تطرّق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الخميس 30 يوليو (تموز)، إلى سياسة الولايات المتحدة في التعاطي مع أبرز القضايا الدولية، بما فيها تلك المتعلّقة بإيران والصين وروسيا.
وأعطى بومبيو أوضح إشارة له حتى الآن إلى أن الولايات المتحدة ستسعى إلى فرض عقوبات دولية على إيران، إذا ما انتهى حظر بيعها الأسلحة التقليدية.
وتريد روسيا والصين، الدولتان الدائمتا العضوية في مجلس الأمن والمتمتّعتان بحق النقض (الفيتو)، إنهاء الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على بيع الأسلحة التقليدية لإيران في 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، على النحو المنصوص عليه في قرار صدر عام 2015.
وأبلغ بومبيو لجنة مجلس الشيوخ أن الولايات المتحدة ستطرح قريباً مشروع قرار بتمديد الحظر، آملاً في أن "يحظى بموافقة أعضاء آخرين من الدول الخمس الكبرى". وأضاف "إذا لم يكن الأمر كذلك، فسنتّخذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم انتهاء حظر الأسلحة هذا".
وقالت الولايات المتحدة سابقاً إن لديها سلطة "إعادة فرض" العقوبات الاقتصادية التي كانت تفرضها الأمم المتحدة على إيران، والتي رُفعت إثر توقيع الاتفاق النووي معها في صيف 2015.
وقال بومبيو للجنة "لدينا القدرة على تنفيذ إعادة العقوبات (سناب باك)، وسنستخدمها بطريقة تحمي أميركا وتدافع عنها".
تباين مع الأوروبيين
وفي مايو (أيار) 2018، انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي الموقّع مع إيران في عهد سلفه باراك أوباما، ليندّد منذ ذلك الحين مراراً وتكراراً بالاتفاق، معيداً فرض عقوبات مشدّدة من جانب واحد على طهران.
وعلى الرغم من ذلك، يجادل بومبيو بأن الولايات المتحدة لا تزال "مشاركةً" في الاتفاق، وتتمتّع بحق إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة بسبب ارتكاب انتهاكات، كما هو مدرج في قرار 2015. ولكن حتى حلفاء الولايات المتحدة، يشكّكون في قانونية هذه الذريعة، ويحذّرون من أن مثل هذه الخطوة قد تضرّ بمجلس الأمن كمؤسّسة.
وتؤيّد فرنسا وبريطانيا تمديد حظر الأسلحة، لكنهما تقولان إن الأولوية القصوى تتمثّل في الحفاظ على حلّ دبلوماسي لوقف تطوير برنامج إيران النووي. وقد تصل قضية الحظر إلى ذروتها قبل أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية، علماً أن جو بايدن، منافس ترمب، يؤيّد الاتفاق النووي مع طهران.
الحزب الشيوعي الصيني "تهديد العصر"
وعلى وقع التوتّر المتصاعد بين واشنطن وبكين، اتّخذ بومبيو نهجاً صارماً إزاء الصين وهو يدلي بشهادته أمام اللجنة، قائلاً "نرى الحزب الشيوعي الصيني على حقيقته: التهديد الأساسي في عصرنا".
وأضاف أن دولاً عدة تدعم مبادرات الولايات المتحدة، بما فيها الحثّ على عدم استخدام معدات شركة "هواوي تكنولوجيز" الصينية في شبكات الجيل الخامس، وتعزيز وتيرة المناورات البحرية في بحر الصين الجنوبي، معتبراً أن الدبلوماسية الأميركية "القوية تساعد في قيادة صحوة دولية لتهديد الحزب الشيوعي الصيني"، ومضيفاً "إن الدائرة تدور".
وتبادلت الولايات المتحدة والصين في الآونة الأخيرة إغلاق كل منها قنصلية للأخرى، إذ أغلقت واشنطن قنصلية بكين في هيوستن، وردّت الثانية بإغلاق القنصلية الأميركية في شنغدو. كما أعلن بومبيو أخيراً إنهاء الوضع الخاص الذي كانت تحظى به هونغ كونغ في التجارة مع الولايات المتحدة، عقب إقرار الصين قانونها الجديد للأمن القومي، الذي يعزّز قبضتها على المدينة الحاظية باستقلال ذاتي.
وفي الوقت ذانه، أشار بومبيو إلى صعوبة تشكيل تحالف دولي، نظراً إلى قوة الصين الاقتصادية. وقال إنه "تفاجأ وأُصيب بخيبة الأمل" من عدد الدول التي دعمت قمع الصين لاستقلال هونغ كونغ.
