في الحي الشرقي من مدينة عامودا شمال شرقي سوريا، يستقبل حسن أومري، (60 عاماً)، بحزنٍ كبيرٍ تحت خيمة معزِّيه في مقتل ابنه محمود، الذي قضى تحت التعذيب بمعتقل لفصائل موالية تركيا بمدينة سري كانيه (رأس العين).
وبعد انتهاء عملية "نبع السلام" العسكرية التي شنّتها تركيا بمؤازرة فصائل سورية على المنطقة الواقعة بين كل من سري كانيه وتل أبيض (كري سبي) في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الفائت، تمكّن محمود، (27 سنة)، الذي يعاني مرضاً عصبيّاً، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، برفقة والدته شريفة سليمان من العودة إلى مدينة سري كانيه والاطمئنان على منزلهما.
انهالوا عليه بالضرب
وكانت والدته أوضحت سابقاً أمام وسائل الإعلام تفاصيل ما حدث، كاشفة أنهما وصلا إلى المنزل في حي المحطة شمالي المدينة، لكنّ مسلحين من فرقة الحمزات رفضوا السماح لهما بالدخول، وأن محمود الذي يعاني نوبات عصبية ردّ عليهم بصوتٍ عالٍ أنه سيدخل منزله، فما كان منهم إلا أن انهالوا عليه بالضرب المبرح أمامي، واقتادوه إلى جهة غير معلومة.
وحسب الأم الثكلى، فقد حاولت على مدار خمسة عشر يوماً في ذلك الوقت، البحث عن ابنها في مقرات الفصائل داخل مدينة سري كانيه، لكنها لم تصل إلى نتيجة، لتعود إلى القامشلي حيث تقيم عائلتها النازحة. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف محاولات العائلة، لمعرفة مصير الابن المريض ومكان وجوده.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال فؤاد أومري، ابن عم محمود، لـ"اندبندنت عربية"، "على الرغم من خشيتهم حدوث أمر سيء لمحمود، فإنهم كانوا يتمسّكون بأمل بقائه حيّاً وإطلاق سراحه من خلال وسطاء أهل المدينة"، مبدياً أسفه لعدم تحرّك أي طرف سياسي أو إنساني لإنقاذ ولدهم، على الرغم من النداءات الإنسانية.
وأضاف أنهم تلقوا قبل أيام نبأً عدم وجود ابن عمهم في أيّ من مراكز اعتقال الفصائل أو القوات التركية في المدينة أو خارجها، وأن لا أثر له، ما عزز اعتقادهم بأنه مقتول منذ فترة بعيدة.
اعتقالات متكررة واختطاف
من جهته، قال حسين نعسو، من الهيئة القانونية الكردية، إنّ معظم العائدين إلى مدينة سري كانيه وتل أبيض "تعرّضوا للإساءة وممارسة الانتهاكات بحقهم، من مضايقة واعتقال واختطاف وطلب للفِدى المالية، ولم يسلم من انتهاكاتهم حتى أولئك الذين يعانون مشكلات صحية وكبار السن والنسوة".
وأضاف أنه وفقاً للإحصاءات المتوافرة لديهم، فإنّ نسبة عودة المهجّرين قسراً بفعل آلة الحرب التركية إلى ديارهم في كلٍّ من سري كانية وكري سبي، لا تتجاوز العشرة في المئة من مجموع المهجرين من تلك المناطق إبان الاحتلال التركي لها، وأن غالبية العائدين من كبار السن، مع عدد قليل ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عاماً .
استكمال مخططات التغيير الديمغرافي
وأشار الحقوقي الكردي إلى أن الإساءات، وإن كانت موجَّهة بالدرجة الأولى إلى الكرد، "فإنها لم تقتصر عليهم وحدهم، بل شملت بعض شيوخ العشائر العربية، وجرى اعتقال بعضهم، بحجة الولاء والتعامل مع (قسد)"، على حد قوله.
ويرى أنّ الهدف من ممارسة الانتهاكات بحق العائدين هو الدفع بهم إلى مغادرة ديارهم، "لاستكمال مخططات التغيير الديمغرافي لتلك المدن، واستقدام وتوطين الموالين أردوغان من المرتزقة السوريين"، على حد تعبيره.