انشغل الداخل اللبناني في الأيام الأخيرة بزيارتين للسفيرة الأميركية دوروثي شيا، أولى إلى رئيس الحكومة حسان دياب وثانية إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري. واستند المحللون على اللقاءين، إلى الحديث عن تراجع أميركي في شأن الضغط على لبنان.
وترافقت هذه التحليلات مع زيارة أوروبية لوزير الخارجية ناصيف حتّي شملت إيطاليا والفاتيكان، صنفت في إطار السعي إلى تخفيف الضغوط المفروضة على لبنان، بالتزامن مع إيفاد رئيس الجمهورية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى قطر والكويت للهدف نفسه، ليتبين أن الأمر لا يعدو كونه بدلاً من ضائع في محاولة من قبل الحكومة الحالية للقول إنها تسعى جاهدة لفك عزلة لبنان والبحث عن مساعدات، وللإيحاء بأن المسؤول عن كل مشاكل لبنان هو الولايات المتحدة الأميركية، وليس الإخفاق في تنفيذ الإصلاحات أو سياسة "حزب الله" وارتباطه بإيران، وانعكاس ذلك على لبنان.
مصادر دبلوماسية مطلعة على موقف الإدارة الأميركية تنفي لـ "اندبندنت عربية" أي تغيير في الموقف الأميركي أو تخفيف في اللهجة التي حددتها السفيرة الأميركية في أكثر من إطلالة إعلامية منذ توليها مهامها في لبنان. لكن المصادر تعتبر أن تحميل الضغوط الأميركية مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي في لبنان، هو كلام غير واقعي وغير صحيح.
نوعان من الضغوط الأميركية
لا تنفي المصادر الدبلوماسية وجود ضغوط أميركية على لبنان، لكنها تستبعد أي تأثير لها مباشر في الاقتصاد اللبناني، مؤكدة أنها ليست سبب الأزمة الحالية، كما يحاول كثيرون في لبنان القول.
تمارس الولايات المتحدة على لبنان صنفين من الضغوط، واحد على "حزب الله" تحت مسمى العقوبات الأميركية بصفته منظمة إرهابية، وثان على الحكومة من خلال ربط أي مساعدات مالية بالإصلاحات. وفي الحالتين لا تعتبر واشنطن نفسها مسؤولة عن أزمة لبنان.
تشرح المصادر الدبلوماسية أن العقوبات على "حزب الله"، التي بدأت منذ الثمانينيات، تشهد منذ انطلاقتها فترات من التراخي أو التشدد، لكن لا تأثير لها مباشراً أو غير مباشر في الوضع الاقتصادي أو المالي. فالعقوبات محصورة بمنع وصول أي مساعدة مالية أو تقنية إليه من الداخل والخارج، بالإضافة إلى عمل دبلوماسي يسعى إلى زيادة عدد الدول التي تصنفه إرهابياً.
في المقابل، أسهمت الإجراءات التي وضعها مجلس النواب والتزمت بها المصارف اللبنانية، بعد قضية البنك اللبناني الكندي، في شأن القوانين الخاصة بمكافحة تبييض الأموال المخصصة للإرهاب، في تحسين صورة لبنان لدى المنظمات العالمية، ومنها مجموعة العمل المالي (GAFI)، المعنية بمراقبة الدول التي تحصل فيها عمليات تبييض الأموال.
أما في ما يتعلق بالضغوط الحاصلة على الحكومة والمتمثلة بربط المساعدات بالإصلاحات، فهذه ضغوط تصب في مصلحة لبنان، كما تقول المصادر، وهي شروط دولية وليست فقط أميركية. ولعل الموقف الأقسى في هذا المجال هو الموقف الفرنسي الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في اعتذاره عن زيارة إلى لبنان كان وعد بإتمامها في مناسبة الاحتفال بمئة عام على إعلان لبنان الكبير، وتهديد أكثر من دولة أوروبية مشاركة بمؤتمر "سيدر" بالانسحاب منه.
أصدقاء لبنان: الاكتفاء بمساعدات إنسانية
الإدارة الأميركية ومعها أصدقاء لبنان، وفي مقدمهم فرنسا، يتجهون أكثر فأكثر إلى إعلان عدم الثقة بحكومة حسان دياب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هم يصفونها بالحكومة الفاشلة التي لم تتمكن على الرغم من كل الوعود التي أطلقتها من إحراز أي تقدم في تنفيذ الإصلاحات الضرورية لكسب ثقة الناس والمجتمع الدولي. فالحكومة وعدت بإجراء مفاوضات جدية مع صندوق النقد الدولي الذي تشكل موافقته على منح لبنان قروضاً ميسرة، الضمانة الوحيدة لعودة الاستثمارات والمساعدات، لكنها لم تنجح وغرقت مجدداً في مستنقع التجاذبات السياسية.
البديل عن المساعدات المالية سيكون، وفق ما كشفت مصادر دبلوماسية، مساعدات ذات طابع إنساني، غذائية وتربوية، ستقدمها الدول الصديقة للبنان، لكن حتى هذه المساعدات لن تكون عبر الحكومة بل عبر المؤسسات غير الحكومية، كالجمعيات والمؤسسات التربوية. ومساعدة القطاع التربوي هو عنوان زيارة وزير الخارجية الفرنسي إيف لو دريان المرتقبة في 23 يوليو (تموز)، والتي لن تخلو من تأنيب مباشر سيردّده المسؤول الفرنسي على مسامع السلطة الحاكمة.
التجديد لليونيفيل
وإلى الملفات الضاغطة على لبنان، تضاف قضية التجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل)، المطروحة على طاولة مجلس الأمن في أغسطس (آب)، التي تضعها القوى المعارضة لأميركا في لبنان في خانة الحدّ من إدخال الدولار الأميركي إلى لبنان.
التجديد لليونيفيل سيناقش وسط تساؤل أميركي حول جدوى الاستمرار بتمويلها، طالما أن الهدف الذي أنشئت من أجله هذه القوات غير محترم. مصادر في الإدارة الأميركية والكونغرس، تؤكد أن واشنطن ستذهب في هذا الملف إلى النهاية، بما في ذلك تقليص العدد، الذي يبلغ 10400 عنصر حالياً، مع استبعاد المصادر طرح قرار جديد بتعديل مهام القوات الدولية، تجنباً للفيتو الروسي والصيني.
الإدارة الأميركية تعتبر أن قوات اليونيفيل لم تتمكن من تنفيذ المهمة التي أنشئت من أجلها، في مراقبة السلاح في المنطقة المحددة في القرار الدولي 1701 على الحدود مع إسرائيل. فهي تتعرض في تنقلاتها إلى المضايقات وحتى المنع من قبل "حزب الله" تحت مسمى "الأهالي"، حتى أنها منعت من القيام بالتحقيقات المتعلقة بالأنفاق التي قالت إسرائيل إن الحزب بناها على الحدود.
في المقابل، تسجل الإدارة الأميركية للقوات الدولية البحرية إيجابية، لقيامها بعملها وضبطها الحدود البحرية وحركة السفن، كما تعتبر أن دور اليونيفيل التنسيقي بين إسرائيل ولبنان، على أثر التوترات، هو أكثر من ضروري ويجب أن يستمر. كل ذلك يدفع إلى الاعتقاد بأن الاتجاه في مجلس الأمن سيكون، في الوقت الراهن، تخفيض عدد عناصر اليونيفيل.