أنهت نتيجة الانتخابات العامة الأخيرة الجدل بشأن استمرار عضويتنا في الاتحاد الأوروبي. فكما تأسفت على تلك النتيجة، كنت واحداً من الأوائل الذين أدركوا أن من أرادوا من بيننا البقاء في الاتحاد الأوروبي قد خسروا الجدال.
إلا أن الانتخابات لم تفعل أي شيء لإيجاد حل لطبيعة العلاقات التجارية الجديدة التي سيعتمد عليها رخاؤنا المستقبلي. كان الأمر كما لو أننا دخلنا غرفة بدون نوافذ أطفِئت فيها الأنوار. وفي مثل هذه الظروف، كان وجود مرحلة انتقالية للتوصل إلى حلول كثير من القضايا المعلقة سبيلاً عملياً وعقلانياً للمضي إلى الأمام.
لم يكن أحد ليتوقع بأن المفاوضات المعقدة التي كانت ضرورية للتوصل إلى اتفاق مع جيراننا ستضيع في أتون وباء فيروسي لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر. فقد توجب على الحكومة كل يوم أن توازن بين أرواح الناس وحجم الأضرار الاقتصادية. لذلك كان حتمياً أن تُحول كارثة طارئة من هذا النوع اهتمام الجمهور في نقاش البريكست، وتعيق فعلياً وبشكل جدي اهتمام المفاوضين من على جانبي القنال بالموضوع.
لكن مع ظهور البوادر الأولى لنهاية محتملة للوباء في المملكة المتحدة، والإعلان عن الخطوات المتعثرة للخروج من حالة الإغلاق، يبدو عصياً على الفهم سبب اختيار الحكومة أن تلعب شكلاً من أشكال "الروليت الروسية" مع 27 بلداً من البلدان التي تشكل أكبر أسواقنا. وليس هناك سبب معقول للإصرار على وضع موعد نهائي للفترة الانتقالية التي جرى التفاوض حولها في ظروف مختلفة كثيراً عن تلك التي نمر بها اليوم.
يعيش اليوم ملايين من مواطنينا في غموض حيال أمن وظائفهم، فالآلاف من الشركات تعاني بسبب (غياب) آفاق التوظيف، ونوايا الاستثمار، وتوفر السيولة النقدية. وفي هذا الإطار، فإن أي اتفاق تجاري جديد مع أميركا، أو أي سوق عالمية أخرى لن يؤدي سوى إلى وضع ضمادة على جرح آخذ في التوسع، خلقه الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. وسيستمر الغموض خلال الطفرة الثانية للفيروس مع رفع حالة الإغلاق (الحجر).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا السياق، يتعين على الحكومة أن تتجنب استمالة مؤيديها الأكثر عداء للأجانب من خلال عرض عضلات رجال أقوياء منهمكين في سياسة الألعاب النارية. ففي واقعنا الجديد هذا، أشك إن كان التنابز بالألقاب عبر القنال سيغري حتى أولئك الذين صوتوا لصالح البريكست. ولا شك أن ذلك لا يفيد أبداً محاولاتنا لجذب الاستثمارات الأجنبية، وبناء علاقات جديدة. ولا بد أن يثير الرعب في قلوب الشركات الأجنبية مثل "نيسان" التي تتساءل عما ستفعله بقاعدتها البريطانية في السوق الأوروبية.
فالمعركة من أجل الاستثمارات الأجنبية ليست لعبة تجري في ساحات المدارس الخاصة، بل هي معركة تخوضها الحكومات بلا هوادة، وهي مسلحة بكل ما أوتيت من حيل. فالقرارات يمكن اتخاذها عرضياً تقريباً.
التقيت ذات مرة مديراً تنفيذياً في إحدى كبريات الشركات الدولية كلفه زملاؤه المديرون باتخاذ القرار النهائي بشأن استثمار عدة ملايين هنا في السوق الأوروبية. سألته كيف اهتدى إلى القرار، ولن أنسى أبداً جوابه.
حصر زملاؤه الخيارات في المملكة المتحدة ودولة أخرى، وهو زار البلدينْ معاً في نهاية الأسبوع نفسه مع أنه كان يعاني من إنفلونزا حادة. وقال لي "خدمتكم الصحية عالجتني مجاناً، في حين أن البلد الآخر أرسل لي فاتورة ضخمة. وشعرت أن موظفينا قد لا يكونون قادرين على تحمل مثل تلك الكلفة، لذلك اخترت إنجلترا". إن المستثمرين الأجانب يبحثون عن أماكن في السوق الأوروبية الضخمة، وستكون إنسانيتنا هي ما سيحدد (من جوانب عدة) نجاحنا في المستقبل. سيقرأون جرائدنا، ويستمعون لخطابات سياسيينا، ويتحدثون كثيراً مع الناس الذين يعرفونهم عندما يتخذون قرار الاستثمار هنا، أو يختارون الحوافز الأكثر سخاء المتوفرة في أوروبا.
يقتضي قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي إعادة تنظيم أنماط تجارتنا الدولية في وقت وجه فيه فيروس كورونا ضربة موجعة مؤقتة لاقتصادنا المحلي. وما من شيء يمكنه أن يحبط التعافي والتعديلات الضرورية أكثر من ظهور هذه البلاد، وهي تخوض حرباً نفسية ضد جيرانها. فالتهديد بالخروج من دون صفقة لا يفعل سوى ذلك، ولا يجب على أي حكومة مسؤولة أن تمارسه من قريب أو بعيد.
© The Independent