خلال أسبوع واحد فقط غادر شابان أردنيان في مقتبل العمر عالمنا، لكنهما منحا الحياة والأمل لآخرين ظلوا لسنوات يبحثون عمّن يتبرع لهم بالأعضاء، وسط انتشار ضئيل لهذه الثقافة الإنسانية السامية، على الرغم من كل حملات التوعية والتثقيف، إثر محاذير وتحفظات اجتماعية ودينية. ويواجه الأردنيون تحدياً في فرص الاستفادة من حالات الموت الدماغي التي تنجم عن حوادث المرور، إذ يصل عددها إلى 700 حالة سنوياً، ويمكن أن تشكل مصدراً للتبرع بالأعضاء.
وبإمكان أي مواطن أردني التبرع بأعضائه من خلال تعبئة استمارة في المركز الأردني للتبرع بالإعضاء، وبحسب القوانين يمكن للأحياء التبرع بإحدى الكليتين، أما المتوفون فيمكن لذويهم التبرع بالقرنيتين والكليتين والكبد والبنكرياس والقلب والرئتين.
قرنيات علي
وقالت صفاء أبو رمّان والدة علي الدّراس (14 سنة) الذي توفي نتيجة حادث سقوط، إن ابنها لم يهب البصر لشخصين فقط وإنما شجع آخرين على التبرع بقرنياتهم، وفق ما وردها من "جمعية أصدقاء بنك العيون". وأضافت "هنالك نحو ألف شخص على قائمة الانتظار في بنك العيون، والتبرع بقرنيات، ولدي شجع كثيرين على التبرع. والعديد من المحتاجين والآملين في الإبصار اتصلوا بنا أملاً في الحصول على مبتغاهم، تمنيت لو أن لولدي مئة قرنية نهبها عن روحه الطاهرة ولا نرد متصلاً خائباً".
أما والد علي الدكتور مجدي الدرّاس فيقول "تبرعنا بقرنيتيه ليبقى جزء منه حياً بيننا، وحتى يرى شخص ما بعينيه جمال الحياة بعدما حُرم منها، وصدقة جارية عن روحه، ما دفع كثيرين إلى الاقتداء به وتسجيل أسمائهم في سجل المتبرعين".
نقص في المتبرعين
كذلك، دعا عبد الهادي بريزات، مدير المركز الأردني لزراعة الأعضاء في وزارة الصحة، إلى تعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء بين الأردنيين بسبب النقص الشديد، بحيث أن "التبرع بالأعضاء يغطي فقط 20 إلى 25 في المئة من الحاجة الفعلية في الأردن".
وأوضح بريزات أن "أكثر الأعضاء المطلوبة للتبرع هي الكبد والكلى"، مشيراً إلى أن "99 في المئة من عمليات التبرع بالأعضاء مصدرها أشخاص أحياء، في حين يشكل التبرع من متوفين دماغياً 1 في المئة من الحالات فقط".
كما أشار إلى شروط التبرع، ومن بينها أن لا يقل عمر المتبرع عن 18 سنة، من دون أي مقابل مادي أو معنوي أو أي ضغوط، فضلاً عن فارق العمر ودوافع التبرع لتجنب الاتجار بالإعضاء. وانطلقت قبل خمس سنوات حملة "من بعدي حياة" لتشجيع الأردنيين على التبرع، بهدف التخفيف من معاناة المرضى ومنحهم حق العيش بصحة وتعزيز التكافل الاجتماعي.
ويمكن لانتشار هذه الثقافة توفير 1400 كلية وقرنية، و700 قلب وكبد ورئة، كفيلة بإنهاء معاناة الآلاف. وتطمح الجهات المعنية إلى إدراج الأردن في موسوعة غنيس للأرقام القياسية العالمية عبر تحقيق رقم عالمي جديد لعدد مَن يوصون بالتبرع بأعضائهم بعد الوفاة.
