أعلنت الحكومة البريطانية الأربعاء أنها وقعت اتفاقية مع "غلاكسو سميث كلاين" و"سانوفي" تنص على تزويد الشركتين المتخصصتين بالمستحضرات الصيدلانية بريطانيا بملايين الجرعات من لقاحيهما لفيروس كورونا إذا ثبتت فاعليتهما.
وهذه الاتفاقية هي الرابعة من نوعها التي توقعها الحكومة مع شركات متعددة الجنسيات متخصصة بالمستحضرات الصيدلانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتفيد الحكومة بأن هذه الاتفاقات ستتيح للمملكة المتحدة "الفرصة الأرجح للحصول على أكثر اللقاحات أماناً وفاعلية وبالسرعة الأكبر".
لكن ما مقدار الأرباح التي ستجنيها شركات المستحضرات الصيدلانية من هذه الاتفاقيات؟
لا تعلن الحكومة أي تفاصيل عن الشروط المالية لاتفاقات الإمداد هذه، معتبرة أن هذه المعلومات حساسة تجارياً.
وتفيد بعض شركات المستحضرات الصيدلانية حيت تُسأَل بأنها لا تخطط لتحقيق أي أرباح.
لكن بعضها الآخر ألمح إلى العكس. فالشركة الأميركية للمستحضرات الصيدلانية "موديرنا" يُقَال إنها تنظر في طلب 50 إلى 60 دولاراً في مقابل كل جرعة من لقاحها التجريبي، ما قد يشي بربح كبير.
فما الذي يجري حقاً؟ هل يحق لشركات المستحضرات الصيدلانية تحقيق أرباح من هذه العلاجات؟ وماذا في مستطاع الحكومات فعله لمنع الأمر من الحدوث؟
ما الذي أعلنته شركات المستحضرات الصيدلانية حقاً؟
خلال جلسة استماع أمام الكونغرس الأميركي في وقت سابق من هذا الشهر، تعهد ممثلون لـ"أسترا زينيكا" و"جونسون أند جونسون" بأن الشركتين ستوفران اللقاحات للولايات المتحدة من دون تحقيق ربح.
لكن وفي جلسة الاستماع نفسها، قال ممثلون لـ"موديرنا" و"بفايزر" و"ميرك"، إن الشركات تعتزم بالفعل تحقيق ربح من أي لقاحات في المستقبل.
وقال رئيس "موديرنا" ستيفن هوج، "لن نبيع اللقاحات بسعر التكلفة".
وحققت أسعار الأسهم الخاصة بكثير من شركات المستحضرات الصيدلانية ارتفاعات كبيرة نسبياً خلال الأزمة. وارتفع سعر سهم "موديرنا" ثلاثة أضعاف منذ بدء الجائحة.
وهذا يشير إلى أن المستثمرين يتوقعون من الشركة أن تحقق أرباحاً كبيرة من لقاحاتها وعلاجاتها لفيروس كورونا.
وثمة أيضاً أدلة تشير إلى أن المستثمرين يضغطون على شركات المستحضرات الصيدلانية المدرجة في البورصات لتعتبر الأزمة فرصة لتحقيق الربح.
وفي المملكة المتحدة، قالت الرئيسة التنفيذية لـ"غلاسكو سميث كلاين" إيما والمزلي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في أبريل (نيسان) إن الشركة لم ترم إلى "ربح صاف" من مبيعات اللقاحات.
لكنها أضافت أن أي فوائض ستُوجَّه إلى البحوث والتطوير في مجال التهديدات الخاصة باللقاحات في المستقبل ودعم اللقاحات المسلّمة إلى البلدان النامية.
وهذا يشير إلى أن السيدة والمزلي تتصور ربحاً من المبيعات في البلدان الغنية لكن هذا الربح سيوازنه توفير اللقاحات للدول الأفقر بأقل من تكلفة الإنتاج التصنيعي.
أليس تحقيق أرباح من جائحة عملاً قذراً؟
تذهب بعض شركات المستحضرات الصيدلانية ومجموعات الضغط التابعة لها إلى أن الأرباح ضرورية لتحفيز البحوث في المستقبل.
لكن العديد من النشطاء والمحللين يردون بأن شركات العقاقير لا تميل إلى الاستثمار في اللقاحات الخاصة بالأمراض المعدية في الأوقات العادية، مع تفضيل القطاع لتطوير عقاقير تتعلق بنمط الحياة وتحقيق أرباح أكبر.
