تحملنا آخر خطوة استفزازية قام بها دونالد ترمب على التساؤل مرة جديدة عن رأي باراك أوباما بالرجل الذي خلفه. فالرئيس الحالي أشبه باستعراض فنّي صُمّم بهدف إثارة المخاوف الدفينة لليبراليين المعتدلين اللبقين العقلانيين الذين اعتبروا أوباما القائد الأفلاطوني المثالي.
ها هو ترمب يعرب الآن عن رغبته في إرجاء الانتخابات المتوقعة النتائج كلياً. ولكنه لا يملك السلطة الكافية من أجل تنفيذ رغبته، حتّى في ظل سنّ قانون طوارئ، ولا يملك الأكثرية التي يحتاجها في الكونغرس من أجل تغيير القانون، لكنه يعلم أنه سيصيب نخبة الليبراليين بالجنون ويخرجها عن طورها.
لقد تصرّف بالطريقة نفسها رداً على نظرية المؤامرة القائلة إنه سيرفض تقبّل نتيجة الانتخابات في حال فوز جو بايدن في نوفمبر (تشرين الثاني). فامتناعه عن القول بصراحة إنه سيقبل النتيجة، ضغط الزر الأحمر الكبير نفسه. فعلى سبيل المثل، حتّى لو تمكّن من إقناع الهيئات التشريعية الجمهورية في الولايات برفض التصديق على النتائج داخل ولاياتها، لن تتمكّن من الحؤول دون اجتماع الكلية الانتخابية المولجة اختيار الرئيس، والدستور يفرض تنصيب رئيس في يناير (كانون الثاني). وإذا خسر بهامش كبير لن يكون هو الرئيس.
لكنه من المهين بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن يقودها شخص لا يحترم القيم الديمقراطية لدرجة أنه يلعب ألعاباً بطابع استبدادي مرعب. وهو أمر مخجل بشكل خاص بالنسبة إلى أوباما الذي بدا أنه يُؤذن بحقبة جديدة من المدنيّة والنزاهة.
وعلى مستوى أقل أهمية، حدث أمر مماثل في السياسة البريطانية. وعلّق بوريس جونسون عمل البرلمان العام الماضي بلا أي تأثير ما عدا استفزاز مناصري البقاء في الاتحاد الأوروبي الذين كانوا ما يزالون يأملون في وضع حدٍ لبريكست. وحتّى لو استمرّ التعليق طوال المدة على ما شاء- لأن المحكمة العليا أوقفته قبل ذلك- لم يكن ليسمح له بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رغماً عن البرلمان. لكن ذلك ساعده في إضفاء طابع درامي على الصراع من أجل تحقيق بريكست ودفع بأحزاب المعارضة مكرهة إلى منحه الانتخابات [المبكرة] التي أرادها [والتي حاز بموجبها أغلبية].
مما يجعلنا نتساءل عن رأي ديفيد كاميرون بهذا المشهد وعمّن نومه أهنأ ليلاً، هو أم أوباما، فيما يتابع الاثنان هدم الإنجازات التي حسبا أنهما حققاها.
بالنسبة إلى كاميرون، نعرف رأيه جزئياً. فهو يعتقد أن الاستفتاء حول أوروبا كان واقعاً لا محالة، لأن أي زعيم محافظ يخلفه كان ليعد بعقد هكذا استفتاء. واعتقد أنه من الأفضل استباق الأمور ومحاربة الموضوع من موقعه كـ"إصلاحي ومناصر للبقاء في الاتحاد". ونعلم أنّ خيانة مايكل غوف آلمته وأنه يرى دومينيك كامينغر مصدر تهديد، لكنه لم يفصح أبداً عن رأيه الصريح بجونسون. هل يؤرقه التفكير بما كان بإمكانه فعله من أجل وضع حدٍ لرجلٍ وصفه مرّةً بأنّه خنزير مكسو بالدهون[خصم سريع]؟
أما أوباما، فلا نعلم الكثير عن مدى شعوره بالأسى إزاء صعود حركة حزب الشاي التي بدت وكأنّها تستمدّ طاقتها من العنصرية الصريحة أو غير الواعية التي ظهرت إثر فكرة انتخاب رئيس أسود البشرة. نعلم أنه حاول العمل مع الجمهوريين المعتدلين لكنه وجد نفسه في مواجهة لا عقلانية شعبوية لم يكن جاهزاً للتعامل معها. ونعتقد أنه يلوم هيلاري كلينتون على إدارتها حملة ضعيفة (مثلما لام بيل كلينتون قبله آل غور لأنه فشل في الفوز بولاية ثالثة نيابة عنه).
لكن أقلّه، تبقّى لأوباما من فترة حكمه في البيت الأبيض برنامج الرعاية الصحية، وهو إنجاز تقدّمي يحمل أهمية تاريخية هائلة استطاع الصمود خلال فترة اللا ليبرالية الخشنة التي تبعته، لكن الإنجازات التي خلّفها كاميرون وراءه أقل حجماً.
إنما أظنّ أنّ الرئيس الأميركي السابق هو من يُعاني أكثر من هدم الكثير من الأمور التي آمن بها. فأن يرى أميركا وقد أضحت مكاناً تمزّقه مسألة العرق بعد كل الآمال التي اعتقد أنّ رئاسته جسّدتها لأمر لا بد أن يخلف جرحاً عميقاً.
بينما أعتقد أنّ كاميرون في المقابل عمليّ أكثر. فهو يظنّ أنه بذل ما في وسعه ولم تنجح محاولاته ببساطة. لأنّ بريكست مسألة هويّة وليست متعلقة بالعرق مثل السياسة الأميركية. كما أنّ كاميرون من المشككين المعتدلين في الاتحاد الأوروبي: وهو لا يرى بريكست بالتالي كارثة مطلقة- بل يعتقد ببساطة إجمالاً أنّ البقاء في الاتحاد مع إدخال التعديلات الطفيفة التي فاوض من أجل الحصول عليها كان الخيار الأفضل.
وأطلقت ميشيل أوباما لتوّها مدونة صوتية (بودكاست) يظهر زوجها عبرها بشخصيته اللطيفة المتأملة المعتادة ويلقي النكات حول مدى حبّه للإغلاق (الحجر) فيما تعبّر هي عن ضيق ذرعها به. لو استطاعا استضافة دايف في البرنامج من أجل مناقشة ما يندم عليه بشأن باري، سوف أستمع بالتأكيد لهذه الحلقة.
© The Independent