توحي التسريبات الواردة من الخرطوم بأن حظوظ العميد معاش كمال اسماعيل، رئيس حزب التحالف الوطني السوداني، هي الأوفر لتولّي منصب والي ولاية كسلا، وسط جدل من بعض القوى السياسية في شرق السودان، اعتراضاً على هذا التعيين، إلى جانب تمسّك قوى إعلان الحرية والتغيير بمرشحها المجمع عليه صالح عمار ووسط الدعوة الى اعتصامات لبعض الناشطين السياسيين في شرق السودان، وفي مدينة كسلا على وجه الخصوص، تعبيراً عن مطالبتهم بإقالة بعض القيادات الأمنية في كسلا، وكذلك المطالبة بتعيين مرشح الحاضنة السياسية للحكومة (قوى الحرية والتغيير) لولاية كسلا بالإجماع؛ الأستاذ صالح عمار.
وبينما أصدر حزب التواصل، وهو من أحزاب شرق السودان في تحالف قوى إعلان قوى الحرية والتغيير، بياناً حذّر فيه من تعيين والٍ آخر غير مرشح قوى الحرية والتغيير المجمع عليه (صالح عمار)، وصف البيان في الوقت ذاته، عمار بأنه "المرشح الذي تم التوافق عليه لولاية كسلا ونحن نحذّر ونؤكد أن هذا المرشح لم تتم تسميته من فراغ وإنما نتاج تأييد من قاعدة جماهيرية عريضة ومن المجتمع المدني والأحزاب السياسية".
دوائر حمدوك الخاصة وبعض مستشاريه المقربين من خارج قوى الحرية والتغيير، يبدو أن لهم دوراً في ذلك الخيار المفاجئ باختيار العميد كمال اسماعيل، والياً محتملاً لولاية كسلا، وسط تسريبات تفيد كذلك بأن ثمة ضغوطاً من جهات خارجية لعبت دوراً في ذلك، وربما الأمر أيضاً صادف ميلاً خاصاً من رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بتعيين والٍ مدني ذي خلفية عسكرية ليتناسب ذلك مع تقديره للأوضاع التي تصوّرها له التقارير الأمنية والعسكرية الواردة بكثافة من كسلا إلى مكتبه، بينما حقيقة الأمر في كسلا أن المدينة لا تعاني من مشكلات أزمة بنيوية في نسيج التعايش السلمي لمكوّناتها الأهلية المختلفة، وإنما الذين يثيرون الحوادث الأمنية المفتعلة هم عناصر معينة تريد الفتنة من فلول النظام السابق وضابط متنفّذ في جهاز الأمن بمدينة كسلا.
الوضع في كسلا هو جزء من الوضع في الإقليم الشرقي وتحتاج تعقيداته وتوازناته إلى والٍ تكون له خلفية عميقة وقدرة كبيرة على قراءة خريطة المكونات الأهلية والسياسية للمدينة، وطبيعة توازناتها، مع إدراك طبيعة النسبة والتناسب في أوضاع الثقل الديموغرافي لتلك المكوّنات وتوزيعها السكاني بين مدن الإقليم، في الوقت ذاته الذي يلزم أن تتوفّر في ذلك الوالي أولاً وأساساً، بوصلة أخلاقية ونزاهة وطنية وقدرة على إدارة الحساسيات بأسلوب حكيم يعزّز السلم الأهلي.
لا يبدو العميد معاش كمال اسماعيل، الوالي المحتمل لولاية كسلا، في وارد إدراك المعرفة التي تقتضيها إدارة الولاية، ومكوّناتها وتناقضاتها، لا سيما في ولاية حدودية يلعب لوبي عنصري، باستمرار، على تناقضات مكوّناتها الأهلية بطرق مضلّلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد يبدو اجتهاد حمدوك بتعيين والٍ مدني ذي خلفية عسكرية (مع احتمال تولّي العميد كمال اسماعيل للمنصب) نابعاً من حرصه على ضمان السلم في المدينة الحدودية، لا سيما مع التقارير التي يرفعها إليه بكثافة أمنيون وعسكريون من هناك، لكن تجاوز حمدوك مرشح قوى الحرية والتغيير بالإجماع لولاية كسلا صالح عمار، وهو من أبناء مدينة كسلا، بدأ يعبّر عن ردود فعل ظهرت واضحة في البيانات والدعوة إلى الاعتصام من طرف ناشطين سياسيين وقيادات مجتمع مدني، فكل ذلك الحراك من أجل الضغط على حمدوك سيكون بمثابة مواجهة حقيقية تضعه في تناقض أصلي مع موقفه المعلن في 29 يونيو (حزيران) الماضي، حين أكد استجابته لمطالب القوى الثورية ولجان المقاومة في المضي قدماً بدعم مطالبهم.
للأسف يتعامل بعض متنفّذي المركز في الخرطوم مع إدارة ملف قضايا شرق السودان وحساسياته وردود فعله التي قد تحمل عواقب وخيمة على السودان جميعاً، لا قدَّر الله، بطريقة لا تعكس وعياً استراتيجياً أو حساسيةً راشدة في التعامل مع تحدّياتها.
ففي شرق السودان اليوم من الكفاءات المدنية والعسكرية من هي أحق بإدارة ولاياته بكل حنكة وكفاءة. فحتى لو اقتضى الوضع في كسلا صلاحيات والٍ مدني ذي خلفية عسكرية، فإن التقدير السليم يكمن في البحث عن شخصية مدنية ذات خلفية عسكرية من أهل الإقليم مِمَّن يتوفّرون على نزاهة وطنية وبوصلة أخلاقية وقدرة قيادية في الأزمات. فهناك من أهل شرق السودان ومن أبناء كسلا من هم أهل لذلك المنصب مثل العميد معاش منصور محمد عبد الرحمن وهو رجل وطني ذو كفاءة وله علاقات طيبة وقبول في الأوساط كافة، وكذلك العميد معاش عبد الله حسبو، إلى جانب قيادات مدنية أخرى لها خلفيات عسكرية مِمَّن هم من غير البجا، لكنهم من أبناء كسلا ولادةً ومعاشاً وعشرةً.
لم يتّضح حتى الآن ما سيسفر عنه أمر تعيين والي كسلا، وسط تكهنات بالإعلان عن ذلك الاثنين، لكن في كل الأحوال سيكون من الأهمية بمكان للدكتور عبد الله حمدوك، رئيس وزراء الحكومة أن يدير زوايا النظر عميقاً في استحقاق منصب والي كسلا وفق مقتضيات مصلحة، لا بد من أخذها في الاعتبار عبر صوت الناس وخيارات أهل كسلا وشرق السودان بصورة عامة.