عقب إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، التخلي عن الإدارة الذاتية، ودخوله في شراكة مع حكومة الكفاءات المزمع الإعلان عنها، طفت على سطح أحداث المشهد اليمني المعقد تساؤلات عدة تتعلق بمصير المجلس ومشروعه المعلن الذي يرفع شعار استعادة الدولة "جمهورية اليمن الديمقراطية" قبل عام 1990، وتنصيب نفسه وصياً وحيداً على أبناء المحافظات الجنوبية ثم قبوله الشراكة مع الحكومة الشرعية.
يأتي ذلك بعدما قدمت السعودية إلى كلٍ من الحكومة اليمنية الشرعية، و"المجلس الانتقالي الجنوبي" آلية لتسريع العمل على تنفيذ اتفاق الرياض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشمل الآلية تخلي المجلس الانتقالي الجنوبي عن الإدارة الذاتية وتعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن وتكليف رئيس الوزراء اليمني، ليتولى تشكيل حكومة كفاءات سياسية خلال 30 يوماً.
وكان الانتقالي قد أعلن في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، ما سمّاه "الإدارة الذاتية للجنوب"، وشرع في تنفيذ خطوته بمصادرة الإيرادات المالية الحكومية في العاصمة المؤقتة عدن، وأخيراً في محافظة سقطرى، وهو ما اعتبرته الحكومة الشرعية حينها "استمراراً في التمرد، وعرقلة لتنفيذ اتفاق الرياض"، وطالبت بالتراجع الفوري عنه، ووصفته بـ"الانقلاب الجديد".
وفي بيانه الذي صدر أمس عقب قرار الرئيس اليمني عبد ربه هادي لرئيس الوزراء الحالي، معين عبدالملك، تشكيل الحكومة الجديدة، شدد الانتقالي على "استمرار وتعميق الشراكة الإستراتيجية مع التحالف العربي على كل الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، من خلال الأهداف المشتركة في محاربة التدخلات الإيرانية في المنطقة، ومحاربة الجماعات الإرهابية، ومكافحة الأنشطة المتطرفة، وكذلك تأمين خطوط الملاحة البحرية وخليج عدن ومضيق باب المندب، ومنع التهريب وتصدير الفوضى عبر المكونات والأشخاص."
وأمام هذه التطورات يبرز تساؤل مفاده، هل بات الانتقالي جزءاً من الحكومة الشرعية التي قاتلها في عدن وأخرجها بالقوة واتهمها بالإرهاب والفساد وتنفيذ أجندة الإخوان المسلمين كحجج متواترة ظل يسوقها منذ ظهوره منتصف العام 2017 عقب إقالة قائديه، عيدروس الزبيدي الذي كان يشغل محافظ عدن، وأصبح رئيساً له، وهاني بن بريك الذي كان يشغل منصب وزير دولة، وأصبح نائباً للأول؟
اتفاق مرحلي
وللإجابة عن ذلك يقول منصور صالح، نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمجلس الانتقالي، إن اتفاق الرياض جاء كاتفاق مرحلي يعنى بوضع حلول للمشكلة الراهنة في محافظات الجنوب بهدف تنميتها وتوحيد الجبهة الداخلية التي تقاتل مع التحالف العربي وهي جبهة تضم الجنوبيين والشرعية اليمنية والتحالف العربي لمواجهة الحوثي.
وأرجع قرار التخلي عن الإدارة الذاتية "استجابة لطلب الأشقاء في التحالف بهدف السماح لتنفيذ اتفاق الرياض وإسقاط الحجج الواهية التي يتحجج بها البعض للتهرب من استحقاقات تنفيذ هذا الاتفاق".
صالح اعتبر خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "الإدارة الذاتية لم تكن بحد ذاتها غاية أو هدفاً لأبناء الجنوب وإنما كانت مرتبطة بظروف معينة تمثلت بغياب الدولة عن أداء مهامها وفشل الحكومة المُسيطر عليها من جماعة الإخوان المسلمين في ظل ظروف استثنائية تمثلت بجائحة كورونا وكارثة السيول التي شهدتها العاصمة عدن".
وأضاف "لهذا كان لزاماً على المجلس الانتقالي التدخل وإعلان الإدارة الذاتية لينهض بالمهام والخدمات وتوفير الرعاية في القطاعات كافة إذ نجح في إدارتها إلى حد كبير".
وفي ظل ما يردده الناس عن قبول الانتقالي بالمشاركة مع الحكومة التي ترى أن من أولوياتها تنفيذ مؤتمر الحوار الوطني الذي تنص أبرز بنوده على قيام دولة اتحادية من ستة أقاليم، وهل يعني ذلك قبوله بهذا المشروع أوضح أن اتفاق الرياض هو "اتفاق مرحلي وليس حلاً لقضية اليمن بشكل عام ولا القضية الجنوبية وبالتالي فأي اتفاق لا يعني التسليم بما تسمى الدولة الاتحادية".
ويضيف "لشعبنا آماله وخياراته وطموحاته التي سوف يناضل دفاعاً عنها".
تقرير المصير
وعلى الرغم من توقيعه على اتفاق الرياض الذي رعته حكومة المملكة وينص صراحة على الحفاظ على أمن واستقرار ووحدة اليمن أفاد صالح "نحن نؤكد أهمية الجلوس في تسوية شاملة وأن تناقش كل القضايا بشفافية من ضمن ذلك تقرير مصير الجنوب بما يرتضيه وهي مطالب واضحة، ومطالب المجلس الانتقالي واضحة وهي استعادة الدولة الجنوبية كهدف لا يمكن التخلي عنه بأي حال من الأحوال باعتباره مطلباً شعبياً غير قابل للتفاوض".
وقدمت الرياض، في يونيو(حزيران) الماضي، مقترحاً يهدُف إلى إنهاء الخلاف بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بعدما ساءت الأوضاع بينهما في أبريل الماضي، إثر إعلان الأخير الحكم الذاتي في عدن، المقرّ المؤقت لـ الحكومة الشرعية، بعد استيلاء الحوثي على العاصمة صنعاء عام 2014.
وتبذل السعودية جهوداً في طريق التنفيذ الكامل لـ"اتفاق الرياض"، الذي أعلن بعد توقيع مصالحة بين الطرفين في العاصمة السعودية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، الذي استند إلى عدد من المبادئ، أبرزها التزام حقوق المواطنة الكاملة، ونبذ التمييز المذهبي والمناطقي، ووقف الحملات الإعلامية المسيئة بينهما.
مع الشرعية وضدها
وقال ثابت الأحمدي، الصحافي في الرئاسة اليمنية، تعليقاً على قرار الانتقالي التراجع عن الإدارة الذاتية، "لننظر إلى المشهد كاملاً من زاوية أوسع، فما يجري اليوم أشبه بالجملة الاعتراضية في مسيرة استعادة الشرعية، لا تخدم القضية المركزية إلا شكلياً، ذلك أن التنازل عن الإدارة الذاتية من دون الخوض في تفاصيل الشأن العسكري والأمني كاملاً وبصورة واضحة سيعيد العملية إلى بداية فصولها بعد أشهر".
وتسعى الرياض إلى منع تشكّل جبهات أخرى في الحرب اليمنية المتعدّدة الأوجه، التي تشهد جموداً عسكريّاً منذ سنوات، ومحاولتها توحيد الجهود العسكرية والسياسية نحو إنهاء الانقلاب الحوثي، ووضع حد للتدهور الاقتصادي والمعيشي الذي تشهده البلاد، وهو ما تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، بحسب الأمم المتحدة.