تسببت المخاطر والتداعيات القائمة التي خلفتها جائحة كورونا في قفز ديون العالم إلى مستوى قياسي جديد خلال الربع الأول من العام الحالي، مدفوعاً بالتدابير التوسعية والإجراءات الاحترازية، بينها غلق الاقتصادات والحدود لاحتواء الجائحة.
وبحسب تقرير حديث لمعهد التمويل الدولي، فإن إجمالي الديون العالمية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي صعد لمستوى قياسي جديد بلغ 331 في المئة خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الحالي بما يعادل 258 تريليون دولار.
ويقارن هذا المستوى مع الدين العالمي، الذي كان يقف عند 320 في المئة نسبة للناتج المحلي الإجمالي العالمي في الربع الأخير من عام 2019. ويعني ذلك قفزة بأكثر من 10 في المئة في الديون العالمية نسبة للناتج المحلي الإجمالي، بخاصةً في الأسواق الناشئة، خلال الربع الأول مع الظروف التيسيرية واسعة النطاق وسط وباء "كوفيد-19".
وتعتبر الـ10 في المئة هي الأكبر على الصعيد الفصلي في نسبة الديون العالمية على الإطلاق، مع حقيقة أن الزيادة الفعلية في الديون كانت 1.2 تريليون دولار، وهو ما يعد أدنى بكثير من متوسط الزيادة الفصلية في الفترة بين عامي 2019 وحتى 2019 والبالغة تريليوني دولار.
وتيرة تراكم الديون تسارعت في مارس
وفقاً لمعهد التمويل، فإن البيانات المتاحة بشأن إصدار الديون تشير إلى أن وتيرة تراكم الديون قد تسارعت منذ مارس (آذار) الماضي، لتعكس إلى حد كبير استجابة السياسة المالية والنقدية الهائلة على الصعيد العالمي للوباء. ومع إقرار حزم تحفيز مالية عالمية بنحو 11 تريليون دولار إضافة إلى 5 تريليونات دولار أخرى قيد الإعداد، فإن إجمالي إصدار الديون وصل لمستوى قياسي بلغ 12.5 تريليون دولار خلال الربع الثاني، مقارنة مع متوسط فصلي بلغ 5.5 تريليون دولار في عام 2019. وتمثل الحكومات العالمية ما يزيد على 60 في المئة من إجمالي إصدار الديون خلال الربع الثاني.
وبينما ستعمل مستويات الديون المتزايدة على إثارة المخاوف بشأن ديناميكيات الديون والجدارة الائتمانية، فإن أكثر من 92 في المئة من الديون الحكومية لا يزال من الدرجة الاستثمارية. ويمثل قطاع الشركات نحو 65 في المئة من زيادة الديون العالمية نسبة للناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من عام 2020.
وارتفع إجمالي ديون القطاع المالي بنحو 8 تريليونات دولار منذ عام 2016 ليصل إلى مستوى 64 تريليون دولار في الربع الأول، في حين أن ديون الشركات غير المالية ارتفعت بنحو 12 تريليون دولار لتقف عند 75.5 تريليون دولار في الفترة نفسها، وهو مستوى قياسي نسبة للناتج المحلي الإجمالي البالغ 95 في المئة.
وبالتطلع إلى المستقبل، يتوقع المعهد الدولي استمرار الزيادة في ديون الشركات بوتيرة متسارعة. وفي ظل السيولة الوفيرة للبنوك المركزية، فإن الانخفاض في تكاليف الاقتراض للشركات أدى بالفعل إلى زيادة كبيرة في سندات الشركات وإصدار القروض منذ مارس الماضي لتصل إلى 4.6 تريليون دولار في الربع الثاني مقابل المتوسط الفصلي لعام 2019 والبالغ 2.8 تريليون دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ديون الأسواق المتقدمة تتجاوز 392 في المئة من الناتج المحلي
وتجاوزت الديون في الأسواق المتقدمة نحو 392 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بارتفاع تجاوز 12 في المئة من 2019 حينما كانت عند مستوى 380 في المئة. وسجلت كندا وفرنسا والنرويج أكبر زيادات في نسب الديون خلال الربع الأول من العام الحالي.
وفي ما يتعلق بديون الأسواق الناشئة، فإن البيانات تشير إلى أنها سجلت زيادة فصلية قياسية من 220 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالربع الرابع من عام 2019 إلى 230 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي. ومع ذلك، كانت قيمة ديون الأسواق الناشئة بالقيمة الدولارية تراجعت بنحو 700 مليار دولار إلى 72.5 تريليون دولار، مدفوعة بانخفاض قيمة عملات الأسواق الناشئة مقابل الدولار الأميركي.
