قبل سنوات قال وزير الداخلية السابق نور الدين يزيد زرهوني، إن قادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ" المنحل "لن يتمكنوا من ممارسة السياسة مجدداً ما دمت على قيد الحياة". وعلى الرغم من مرور السنوات، ما زالت النواة الصلبة للنظام الجزائري تتفق على استمرار حرمان قادة الجماعات الإسلامية المسلحة التي نشطت خلال التسعينيات من الحقوق المدنية والسياسية، علماً أنهم استفادوا من "عفو" بموجب ميثاق السلم والمصالحة.
في 14 يونيو (حزيران) 2020، أعلن مدني مزراق القائد السابق لـ"الجيش الإسلامي للإنقاذ" المنحل، الذراع العسكرية لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المنحلة أيضاً، عن مسودة أولية تناقش الدستور الذي اقترحه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وقد اعتاد مزراق على إبداء الرأي في مختلف القضايا السياسية التي تشهدها البلاد، مؤكداً تمسكه بمشروع تأسيس حزب سياسي سماه "جبهة الجزائر من أجل المصالحة والإنقاذ".
وفتح اللقاء الشهير الذي جمع الوزير الأول السابق أحمد أويحيى ومدني مزراق، قبل ست سنوات في إطار الاستشارات الموسعة لتعديل الدستور (تم تعديله في 2016)، الباب أمام تساؤلات وانتقادات وجِّهت إلى النظام. فأويحيى استقبل مزراق بتكليف من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وكان أويحيى مدير ديوان رئاسة الجمهورية ويدير المشاورات في شأن تعديل الدستور. وقد استقبل مزراق باعتباره شخصية وطنية وليس بصفته "القائد السابق للجيش الإسلامي للإنقاذ".
لا تراجع عن المنع
تفيد معطيات حصلت عليها "اندبندنت عربية" أن السلطة الحالية لا تنوي سحب منع النشاط السياسي عن قادة العمل المسلح في سنوات التسعينيات وقادة "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المنحلة. فقد وسعت السلطة في وقت سابق من قرار المنع بإضافة أجزاء من قانون المصالحة إلى قانون الأحزاب المعدل عام 2011. وبات قانون الأحزاب يفرض تحقيقاً أمنياً وقضائياً يشمل مؤسس الحزب والأعضاء المؤسسين. وسبق لوزارة الداخلية بموجب هذا التعديل أن أسقطت أسماء وردت في قائمة الأعضاء المؤسسين لحزب "جبهة التغيير" الذي أسسه القيادي السابق في "حركة مجتمع السلم" عبد المجيد مناصرة عام 2012.
ويخضع منع النشاط السياسي لإجراءات وردت في ميثاق المصالحة الوطنية الذي عرض للاستفتاء في الجزائر في 2005 تحت بند "الوقاية من تكرار المأساة الوطنية". وتنص المادة 26: "تمنع ممارسة النشاط السياسي، بأي شكل من الأشكال، على كل شخص مسؤول عن الاستعمال المغرض للدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية. كما تمنع ممارسة النشاط السياسي على كل من شارك في الأعمال الإرهابية ويرفض على الرغم من الخسائر التي سببها الإرهاب واستعمال الدين لأغراض إجرامية الإقرار بمسؤوليته في وضع وتطبيق سياسة تمجد العنف ضد الأمة ومؤسسات الدولة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى هذا الأساس يختفي قادة سابقون من المشهد السياسي ويكتفون بحضور محاضرات أو اجتماعات لجان تدافع عن معتقلين سابقين. فمزراق مثلاً انسحب إلى حيث إقامته في محافظة جيجل شرق الجزائر، في حين يشارك عبد الحق لعيايدة، مؤسسة "الجماعة الإسلامية المسلحة (استفاد من الإفراج عام 2006)" في بعض الاجتماعات التي تعقدها لجنة الدفاع عن "السجناء السياسيين"، وهم متعاطفون سابقون مع "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" مسجونون منذ مطلع التسعينيات.
وتمنع السلطات الجزائرية علي بن حاج، النائب السابق لرئيس "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المنحلة، من المشاركة في المسيرات أو التجمعات أو أي نشاط سياسي، في حين حقق القياديان السابقان في التنظيم نفسه، علي جدّي وكمال قمازي، استثناء في السنوات الماضية، بمشاركتهما العلنية في اجتماعين شهيرين للمعارضة الجزائرية. الأول بعد الانتخابات الرئاسية 2014، والثاني قبل سنة ضمن ما سمي "أرضية عين البنيان" التي مهدت للحوار السياسي في خضم الحراك الشعبي.
القانون والسياسة
يوضح الهادي حابل، عضو "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان"، أن "الجوهر لم يتغير بالنسبة إلى منظور النظام الجزائري إلى فئة واسعة من قادة العمل المسلح في فترة التسعينيات، وعند مشاركتهم في النشاط العام يُرفع ضدهم تحفظ قانوني، فالسلطات تقر المنع بموجب ميثاق المصالحة الوطنية مستفيدة من الرأي السائد لدى الجزائريين في شأن مسؤوليات فترة الإرهاب".
ويلفت حابل إلى أن المسلحين الذين سلموا أنفسهم في فترة ما بعد أجال المصالحة الوطنية "استفادوا من المواد 2 و3 و4 و5 من ميثاق المصالحة إلا في حال ثبتت عليهم تهم مستثناة، وفي هذه الحال أحيلوا على قانون الإجراءات الجزائية"، والاستثناءات تتصل بالتفجيرات الجماعية والاغتصاب والقتل الجماعي.
المساجين السياسيون
طوت الجزائر ملفات تخص مرحلة التسعينيات التي تسمى "العشرية السوداء" بغض النظر عن حجم الرضا حول الإجراءات التي أقرتها السلطات الجزائرية في السنوات الـ15 الماضية. مع ذلك، تستمر لجان في الدفاع عن سجناء مطلع التسعينيات ممن حوكموا أمام القضاء المدني والعسكري أو أمام المحاكم الخاصة (تم إلغاؤها بقرار من وزير العدل السابق علي بن فليس).
وتجدد "تنسيقية" تدافع عن هذه الفئة مطالبها بالإفراج عنهم (أصغرهم يبلغ من العمر 65 سنة وأكبرهم 85 سنة)، إذ لم ترد حالاتهم في ميثاق المصالحة الوطنية، علماً أن استثناءات هذا الميثاق تخص المتورطين في قضايا التفجيرات والقتل الجماعي وانتهاكات العرض.
وينتمي هؤلاء المساجين وعددهم نحو 140 إلى "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وتعود قضيتهم إلى نحو 28 سنة ماضية، شهدت فيها تلك الفترة التي سبقت فصول الأزمة الأمنية في البلاد، اعتقالات لمدنيين وعسكريين صُنفوا من المتعاطفين مع "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" أو المنخرطين في صفوفها.