أعلى بنسبة 4.5 في المئة، وباتت تجمع آلاف الكيلوغرامات من المادة المخصبة بخلاف ما يسمح لها به الاتفاق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إيران تتوعد بالرد
وكانت إيران توعدت في وقت سابق بالرد، وقال رئيس الدفاع المدني غلام رضا جلالي للتلفزيون الحكومي مساء الخميس 2 يوليو (تموز) الحالي، إن "الرد على الهجمات الإلكترونية جزء من قوة الدفاع في البلاد. إذا ثبت أن بلادنا استُهدفت بهجوم إلكتروني فسنرد".
وقالت أعلى هيئة أمنية إيرانية اليوم الجمعة 3 يوليو، إنه تم تحديد سبب "الحادث" في الموقع النووي، ولكن "لاعتبارات أمنية" سيتم الإعلان عنه في وقت مناسب.
وتناول مقال صدر الخميس عن وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، ما وصفته بـ "احتمال قيام أعداء مثل إسرائيل والولايات المتحدة بأعمال تخريب"، على الرغم من أن المقال لم يصل إلى حد اتهام أي منهما بشكل مباشر.
وقالت الوكالة "حتى الآن، تحاول إيران التصدي للأزمات المتفاقمة والظروف والأوضاع التي لا يمكن التنبؤ بها... لكن تجاوز الخطوط الحمراء لجمهورية إيران الإسلامية من الدول المعادية، وبخاصة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، يعني أنه يجب مراجعة الاستراتيجية".
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم الجمعة إن موقع الحريق لا يتضمن مواد نووية وإن أياً من مفتشيها لم يكن موجوداً آنذاك. وأضافت في بيان أن "الوكالة على اتصال بالسلطات الإيرانية المعنية للتأكيد على أنه لن يكون هناك أي تأثير على أنشطة التحقق لضمان معايير السلامة والتي من المتوقع أن تواصلها المنظمة".