تحل اليوم الذكرى الـ90 لانطلاق أول نسخة لنهائيات كأس العالم لكرة القدم، التي أُقيمت في الأوروغواي خلال الفترة من 13 إلى 30 يوليو (تموز) 1930 بمشاركة 13 منتخباً، هي الأرجنتين وتشيلي وفرنسا والمكسيك ويوغوسلافيا والبرازيل وبوليفيا والأوروغواي ورومانيا وبيرو وأميركا وباراغواي وبلجيكا، وجميعها تمت دعوتها للمشاركة دون تصفيات مؤهلة، حيث كانت البطولة في طور الفكرة التي يسعى الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، ورئيسه التاريخي جول ريميه، لتنفيذها على أرض الواقع وإنجاحها.
وخلال تسعة عقود و21 نسخة مُقامة، تحولت بطولة كأس العالم إلى البطولة الأكبر والأنجح في عالم الرياضة، وحولت "فيفا" من اتحاد رياضي إلى كيان عالمي عملاق، يُحقق أرباحاً مالية هائلة، وله نفوذ سياسي على الدول الأعضاء فيه، مما فتح أبواباً للفساد والصفقات الدولية المشبوهة التي أطاحت الرئيس الأسبق جوزيف بلاتر، انتهت بالاتحاد العالمي في خانة المُدافع عن نفسه محاولاً تطهير سمعته.
البطولة الأولى
وشهدت البطولة الأولى إقامة 18 مباراة على ثلاثة ملاعب، سُجل خلالها 70 هدفاً، وتوّج المنتخب الأوروغوياني باللقب وجاء المنتخب الأرجنتيني في المركز الثاني وحل منتخب أميركا ثالثاً ويوغوسلافيا رابعاً.
وبلغ إجمالي عدد الحضور الجماهيري لمباريات البطولة ما يزيد على 590 ألفاً، ليُعلن نجاح الفكرة تنظيمياً وجماهيرياً.
المشاركات العربية
وشهدت البطولة الثانية التي استضافتها إيطاليا عام 1934 أول مشاركة عربية في المونديال، حيث لعب المنتخب المصري في النهائيات وخسر من منتخب المجر بنتيجة 4-2.
وغابت المنتخبات العربية عن المونديال لسنوات طويلة حتى تأهل المنتخب المغربي لنسخة عام 1970 التي أُقيمت بالمكسيك، ثم المنتخب التونسي في نسخة 1978 التي شهدت أول فوز لمنتخب عربي بمباراة بالمونديال حين فازت تونس على المكسيك بثلاثية، ومنذ تلك النسخة تواصلت المشاركات العربية في المونديال، ووصلت إلى أكبر عدد بمونديال 2018 في روسيا بمشاركة أربعة منتخبات عربية هي مصر والسعودية وتونس والمغرب.
إيطاليا 1934... السياسة والمونديال
بدأت علاقة السياسة بنهائيات كأس العالم مبكراً، حيث لجأت إيطاليا التي استضافت النسخة الثانية عام 1934 إلى استغلال البطولة في الدعاية لنظامها الفاشي الحاكم بقيادة بينيتو موسوليني، وكذلك الدعاية لحليفه النازي الألماني أدولف هتلر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورفض عدد من منتخبات أميركا الجنوبية بقيادة حامل لقب البطولة الأولى الأوروغواي، السفر إلى إيطاليا للدفاع عن لقبه، رداً على رفض بعض الدول الأوروبية المشاركة في البطولة الأولى في أميركا الجنوبية بحجة بُعد المسافة وارتفاع تكاليف الانتقالات والخدمات اللوجستية، كما قررت بريطانيا بكافة الدول الواقعة تحت حكمها مقاطعة البطولة اعتراضاً على سيادة "فيفا" للعبة.
وشهدت البطولة تتويج المنتخب الإيطالي باللقب حيث فاز على نظيره التشيكوسلوفاكي بنتيجة 2-1 في المباراة التي استضافها ملعب الحزب الوطني الفاشي في روما بحضور آلاف المشجعين يتقدمهم موسوليني.
الأرجنتين 1978... اعتراضات ومواءمات سياسية
وكانت نسخة مونديال الأرجنتين عام 1978 من بين أكثر النسخ التي شهدت استخدام كرة القدم لدعم أهداف سياسية حيث قرر "فيفا" منح الأرجنتين حق تنظيم البطولة وسط معارضة شديدة بسبب سيطرة الجيش على مقاليد الحكم في البلاد بانقلاب عسكري.
