تحدى آلاف الأشخاص المطر في مدينة خاباروفسك في أقصى الشرق الروسي، السبت في الأول من أغسطس (آب)، للمشاركة في مسيرة احتجاجية ضخمة للأسبوع الرابع على التوالي، دعماً لحاكم المنطقة السابق سيرغي فورغال واحتجاجاً على تعاطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع قضيته.
وردّد المتظاهرون شعارات مناهضة للكرملين وداعمة لفورغال، الذي ألقي القبض عليه في 9 يوليو (تموز) ونُقل إلى موسكو، لمواجهة اتهامات بإصدار أوامر لقتلة مأجورين في حالتين والشروع في القتل قبل 15 عاماً، وهي ارتكابات ينفيها.
دوافع سياسية
وأثارت عملية توقيف فورغال، البالغ من العمر 50 سنة والذي انتُخب عام 2018 وفاز في وجه منافس من حزب "روسيا الموحّدة" الحاكم، احتجاجات غير مسبوقة في منطقة الشرق الأقصى.
وفورغال عضو في الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، الذي يعدّ بشكل عام موالياً للكرملين. وتحوّل إلى حاكم يتمتّع بشعبية واسعة، إذ وصفه أنصاره بأنه حيوي ومستعدّ للاستماع لمطالب السكان. وازدادت شعبيته بشكل كبير محلياً لتنافس تلك التي يحظى بها بوتين.
ويعتبر السكان المحليون أن لتوقيف الحاكم دوافع سياسية، ويتساءلون عن سبب محاكمته في العاصمة البعيدة.
وقال ستانيسلاف ناسونوف (40 سنة)، المشارك في المسيرة، لوكالة الصحافة الفرنسية، "أخذ الحاكم بهذه الطريقة يُشبه تصرّفات أسوأ قطّاع الطرق... إنه بصق في وجوه المواطنين الذين انتخبوه".
معارضة بوتين
وأقيل فورغال المحتجز في سجن ليفورتوفو سيء الصيت في موسكو، واستبدله بوتين بحاكم شاب جديد ليست له علاقة بالمنطقة، في خطوة أثارت غضب السكان في خاباروفسك.
وكانت المسيرة السبت أصغر من المسيرة التي نُظّمت في عطلة نهاية الأسبوع السابقة، والتي كانت الأكبر على مدى 22 يوماً من الاحتجاجات شبه اليومية. وقدّر صحافيون عدد المتظاهرين بحوالى 30 ألف شخص، بينما قدّر مجلس مدينة خاباروفسك عددهم بـ3500 فقط، مدعياً أن هناك "اهتماماً متراجعاً".
وعلى الرغم من هطول الأمطار، كانت الروح المعنوية عالية بين المتظاهرين الذين صفقوا ولوحوا بأعلام روسيا وردّدوا هتافات بينها "20 سنة، لا ثقة"، في إشارة إلى الوقت الذي أمضاه بوتين في السلطة، و"حرية" و"جئنا إلى هنا بإرادتنا"، كما رفع آخرون لافتةً كُتب عليها "روسيا من دون بوتين"، وهتف آخرون "ارحل يا بوتين".
وقال المتقاعد بيوتر سميرنوف (65 سنة) إن "حريتنا في الاختيار يتم أخذها. نحن نحتجّ بهدف فتح هذه النافذة مرةً أخرى، ليس بالنسبة إلينا فقط بل لكل روسيا".
"رمز جديد" للمعارضة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعدّ مشاعر السخط السائدة في أوساط السكان الذين يشتكون من التهميش من قبل موسكو، من بين العوامل التي تغذّي الاحتجاجات. كما تخيّم المخاوف الاقتصادية على المنطقة المتاخمة للصين، حيث يعمل معظم السكان في مجالات التعدين واستخراج الفحم والغابات.
وتجاهلت وسائل الإعلام الرسمية الاحتجاجات بشكل واسع، لكن تلك الأكثر استقلالية غطّتها بشكل إيجابي. ووصف مقال نشرته صحيفة "فيدوموستي" الاحتجاجات بأنها "رمز جديد" يمثّل معارضة "المناطق للمركز".
وكانت خاباروفسك بين المناطق الأقل تأييداً لتعديل دستوري يسمح لبوتين بتمديد فترة حكمه، جرى استفتاء عليه في الأول من يوليو (تموز). وكانت نسبة الأصوات المؤيدة للتعديل أقل بـ15 في المئة عن المعدل الوطني.
وفي مسعى لإرضاء المحتجين، عيّنت موسكو حاكماً جديداً مؤقتاً ينتمي إلى حزب فورغال، هو ميخائيل ديغتياريف. ولم يرحّب السكان بتعيين النائب البالغ 39 سنةً، والمعروف باقتراحه مشاريع قوانين غريبة من نوعها. وازداد الوضع سوءاً بإشارته إلى "ألا وقت" لديه للقاء المحتجين، الذين اتهمهم بتلقي دعم خارجي من جهات "محرّضة".
وقالت المحتجّة فيكتوريا ساخاروفا "كان ينبغي أن نختار شخصيةً محليةً للحلول مكانه. لكن بدلاً من ذلك، أُرسل إلينا شخصاً لا يعرف خاباروفسك إلا من خلال أوراق 5000 روبل النقدية"، في إشارة إلى الورقة النقدية التي تظهر لقطات للمدينة وتعادل قيمتها 68 دولاراً.
الشرطة تمارس ضبط النفس
وفي مؤشر إلى أن حجم الاحتجاجات قد يكون أثار قلق سلطات المنطقة، أبدت الشرطة قدرةً غير معهودة على ضبط النفس وسمحت بتواصل الاحتجاجات، بينما لم تعتقل سوى بضعة أشخاص. وحتى الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أشاد هذا الأسبوع بصبر الشرطة، في بلد عادةً ما يسارع عناصر الأمن فيه إلى تفريق أي احتجاج.
وقال المتظاهر يوري بيتروف، البالغ 47 سنة، "لا نزال نخشى من أنهم قد يقومون بتوقيفنا". وتابع "نعيش لحظةً من الديمقراطية لكن لا شك في أنها ستكون عابرةً".
كما نظّم مئات احتجاجاً دعماً لخاباروفسك في فلاديفوستوك، حيث احتجزت الشرطة أشخاصاً عدة، وفقاً لمجموعة "أو في دي-إنفو" التي تتتبّع عمليات التوقيف في الاحتجاجات.