رشا شربتجي، مخرجة متميزة تركت بصمة لافتة في الدراما السورية، كما في سائر الأعمال التي أخرجتها في مصر والخليج، وإن كان البعض يأخذ عليها بأنها ركزت نشاطها في السنوات الأخيرة على الدراما المشتركة.
شربتجي التي قررت العودة إلى الدراما السورية بعد غياب 3 سنوات من خلال مسلسل "حارة القبة"، تقول إن هذه الفترة ليست طويلة مقارنة مع الظروف وتراجع الإنتاج. وتضيف "آخر أعمالي في سوريا كان مسلسل "شوق" عام 2017. الفنان يتلقى عروضاً تكون أكثر إغراء من غيرها بالنسبة إليه، لها علاقة بالنص، بتوليفة الممثلين، بالإنتاج، توقيت العرض، بشغفه ورغبته بالعمل في عمل معين في فترة معينة. "شوق" كان عملاً قاسياً ومرهقاً نفسياً أكثر منه مهنياً، ومن بعده كنت بحاجة إلى محطة راحة فكان "ما فيي" و"طريق" و"بروفا" الذي أحبه وأعتبره كمخرجة نقلة في شكل الدراما الاجتماعية الخفيفة. هو لم يكن غياباً بقدر ما كان محطة اخترت أن أشتغل فيها اللون المشترك البسيط الذي يحبه الناس ويخفف الضغوط عنهم، وعندما يوجد نص بيئة جديدة لم أشتغل فيها سابقاً، بمعطيات جيدة، ونجوم جيدين، قبلت له. "حارة القبة" عمل اجتماعي لطيف، تدور أحداثه في فترة سفر برلك، في نهايات الحرب العالمية الأولى، وهو من كتابة أسامة كوكش، وتكبر فكرته ككرة الثلج، وأنا أحببت النص كثيراً، وتوجد شراكة نجاح في "زمن العار" و"أسعد الوراق" مع شركة العاج، ولقد اخترت البيئة الشامية تحديداً، لأنها كالأونصة في المرحلة الحالية، يحبها الناس ويتابعونها لبساطتها وسحرها، وهي بعيدة عن الأعمال الواقعية التي لا تشبهنا أبداً أو التي تشبهنا كثيراً فتوجعنا كثيراً".
حصان رابح
وتنفي أن تكون أعمال البيئة الشامية تشكل ركيزة الدراما السورية في السنوات الأخيرة، وقالت "هي ساهمت في انتشارها، وفي مقدمها مسلسل "باب الحارة". الناس أحبوا أعمال البيئة الشامية لأن لا منافس لها وتقدم بيئة مختلفة عن البيئة التي تقدمها الأعمال العربية الأخرى. وعندما وقعت الحرب ظلت هي الوحيدة، المضمونة التسويق للمنتج، وهذه المشكلة تعاني منها الدراما الاجتماعية السورية حتى اليوم".
في المقابل لا ترى شربتجي أن أعمال البيئة، هي الحصان الرابح في الدراما السورية إذ أوضحت "أنا أخترت "حارة القبة" لأنني أحببت النص كثيراً، وإليه اتفقت على إخراج "على صفيح ساخن" من كتابة علي وجيه ويامن الحجلي، الذي لا يزال قيد التحضير، وهو عمل اجتماعي موجع، وهو برأيي حصاناً رابحاً أيضاً، وقد يكون من أهم الأعمال التي سوف تقدمها الدراما السورية في الفترة الحالية. البيئة الشامية ليست حصاناً رابحاً بشكل عام، بل في حالة التسويق، وهي حصان رابح في هذه المرحلة، بالنسبة لي، لأنني أحببت الورق، بصدقه وعفويته وبساطته وشخصياته، وبكسره لكلشيهات المرأة، فهو يقدمها كصاحبة قرار في لحظة ما، حتى لو كانت في زمن سفر برلك، وهو الدور الذي تلعبه سلافة معمار، وأتوقع أنه سوف يترك بصمة كبيرة، كما أنه يضيء في الوقت نفسه، على الظلم الذي كانت تعيشه المرأة في ذاك الزمن، كما أنه يضيء على التناقض في علاقتها بالرجل واختلاف بين الريف والمدينة".