وعلاوة على ذلك، مولت الحكومات، إلى حد كبير، كثيراً من البحوث الخاصة بلقاحات فيروس كورونا الجارية حالياً، ويمكن القول إن ذلك يجعل الأرباح الخاصة من هذه العلاجات غير مبررة.
وسيدفع الناس فعلياً مرتين، أولاً من خلال الضرائب لتمويل البحوث ومن ثم لتلقي العلاج نفسه.
وتتلقى "أسترا زينيكا" و"جونسون أند جونسون" أموالاً فيدرالية أميركية لتمويل جهودهما لتطوير لقاح. وتأخذ "موديرنا" 483 مليون دولار من الحكومة الأميركية.
وثمة تمويل عام كبير للبحوث التي تجريها مؤسسات خاصة في المملكة المتحدة وأوروبا للتوصل إلى لقاح.
والتزمت الحكومة البريطانية توفير 66 مليون جنيه إسترليني (86 مليون دولار) لتمويل مشروع جامعة أكسفورد لصنع لقاح تستعد "أسترا زينيكا" لتسويقه وتصنيعه.
ما الذي تستطيع الحكومات فعله؟
يمكن للحكومات الوطنية أن تفرض شرطاً صارماً لقاء تمويلها للبحوث الخاصة باللقاحات يحظر الأرباح. وهذا ما يدفع باتجاهه السياسيون الديمقراطيون في الولايات المتحدة.
والجانب السلبي لهذا النهج قد يتمثل في رفض بعض شركات المستحضرات الصيدلانية التمويل خوفاً من ضوابط كهذه. ويعتقد البعض أن هذا السبب هو ما حمل شركة "بفايزر" على رفض أموال حكومية أميركية لتمويل البحوث الخاصة باللقاحات.
لكن في الأحوال كلها لم تختر الحكومات، أقله رسمياً، فرض مطالب كهذه على شركات العقاقير.
ماذا عن التعاون العالمي؟
اقترحت منظمة الصحة العالمية إنشاء مجموعة من الملكيات الفكرية لكل التدخلات الفاعلة في مجال كوفيد-19، بما في ذلك اللقاحات.
لكن الاقتراح لاقى القليل من الدعم من الحكومات، وعارضته شركات المستحضرات الصيدلانية.
وفي غياب التعاون العالمي، دُعيت الدول إلى النظر في "التراخيص الإجبارية" الصادرة من جانب واحد للعلاجات الخاصة بفيروس كورونا.
وهذه الوسائل (المسموح بها بموجب القانون التجاري الدولي) يمكن من خلالها لأي بلد تجاوز براءات الاختراع الخاصة وتصنيع العلاجات محلياً لأنها تواجه حالة طوارئ صحية.
وتتخذ إسرائيل وألمانيا وكندا خطوات في هذا الاتجاه خلال الجائحة.
لكن تشاد باون من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن، وهو مؤسسة بحثية، يستبعد نجاح الترخيص الإجباري في البلدان النامية.
ويقول: "إن تصنيع اللقاحات هو تصنيع عالي التقنية ولن يكون ممكناً إلا في عدد قليل من البلدان الغنية في الأغلب. وستحتاج البلدان الفقيرة إلى استيراده".
ما هو موقفنا الحالي إذاً؟
لا يزال لقاح فعال ضد فيروس كورونا مجرد احتمال افتراضي وليس أمراً مضمون حصولنا عليه.
لكن إذا حصلنا حقاً على لقاح علاجي، أو عدد من لقاحات علاجية، ستبرز بسرعة إلى دائرة الضوء مسألة الأرباح الخاصة التي حققتها الشركات التي طورت اللقاح أو اللقاحات.
ومن المرجح أيضاً أن يلف الالتباس مسألة الربح من المبيعات المحلية في ضوء مسألة الدعم المقدم من الحكومات الأكثر غنى إلى الشركات من أجل طرح اللقاح عالمياً، وهو الأمر الذي تلمح إليه كلمات السيدة والمزلي.
وربما تمتلك حكومات البلدان الغنية النفوذ الكافي، سواء على المستوى القانوني أو السياسي، لمنع شركات المستحضرات الصيدلانية المتعددة الجنسيات التي تعمل في الأراضي التي تبسط عليها سيادتها من تحقيق الربح.
لكن السؤال الرئيسي يتلخص في ما إذا كانت هذه الحكومات عازمة سياسياً على التوسل بهذا النفوذ.
© The Independent