قضية "المكافآت الروسية" في أفغانستان
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يتعلّق بالشأن الروسي، وتحت ضغوط لشرح الجمود الواضح للولايات المتحدة في وجه التهديدات الروسية ضدّ جنودها في أفغانستان، تطرّق بومبيو إلى مقتل 300 روسي في سوريا لإثبات صلابة واشنطن.
واستجوب أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون بومبيو بشأن قضية "المكافآت الروسية" التي تحدّثت عنها وسائل إعلام عدة، قائلةً إن روسيا دفعت لطالبان لقتل جنود أميركيين في أفغانستان. وفي وقت سابق هذا الأسبوع، قال ترمب إنه "لم يثر" هذا الأمر مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في مكالماته الهاتفية الأخيرة، وقلّل من شأن هذه المعلومات.
ولم يوضح بومبيو إذا ما كان أثار الأمر بنفسه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، لكنه قال "يمكنني أن أؤكّد للشعب الأميركي أنني في كل مرة تحدثت فيها مع وزير الخارجية لافروف، كنت أثير قضايا تهدّد المصالح الأميركية، سواء تعلّق الأمر بجنودنا في سوريا أو في أفغانستان، أو ما يحدث في ليبيا". ورداً على سؤال من السيناتور بوب منينديز، كبير الديمقراطيين في اللجنة، قال إن "الأشخاص المناسبين على علم بكل تهديد لجنودنا على الأرض في أفغانستان".
مقتل 300 روسي في سوريا
ولدى الضغط عليه لمعرفة موقف ترمب، قال "لا أعتقد أن هناك أي شكّ في أذهان جميع القادة الروس، بما في ذلك فلاديمير بوتين، بأن الولايات المتحدة تتوقّع منهم ألّا يقتلوا أميركيين". وأضاف "أستطيع أن أؤكّد لكم أن الـ300 روسي الذين كانوا في سوريا وهدّدوا أميركا ولم يعودوا في هذا العالم يفهمون هذا أيضاً".
لم يوضح الوزير الأميركي أي حادث قصد في كلامه، لكن وردت تقارير كثيرة عن غارات جوية قتلت روساً في فبراير (شباط) 2018 بالقرب من بلدة خشام السورية. ورجّحت صحيفة "نيويورك تايمز" التي كشفت عن قضية المكافآت، أن موسكو كانت تنوي الردّ على الضربات التي قتلت المئات من المقاتلين الموالين لدمشق.
العلاقات مع أوروبا وتركيا
إضافةً إلى ذلك، دافع بومبيو عن قرار الإدارة الأميركية إبعاد الآلاف من قواتها من ألمانيا، التي اعتبرت الخطوة الأميركية "إهانةً" لها، وفق ما نقل السيناتور الجمهوري ميت رومني عن مسؤولين ألمان كبار تحدّث إليهم. وجاء القرار الأميركي في إطار الخلاف مع دول حلف شمال الأطلسي حول زيادة مساهمتها في نفقات الحلف.
وأوروبياً أيضاً، قال وزير الخارجية الأميركي إن بلاده ستبذل أقصى ما في وسعها للتأكّد من أن خط أنابيب الغاز الروسي "نورد ستريم 2" لا يشكّل تهديداً لأوروبا.
هذا وأكّد بومبيو أن الولايات المتحدة مستمرّة في تقييم كيفية الردّ على شراء تركيا لمنظومة "إس-400" الدفاعية الروسية، قائلاً "ما زلنا نقيّم كيف نطبّق عقوبات من أجل تحقيق هدفنا النهائي".
رغبة في دعم السودان
أما عربياً، فعبّر وزير الخارجية الأميركي عن رغبته في إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، معتبراً أن الانتقال السلمي الذي تعيشه البلاد يمثل فرصةً تاريخيةً، ومشيراً في الوقت ذاته إلى خلافات بين البلدين بشأن حزمة تعويض عن تفجير السفارتين الأميركيتين عام 1998.
واعتبر بومبيو أن سقوط نظام عمر البشير عقب تظاهرات حاشدة ومرور نحو عام على تعيين حكومة رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك، يمثّلان "فرصةً لا تتكرّر كثيراً". وتابع "توجد فرصة ليس لبدء بناء ديمقراطية فقط، بل يُحتمل أن تؤدي إلى بروز فرص إقليمية أيضاً".