شربتجي التي أخرجت الدراما الموجعة والدراما اللايت كما تقول، هل تقصد بالنوع الثاني، الدراما المشتركة التي قدمتها خارج سوريا، تقول "ليس بالضرورة. أنا أخرجت مثلاً "تخت شرقي" وهو عمل مليء بالعبر، ولكنه دراما لايت، ومثله "ابن الأرندلي" في مصر. كل نص له معطياته ونَفَسه وهفواته". ورداً على الممثلة كندا حنا التي رأت أن الأعمال التي أخرجتها في سوريا أكثر أهمية من أعمالها خارجها، تقول: "أنا لا أتوقع أن تكون قد شاهدتها. مسلسل "سمرا" تُرجم إلى أربع لغات، وطُرح على معظم المنصات، وهو يتناول قصة الغجر الذين هم بلا هوية، وعدم انتماء الشخص في مجتمعه وقانون الغاب، ولو أنها شاهدت هذا العمل فقط، ولن أذكر غيره، لكانت غيرت رأيها. كما أتوقع أنها لم تشاهد "علاقات خاصة" الذي يتحدث عن وجع الخيانة، و"طريق" الذي يتحدث عن وجع الفقر وكيف يجمع الحب بين بيئتين مختلفتين تماماً، و"ما فيي" و"بروفا"، بل ربما قرأت عنها أحد المقالات. من قال أن "الولادة من الخاصرة" و"غزلان في وادي الذئاب" أهم من "طريق" أو "بروفا" وأن "تخت شرقي" أهم من "سمرا"، هي أعمال من ألوان مختلفة لا مجال للمقارنة بينها، وربما من يشاهد نوعاً منها لا يشاهد النوع الآخر. أنا قدمت أعمالاً في مصر والخليج، وأهم أعمالي كانت مع محمد جلال عبد القوي ويحيى الفخراني في "شرف فتح الباب"، الذي يتحدث عما يحصل حالياً، كالخصخصة وأزمة الدولار والأخلاق والفساد".
حياة صاخبة
إلى ذلك، توضح شربتجي أنها تشعر بحاجة بعد كل عمل قاسٍ إلى فترة من الراحة تقدم فيها أعمالاً أقل قسوة، وتابعت "من بعد "الولادة من الخاصرة" وبعد الصدمات والوجع الذي عشته كما كل إنسان سوري بعد بداية الأزمة عام 2011، بسقوط الأقنعة وبالخيانات في الظهر من الأحباب، وغيرها من الصدمات، هربت إلى أعمال تتحدث عن الحب والقدر وعدم الانتماء وسواها من أعمال أخرى لا علاقة لها بذاك الوجع. الجمهور يثق بي وبأعمالي، لذا لم أرغب بتقديم أعمال يمكن أن تصب البنزين على النار، ويمكن أن تسيء إلى وطني وكرامتي. ربما نحن نحتاج إلى 50 سنة، لتقديم أعمال تتناول الأزمة السورية والأخطاء التي وقعنا فيها، ومع أنني هربت إلى أعمال تتناول مواضيع أخرى، لكني لم أستسهل ولم أستنسخ، إلى أن عرض علي "شوق" فقبلت به من دون تردد، لأنه أغراني بفكرته، وتفاصيله وشخصياته".
وعما إذا كانت تعتبر أن ما يميّز تجربتها الإخراجية، أنها جمعت بين الدراما السورية والمصرية والخليجية والمشتركة، تقول: "هذا يعدّ تنوعاً لا تميزاً، وربما هناك مخرجون أهم مني بألف مرة. أنا أعتبر نفسي محظوظة، لأنه في وقت الركود، توافرت لدي بدائل جيدة، نصوص حلوة، توزيع جيد وإنتاجات كبيرة، أضافت إلى رصيدي الفني"، أما رداً على سؤال، حول ما إذا كانت ترى أن تجربتها الإخراجية هي الأبرز بين المخرجات العربيات، على رغم قلة عددهن، توضح "العمل الإخراجي مرهق، ويحتاج إلى رجل متفهم يثق بزوجته، يحب نجاحها وتميّزها، ويفرح لسعادتها بعملها. ربما لو أنني أحببت زوجي ولم ألمس تعاوناً منه، لما كنت تمكنت من الاستمرار معه، لكنه متعاون جداً ويقف إلى جانبي حتى أنه يضحي بجزء من حياته لكي يظل قريباً مني ولكي أحافظ على عملي".
شربتجي التي تفرغت في رمضان 2020 لمتابعة الدراما، تقول: "شاهدت مسلسل "البرنس"، لأنني كنت أرغب بالتعرف إلى محمد رمضان، فهو ممثل مشهور ولكني لم أكن أعرف أعماله ولا أحب اللون الذي يغنيه، وعندما شاهدته في "البرنس" اكتشفت أنه ممثل مميز وكذلك أحمد زاهر وروجينا اللذان شاركا في العمل، صحيح أنه عمل سوداوي، متعب وموجع ولكنه رائع، والمخرج محمد سامي تفوق على نفسه فيه. كما أبهرني أياد نصار وخالد الصاوي وغادة عادل وصابرين في "ليالينا 80" الذي دخل قلبي سريعاً بتفاصيله وبأداء الممثلين، وبالديكور والموسيقى. كذلك لفتني "سوق الحرير" و"أولاد آدم" لليث حجو، بنصه الجيد، وبأداء ماغي بو غصن ومكسيم خليل وقيس الشيخ نجيب، ودانييلا رحمة التي كانت أكثر من رائعة وعفوية بأدائها، وتمكنت من كسر الكليشيه وأثبتت أنها رقم صعب وليست مجرد فتاة جميلة و"سينيه وكلاس".