تسعى المؤسسة السياسية الإيرانية إلى استعادة المبادرة في الملف العراقي، بعدما فقدتها طيلة أعوام لمصلحة الجناح المتشدّد في المؤسسة العسكرية، ما أدى إلى توترات كبيرة بين البلدين.
وبسبب السياسات التصعيدية، التي انتهجها الحرس الثوري الإيراني، خسرت طهران بعضاً من أهم حلفائها الشيعة في العراق، بينهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم.
ويبدو أن إيران قررت الآن تغيير آلياتها في التعاطي مع الشأن العراقي، في محاولة لترميم صورتها المهشمة في هذا البلد.
خيارات إيرانية متعددة
كان واضحاً أن الرئيس الإيراني حسن روحاني يحاول، في زيارته الأخيرة إلى العراق، إقناع قطاعات مؤثرة في المجتمع العراقي بأن بلاده يمكن أن تقدم خيارات مختلفة لحلفائها في المنطقة، وأن الشكل الذي جسده القائد البارز في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، خلال السنوات الماضية، ليس هو الخيار الوحيد الذي يمكن التعامل معه.
كان روحاني التقى في بغداد الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، قبل أن يتوجه إلى النجف للقاء المرجع الشيعي علي السيستاني.
لكن روحاني التقى في كربلاء زعماء مجموعة من أكبر القبائل الشيعية في وسط العراق وجنوبه، ليحفز أسئلة كثيرة في شأن أهداف الزيارة وتوقيتها.
انتقال ملف العراق إلى الرئاسة
يقول أمير موسوي، وهو دبلوماسي إيراني سابق خدم في الجزائر، وينشط في المحطات الفضائية الناطقة بالعربية، مدافعاً عن وجهة النظر الرسمية لبلاده، إن زيارة روحاني، وجولة لقاءاته مع مختلف الأطراف في بغداد والنجف وكربلاء، تشيران إلى أن "ملف العراق انتقل من الحرس الثوري الإيراني إلى المؤسسة السياسية الرسمية".
حظيت تعليقات موسوي باهتمام بالغ في الأوساط السياسية العراقية. إذ تزامنت مع جدل إيراني داخلي في شأن الشكل الذي يجب أن تبدو عليه صورة الجمهورية الإيرانية في المنطقة. فقبل أن يبدأ روحاني زيارته إلى العراق، تفجرت في طهران أزمة دبلوماسية كبيرة، إثر استقالة وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف بسبب استبعاده من مراسم استقبال رئيس النظام السوري بشار الأسد، خلال زيارته إلى إيران.
ولمح ظريف، شارحاً الظروف التي دفعته إلى الاستقالة، إلى أنه لم يعد يجد مجالاً للتأثير في نطاق السياسة الخارجية الإيرانية، بعدما استحوذ الجنرال سليماني على جميع الخيوط في العراق وسوريا.
لكن عودة ظريف عن استقالته، التي قيل إنها جاءت بناءً على وعود بتسليم ملف العراق للمؤسسة السياسية بدلاً من العسكرية في إيران، برهنت على قناعة طهران المتنامية بضرورة سلوك منهج معتدل، إذا أرادت الحفاظ على مصالحها في المنطقة، في ظل الضغط الأميركي المستمر، الذي تمثله عقوبات اقتصادية قاسية.
شيعة العراق في عين العاصفة
تقول أوساط مقربة من مرجعية السيستاني في النجف إن النموذج الذي قدمه الجنرال الإيراني لشكل العلاقة الذي تريده إيران، يقوم على تبعية العراق لها، فضلاً عن جر شيعة العراق إلى صدامات لا آخر لها مع مختلف الأطراف في المنطقة.
ترى المؤسسة الدينية في النجف أن عشرات الآلاف من الشبان العراقيين الشيعة، سقطوا في نزاعات عبثية تخوضها إيران في العراق وسوريا، وقد بات ضرورياً وضع حد لهذه المسألة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لذلك، شجع السيستاني، خلال استقباله روحاني، المؤسسة الدبلوماسية والسياسية في طهران على التقدم إلى الواجهة، بعدما تسببت سياسة الجنرال سليماني المتشددة في تنفير شيعة العراق من النفوذ الإيراني في بلادهم.
تخشى إيران أن تتسبب السياسات التصعيدية للحرس الثوري في دفع الجمهور الشيعي في العراق نحو أحضان منافسين. إذ تمثل الولايات المتحدة، إلى جانب السعودية، بديلين محتملين في هذا السياق.
ويبدو أن المخاوف الإيرانية متصلة بالواقع، إذ تلعب المجموعات العراقية المسلحة المدعومة من طهران، أدواراً سلبية في التضييق على حريات المدنيين في وسط العراق وجنوبه.
قراءة متأخرة
بالنسبة إلى مراقبين عراقيين، فإن هذه القراءة الإيرانية المتأخرة ترجمت على أرض الواقع برغبة روحاني، ومن قبله وزير الخارجية ظريف، بتوسيع قاعدة التواصل مع العراق، ليشمل فضلاً عن الطبقة السياسية، رجال الدين الشيعة المؤثرين وزعماء القبائل الكبيرة.
تقول مصادر عراقية مواكبة، لـ "اندبندنت عربية"، إن "روحاني وظريف حاولا خلال لقاءاتهما مع زعماء القبائل العراقية تبديد المخاوف وتصحيح الصورة، على أمل ترسيخ الشراكة مع قطاعات مهمة من المجتمع".
تضيف أن هذه اللقاءات ما هي إلا بداية لحملة علاقات عامة واسعة تنفذها إيران لتصحيح صورتها في العراق، أملاً في كسب ود الجمهور.
يعتقد الإيرانيون، وفق مراقبين، أن العراق هو إحدى آخر القلاع المتاحة أمام طهران، للاحتماء من الضغوط الأميركية المتزايدة. وإذا لم ينجح الإيرانيون في ترميم صورتهم في العراق، فلن يتمكنوا من ضمان دعم هذا البلد في وجه العقوبات الأميركية.