واعترض عدد كبير من المنتخبات على المشاركة في البطولة، ووصل الأمر إلى تهديد عدد من النجوم بالامتناع عن اللعب مع منتخبات بلادهم، كان أبرزهم الهولندي يوهان كرويف الذي تلقى تهديدات بالقتل.
وأثار نظام البطولة الكثير من الجدل حيث رأت مُعظم المنتخبات أن هناك فساداً تنظيمياً ورشاوى للحكام ومواءمات سياسية بين الأرجنتين وبعض الدول بهدف إهداء اللقب للمنتخب الأرجنتيني وهو ما حدث بالفعل، حيث كان منتخب التانغو يخوض مبارياته متأخراً عقب نهاية مباريات منافسيه ليكون مطلعاً على النتيجة التي تصب في صالحه، كما ظهرت لاحقاً أدلة على اتفاق سياسي بين الأرجنتين وبيرو على إطلاق سراح بعض المواطنين البيروفيين المحكوم عليهم في الأرجنتين في مقابل خسارة المواجهة الكروية بينهم.
المال والسياسة ومونديال 2022
وخلال السنوات الأخيرة أثار فوز الملف القطري بحق تنظيم مونديال 2022 على حساب ملف أميركا العديد من الشبهات التي كشف التحقيقات عن فضائح مالية وسياسية متعلقة بها، حيث توصلت لجان التحقيق المستقلة ثم القضاء الأميركي إلى دفع قطر رشاوى إلى مسؤولين في "فيفا" وعدد من الاتحادات القارية للحصول على دعمهم وأصواتهم خلال عملية التصويت.
وأقر السويسري جوزيف بلاتر، رئيس "فيفا" الأسبق بأن عملية اختيار قطر لتنظيم الحدث الكروي الأكبر عالمياً، أثرت فيها ضغوط سياسية واتفاقات بين الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، ومواطنه ميشيل بلاتيني رئيس "يويفا" السابق.
ولا تزال تحقيقات القضاء الأميركي مستمرة رغم ثبوت وقائع فساد وصدور لوائح اتهام بحق شخصيات شاركت في الملف والاختيار، بينما نفت اللجنة العليا القطرية للمشروعات والإرث، المسؤولة عن تنظيم مونديال 2022، جميع التهم الموجهة إلى الملف القطري، مشيرة في بيان رسمي إلى عدم تقديم أي دليل يثبت عدم نزاهة ملف استضافة كأس العالم 2022 أو عدم توافقه مع لوائح وقوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم.
الأموال الطائلة وفساد "فيفا"
وأرجعت جهات التحقيق المستقلة التي عملت خلال السنوات الأخيرة على كشف فساد "فيفا"، تورط مسؤوليه السابقين في وقائع الفساد المالي والخضوع إلى الضغوط السياسية، إلى تعامل "فيفا" كمنظمة عالمية حاكمة للرياضة الأكثر شعبية في العالم، التي تُدر أرباحاً مالية هائلة، دون رقابة حقيقية من أي جهات مستقلة ونزيهة.
"فيفا" الذي تأسس عام 1904 للإشراف على عدد متزايد من مسابقات كرة القدم الدولية وتنظيمها والترويج لها، بات يتحكم في أكثر من 200 اتحاد أهلي، ووصل حجم إيراداته من مونديال 2018 إلى ما يزيد على 4.6 مليار دولار، وفقاً لتقريره السنوي.
ومن بين الـ4.6 مليار دولار التي حققها "فيفا" في عام 2018، جاء 55 في المئة (قرابة 2.54 مليار دولار) من حقوق البث التلفزيوني، حيث يبيع الاتحاد حقوق الترخيص لمحطات التلفزيون ومؤسسات البث الإذاعي، التي تربطه بها صلات قوية وصلت في بعض الأحيان إلى حدود خارج إطار القوانين المنظمة ونزاهة عمليات الإسناد.
وظهرت قوة "فيفا" المالية من خلال تحقيقه ما مجموعه 1.66 مليار دولار من حقوق التسويق والعلامات التجارية الراعية في دورة السنوات الأربع التي سبقت كأس العالم 2018، رغم أنها فترة شهدت فضيحة فساد ورحيل مجلس إدارة تاريخي وتولي آخر، وخضوع الهيئة لكمّ هائل من التحقيقات والتدقيق.