وتفيد الإحصاءات بأن نحو 3540 مواطناً أردنياً وقّعوا على توصیة التبرع بالقرنیات والأعضاء بعد الوفاة عام 2012.
تاريخ التبرع بالأعضاء أردنياً
في عام 1997 تأسست الجمعیة الأردنیة لتشجیع التبرع بالأعضاء، وعملت على إبراز مدى أھمیة التبرع بالأعضاء لدى المواطنین عبر دور توعوي يقدمه الأطباء المختصون وعلماء الدین وقادة الرأي، بالإضافة إلى دعم البحوث العلمیة المتعلقة بزراعة الأعضاء، وتشجیع أولیاء أمور من توفّاهم الله على التبرع لإنقاذ حیاة الآخرين.
وقال المسؤول في الجمعية أحمد جمیل شاكر إن علم زراعة الأعضاء تطور خلال الـ 40 سنة الماضیة لیشمل أغلب أعضاء وأنسجة الجسم، حیث یمكن نقل وزراعة الكلى، القرنیات، القلب، الرئتین، الكبد، الأمعاء، البنكریاس، العظام، الشرایین، الجلد والأطراف وغیرھا، معتبراً أن "فكرة التبرع بالأعضاء أرقى ما قام به البشر لخدمة الإنسانية".
وصدر قانون للانتفاع بأعضاء جسم الإنسان في عام 1977، إلا أنه قبل ذلك بخمس سنوات أُجريت أول عملية لزراعة الأعضاء في الأردن في عام 1972 حيث تمّت زراعة كلية من متوفٍ، وبعدها بخمس سنوات أجريت أول عملية لزراعة القلب ثم الرئتين لتتوالى بعدها عمليات زراعة الأعضاء.
يزن يعيد الحياة إلى ستة أفراد
في حادثة أخرى، تبرّعت عائلة أردنية فُجعت بوفاة ولدها بأعضائه بعد موته سريرياً، إثر حادث سير تعرض له قبل أسابيع. وآثرت عائلة الشاب العشريني "يزن" التبرع بأعضائه وفق وصيته، فأعاد الحياة والأمل إلى ستة أفراد بعدما تبرع لهم بالقلب والكليتين والقرنيتين.
وقال مازن الشعيبي والد يزن عن التبرّع بأعضاء ولده "يكفي أنني سأرى ابني في جسد ستة أشخاص، هذا وحده كفيل بإسعادي أنا وأمه"، داعياً الأردنيين إلى "القيام بهذه الخطوة الإنسانية". وأضاف "ما دفعني للتفكير بالتبرع بأعضاء يزن، أنه وقّع على بطاقة تبرّع قبل نحو 5 سنوات، ضمن حملة "من بعدي حياة"، كاشفاً عن زراعة الأطباء قلب يزن، في جسد شاب ثلاثيني، أما كليته الأولى، فكانت من نصيب فتاة والثانية من نصيب فتاة أخرى فيما لا تزال القرنيات في بنك العيون.
الإفتاء تجيز بشروط
وتجيز دائرة الإفتاء عمليات التبرع بالأعضاء من متوفين كالتبرع بالقرنيات وبطريقة موثّقة، لكنها تتحفّظ على تبرعات أخرى كالتبرع بالكلى من الأحياء لأنها مخاطرة غير مضمونة العواقب، وفيها محاذير شرعية، إضافة إلى وجود البديل، وهو عملية غسيل الكلى.
وتقول دائرة الإفتاء الأردنية إن التبرع بالأعضاء البشرية، يُعد من أعمال الخير المستحبة إذا تحققت الشروط الشرعية الواجبة، ومن بينها أن يكون المتبرع كامل الأهلية، مع التحقق من رضاه وعدم تعرضه للاستغلال، بخاصة النساء.
ومن بين الشروط أن يتم التحقق الطبي من نجاح عملية نقل الأعضاء، وسلامة المتبرِّع أيضاً ومن دون مقابل مادي، ويشترط أيضاً أن يأذن الميت قبل موته، أو ورثته بعد موته.