على الرغم من أن تونس قد ألغت القرار الوزاري الصادر في 1973 ويمنع زواج التونسية المسلمة من غير مسلم، ففي مطلع كل صيف ومع انطلاق موسم الأفراح، تثار هذه القضية التي ما زالت موضوع نقاش خصوصاً من الجانب الديني.
وقد أعاد اشتراط رئيس بلدية الكرم (سلطة محلية في العاصمة تونس)، فتحي العيوني، المحسوب على حركة النهضة الإسلامية، قبل أيام، اعتناق الدين الإسلامي لإبرام عقد زواج بين زوج غير مسلم وتونسية مسلمة، مخاوف حقوقيين في تونس من محاولات التراجع عما اعتبروه مكاسب المراة التونسية.
اعتنق الإسلام شكلياً
وكان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي قد طلب، في أواخر2017، من الحكومة سحب قرار1973 الذي يمنع زواج التونسية المسلمة من غير المسلم.
وكان القانون التونسي قبل إلغاء هذا المنشور ينصّ على أن الاعتراف بزواج تونسية بغير مسلم يتطلب تقديم شهادة من مفتي الديار التونسية تثبت اعتناق الرجل الإسلام. وارتباط تونسيات من غير مسلمين، لا سيما من الجنسيات الأوروبية، مع اشتراط اعتناق الزوج الدين الإسلامي، ظاهرة منتشرة في المجتمع.
ففي الاحصاء الرسمي الأخير، في 2013، قبل إلغاء قرار 1973، بلغ عدد الأجانب الذين اعتنقوا الإسلام في المساجد التونسية 220 شخصاً خلال الربع الأوّل من العام نفسه.
وأغلبية طالبي اعتناق الإسلام في تونس ينحدرون من أصول أوروبية، وخصوصاً فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وسويسرا.
تكشف ساندرا (38 سنةً، متزوجة من إيطالي منذ 9 سنوات)، أن زوجها الذي لا يهتم بالديانات اعتنق الدين الإسلامي ليتمكن من الزواج بها. وهو "لم يمارس أي شعائر دينية، واعتناقه الإسلام كان شكلياً". وتضيف "كانوا يجبروننا على النفاق واعتناق الإسلام من دون قناعة". وتخلص إلى أن "إلغاء هذا القانون منذ ثلاث سنوات ثورة في حد ذاتها في تونس لأنها تكرس الحريات الفردية وحرية المرأة في اختيار شريك حياتها".
أما لبنى (33 سنة التي تزوجت من شاب فرنسي في سنة إلغاء قرار 1973)، فتقول "على الرغم من إلغاء هذا القانون، واجهت رفضاً شديداً من العائلة التي اشترطت اعتناق من اخترته الإسلام وذكر الشهادتين أمام مفتي الديار التونسية". وتروي "كانت الأمور صعبة في البداية، خصوصاً أن زوجي رفض الأمر لأنه متمسك بدينه". وتستدرك، "لكن، الحمد الله، اقتنعت العائلة وتم الزواج على الطريقة التقليدية التونسية التي أحبها زوجي وعائلته".
تجاوز القانون باسم الأيديولوجيا
استنكرت جمعيات تونسية رفض بلدية الكرم إبرام عقد زواج تونسية مسلمة برجل غير مسلم من دون اعتناقه الدين الإسلامي. فقد أعربت "الجمعية التونسية لمساندة الأقليات"، في بيان، عن استيائها من "عدم التزام بعض السلطات المحلية بتشريعات وقرارات الدولة". وحمّلت الجمعية السلطتين التنفيذية والتشريعية مسؤولية العمل على "إعلاء القانون وضمان وحدة الدولة"، داعية منظمات المجتمع المدني والأحزاب إلى معارضة هذا الاتجاه الخطير المكرّس لتعدد التشريعات والإجراءات".
واستنكر"المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة" ما اعتبره "تجاوزاً للقانون باسم الأيديولوجيا".
ودعا المرصد رئيس الجمهورية ووزيري الداخلية والعدل إلى العمل فوراً على إلغاء بلاغ بلدية الكرم "غير القانوني وغير الدستوري"، مطالباً بالالتزام بالقوانين المدنية للدولة.
واعتبرت نائب رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان حليمة الجويني في تصريح إلى "اندبندت عربية" أن "رئيس بلدية الكرم يتمرّد على القانون ويؤسس دولة داخل دولة بتقويض مدنيتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير الجويني إلى أن "مجلة الأحوال الشخصية" لم تنصّ على منع زواج امرأة تونسية من رجل غير مسلم، والمناشير الصادرة في 1973 والمانعة لتحرير عقود زواج بينهما مخالفة للقانون، باعتبار أنه لا يمكن للمنشور أن يمنع ما يسمح به القانون". وتؤكد أن "الدستور التونسي الذي يكرس الحرية الفردية والاتفاقيات الدولية التي أبرمتها تونس أقوى من أي منشور".
وتلفت الجويني إلى أن "الفصل 14 من مجلة الأحوال الشخصية لا يمنع زواج مسلمة من غير مسلم"، مضيفة أن "التونسية منفتحة وتدرس وتعمل في الخارج ومن الطبيعي أن تتعرف إلى من تختاره شريك حياتها من الوسط الذي تعيش فيه".
وتشير الإحصاءات الرسمية التونسية إلى أن هناك أكثر من مليون تونسي يقيمون في الخارج، أي ما يعادل 9 في المئة من عدد التونسيين البالغ نحو 12 مليون نسمة، وتشكل النساء قرابة 37 في المئة من المغتربين.
وتقيم غالبية التونسيين في الخارج في دول أوروبية (83 في المئة). وتأتي فرنسا في المقدمة بنسبة تناهز 56 في المئة، تليها إيطاليا 14 في المئة، والبقية موزعون على دول في معظمها ذات غالبية غير مسلمة. ولا تضم البلدان العربية سوى 15 في المئة من المغتربين التونسيين.
موانع شرعية
وقسّم الفصل 14 من "مجلة الأحوال الشخصية" في تونس موانع الزواج إلى قسمين مؤبدة ومؤقتة. وتتعلق المؤبدة منها أو الدائمة بمنع الزواج في حالة القرابة أو المصاهرة أو الرضاع أو التطليق ثلاثاً.
أما الموانع المؤقتة فتتعلق بمنع إبرام الزواج إذا كان الرجل أو المرأة المرشحان للزواج تربطهما علاقة زوجية قائمة، وبالتالي لا يمكن لهما الزواج ثانية إلا بانفصال الزواج الأول بطلاق أو بوفاة مع إثبات ذلك قانوناً.
أما عضو جمعية هيئة مشيخة تونس شهاب الدين تليش فيقول في تصريح إلى "اندبندت عربية" إن القانون التونسي لا يسمح بزواج التونسية المسلمة من غير مسلم"، موضحاً أن "على الرغم من إلغاء منشور 1973 الذي يمنع زواج التونسية المسلمة من غير المسلم، فإن الفصل الخامس من مجلة الأحوال الشخصية لم يُلغَ". ويختتم كلامه "الآية في كتاب الله واضحة والمسلمة لا تتزوج إلا من مسلم، وبالتالي طلب شهادة في اعتناق الدين الإسلامي مطابق للشرع والقانون. فالموانع الشرعية موجودة والمسألة واضحة لا يمكن التأويل فيها".