وبالنظر إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن إجمالي الديون في الصين نسبة لناتجها المحلي الإجمالي عبر كافة القطاعات صعدت من 302 في المئة إلى نحو 318 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي. وعلى الرغم من أن هذه الزيادة تمثل أكبر قفزة فصلية على الإطلاق، فإن البيانات الشهرية المتاحة تشير إلى أن وتيرة تراكم الديون تسارعت أكثر في الربع الثاني، ومن المتوقع أن تقترب من 335 في المئة.
ويقدر المعهد الدولي أن تمثل ديون الشركات غير المالية نحو 60 في المئة من هذا التراكم السريع للديون خلال النصف الأول من 2020. ووفقاً للتقرير، قفز التعثر عن سداد الديون للشركات غير المالية إلى مستوى قياسي يبلغ 94 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2020. وتمثل الولايات المتحدة 75 في المئة من هذا المبلغ، يليها منطقة اليورو بنسبة 14 في المئة ثم الصين بـ3 في المئة.
معدل إفلاس الشركات الصغيرة يتضاعف 3 مرات
في السياق ذاته، حذر صندوق النقد الدولي، من أن معدل إفلاس الشركات الصغيرة والمتوسطة قد يتضاعف ثلاث مرات في العام الحالي، في غياب الدعم الحكومي الكافي. وقال إن حالات إفلاس الشركات قد ترتفع إلى 12 في المائة من 4 في المائة قبل تفشي الوباء.
والشهر الماضي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لأداء الاقتصاد العالمي لعام 2020، متوقعاً انكماشاً بنسبة 4.9 في المئة وتعافياً أضعف من المتوقع خلال عام 2021.
وبحسب تقرير حديث للصندوق، ستشهد إيطاليا أكبر زيادة في حالات إفلاس الشركات بسبب الانخفاض الكبير في الطلب الكلي. ولفت إلى أن حالات الإفلاس قد تتضاعف بقطاع الخدمات في الـ17 دولة التي شملها استطلاع الصندوق بأكثر من 20 في المئة بالخدمات الإدارية والفنون والترفيه والاستجمام والتعليم.
وقال صندوق النقد الدولي إن الأنشطة الأساسية مثل الزراعة والمياه والنفايات قد لا تشهد سوى نمو طفيف في معدلات الإفلاس. وأشار إلى أن أكثر من ثلث الشركات الصغيرة في كندا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة قلقة بشأن النمو أو تتوقع إغلاقها نهائياً خلال العام المقبل.
وفق التقرير، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا، إنه على الرغم من أن التكاليف المالية لدعم الشركات كبيرة، وأن ارتفاع مستويات الديون يشكل مصدر قلق كبير، فإن آثار الانسحاب المبكر أكبر من تكلفة الدعم المستمر عند الحاجة.
وأوضحت أن النشاط الاقتصادي العالمي بدأ يتحسن بعد انخفاض غير مسبوق هذا العام بسبب الوباء، لكن موجة ثانية من الإصابات قد تؤدي إلى مزيد من الاضطرابات. وأكدت أن الاقتصاد العالمي لم يصل إلى بر الأمان بعد، ولا يزال في مرحلة الخطر.
وأشارت إلى أن التكاليف المالية للإجراءات التي تهدف إلى احتواء الوباء والتخفيف من آثاره الاقتصادية تؤدي إلى ارتفاع مستويات الديون المرتفعة بالفعل، ولكن من السابق لأوانه البدء في سحب شبكات الأمان اللازمة. وقالت إن 11 تريليون دولار من الإجراءات المالية التي اتخذتها الدول الأعضاء في مجموعة العشرين ودول أخرى، بالإضافة إلى ضخ السيولة الضخمة من البنوك المركزية كبحت جماح هبوط الاقتصاد العالمي.
في الوقت نفسه، حذرت مديرة صندوق النقد من مخاطر لا تزال موجودة تكمن في موجة جديدة من إصابات كورونا، وتقييمات الأصول المرتفعة، وتقلب أسعار السلع الأساسية، وزيادة الحمائية وعدم الاستقرار السياسي.
وقالت إن بعض الدول فقدت وظائف في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، أكثر مما تمت إضافتها منذ نهاية الأزمة المالية العالمية لعام 2008، وأن العديد من تلك الوظائف لن يعود أبداً.
وأوضحت أن فقدان الوظائف والإفلاس وإعادة هيكلة الصناعة يمكن أن تشكل تحديات كبيرة للقطاع المالي، بما في ذلك خسائر الائتمان للمؤسسات المالية والمستثمرين. وقالت إنه لضمان الاستقرار، من الضروري استمرار التنسيق بين البنوك المركزية والمؤسسات المالية الدولية.