في كل سنة، تشهد أسواق تونس في الأسبوع الأخير قبل عيد الأضحى حركة كبيرة لشراء أضاحي العيد، بخاصة أن هذه المناسبة كعيد الفطر فرصة للاحتفال وصلة الرحم والمودّة بين الأقارب الذين باعدت بينهم ظروف العمل ومشاغل الحياة اليومية.
وجراء جائحة كورونا والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها تونس، تراجع الإقبال هذه السنة على شراء الأضاحي.
أكثر من مليون ونصف أضحية
اتحاد الفلاحين الذي يضمّ في عضويته مربّي المواشي ووزارة الزراعة أسهما في تزويد السوق بأكثر من مليون ونصف مليون رأس من الأضاحي.
وبحسب وزير الزراعة والصيد البحري أسامه الخريجي، فإنّ ارتفاع سعر بيع الأضاحي، سببه غلاء الأعلاف، ما جعل سعر الأضحية يتراوح بين 400 دينار (150 دولاراً) و1400 دينار (500 دولار) بحسب وزن الأضحية ونوعيتها.
ويعتبر تاجر المواشي عبد السلام العجنقي أن الأسعار يمكن أن تكون في متناول كثيرين على الرغم من إقراره بتراجع المبيعات مقارنة بالسنة الماضية بنسبة تقارب 20 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأزمة الاقتصادية عزّزت التلاحم الاجتماعي
وقال العجنقي لـ"اندبندنت عربية" إن الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرّت بها تونس في الأشهر الماضية، خلقت نوعاً من التضامن الاجتماعي بين الناس، وإن أكثر من ثلث مبيعاته من المواشي كانت صدقات تبرّع بها أشخاص مقتدرون لعائلات لم تسمح ظروفها المادية بشراء الأضاحي وهذه السنة هي الأولى التي تشهد أسواق بيع الأضاحي هذه الحركة من التضامن بين التونسيين.
عبادة وليست عادة
في سياق متصل، تقبل العائلات التونسية بشكل كبير على شراء أضاحي العيد على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة في اتّباع للسنة النبوية الشريفة، وبحسب الشيخ علي غربال، إمام مسجد عمر بن الخطاب بتونس العاصمة، فإنّ الإقبال على شراء الأضاحي جزء من ممارسة الشعائر الدينية التي أقرّها الإسلام لِمَن له القدرة على ذلك.
وعددٌ كبيرٌ من التونسيين يعتبرون قيامهم بذلك واجباً دينياً، وليس عادة اجتماعية، ما يعزّز التراحم وصلة القربى بين العائلات، فيُصار إلى توزيع لحم الأضحية على محدودي الدخل والمستحقين، والأقرباء أولى بالمعروف.
وأضاف الشيخ غربال لـ"اندبندنت عربية" أن الأضحية تتجاوز مفهوم العادة وهي تعبير عن تعظيم التونسيين لهذه الشعيرة من شعائر الإسلام والتمسّك بهذه السُنّة المؤكدة.
حيرة الموظف
في المقابل، لم يتمكّن عدد كبير من الموظفين والعاملين في القطاع الخاص الذين تضرّروا جراء الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا، من شراء الأضاحي وكثيرون منهم لم يتقاضوا أجورهم لأشهر عدّة، ما اعتبره هشام حمه، الموظف في شركة خاصة، السبب وراء حرمانهم برفقة عائلاتهم من فرحة العيد، إذ اعتاد الأطفال، بخاصة في الأحياء الشعبية تزيين قرنَيْ الكبش بالأربطة الملوّنة والخروج به أمام المنزل في تقاليد تُعتبر إحدى سمات فرحة الصغار بعيد الأضحى.
وأضاف حمه أنّ تونسيين كثراً سيكتفون هذه السنة بشراء كميات من اللحوم لشوائها في المنازل على الأقلّ لتعويض عجزهم عن شراء الأضاحي التي يصل سعر بعضها إلى أكثر من أجر شهري لموظف متوسّط الدخل.
متغيّرات السلوك الاجتماعي
وتغيّر سلوك المواطن التونسي الذي كان يرتبط الاحتفال بعيد الأضحى بالنسبة إليه وإلى عائلته أساساً بشراء كبش العيد وقضاء أول أيامه مع العائلة في شواء اللحم وطبخه، لكن في السنوات الأخيرة، تحديداً السنة الحالية، حصل تغيير في السلوك المجتمعي الجماعي في تونس.
ويفسّر الأستاذ سامي نصر، الباحث في علم الاجتماع، أن نسبة الإقبال على شراء الأضاحي تراجع بشكل كبير جراء تدهور القدرة الشرائية، ولكن يجب الانتباه إلى أن المواطن اليوم في حيرة تضعه بين شراء الأضحية وما يتسبّب له ذلك من مصاعب حياتية.
يُذكر أن وزارة الشؤون الاجتماعية قدّمت مساعدات مالية للعائلات الفقيرة للتكفّل بمصاريف العيد.