أثار موقع أميركي يهتم بنشاط "جماعات الضغط الأميركية"، فضيحة من العيار الثقيل اهتزَّ لها الرأي العام في الجزائر، بعد نشره وثيقة تُشير إلى توقيع مجموعة "سونوران بوليسي" عقداً مع رجل الأعمال الموجود في السجن، علي حداد، بقيمة عشرة ملايين دولار من أجل تحريك قضيته والإفراج عنه.
الخبر "الصدمة"
عَنوَنَ موقع "فورين لوبي" الأميركي الخبر "الصدمة" بالنسبة للجزائريين، بـ"رجل أعمال جزائري سجين يدفع الملايين للوبي مقرب من ترمب". وتابع أنه من سجن الحراش الذي يقبع فيه، وُقِّعَ عقد بقيمة عشرة ملايين دولار مع شركة ضغط تحمل اسم مجموعة "سونوران بوليسي" للحصول على خدمات استشارية، موضحاً أن الشركة أسَّسها روبرت ستريك، الذي شغل في وقت سابق منصب مستشار للرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية في عام 2016.
وبحسب ما ذكر الموقع، فإن العقد يهدف إلى توفير "الخدمات الاستشارية للشركات والأفراد"، وكذلك "الخدمات الأخرى على أساس متفق عليه"، مضيفاً أن العقد وُقِّع يوم 26 يوليو (تموز) 2020، ويمتد حتى 25 يوليو 2021، وكشف عن أن امرأة تُعرِّف نفسها باسم "صابرينة بن"، مستشارة حداد، هي التي وقَّعت على العقد باسم رجل الأعمال علي حداد، مُبرزاً أن هذا الأخير المسجون في الجزائر بتُهم تتعلق بالفساد، يسعى من خلال هذه الخطوة إلى تحريك قضيته والإفراج عنه.
الحكومة بين الضغط والتدويل؟
يُشير وحيد غبغوب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر إلى أن "مجموعات الضغط تلعب دوراً كبيراً في صناعة القرار في الولايات المتحدة والتأثير في السياسة الخارجية". وقال إن "الدولة الجزائرية لم تُجمِّد أموال رجل الأعمال علي حداد في الخارج، على الرغم من أنه يقضي عقوبة 18 سنة سجناً، وذلك لأنه وبحسب الرئيس تبون، لا يوجد حكم نهائي من العدالة"، لذلك فإن هذه الأموال يستخدمها حداد للضغط على السلطة لإطلاق سراحه، وتدويل قضيته، مضيفاً أنه لو انتُخب ترمب لفترة ثانية، فمن الممكن حدوث ضغط أميركي لإطلاق سراحه، خصوصاً أن ودائع البنك المركزي الجزائري موجودة في الولايات المتحدة، حيث تستخدم مجموعات الضغط كل الوسائل الناعمة والصلبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يُواصل غبغوب أن القضية قانونية أميركياً، في حين تبقى الأمور بالنسبة للجزائر نسبية، على اعتبار أن الأموال "المشبوهة" الموجودة بالخارج، هي في نشاط متواصل وعادي، ما دام لم يصدر حكم قضائي نهائي يسمح بمباشرة عملية تجميد ممتلكات السجناء "الفاسدين" وأموالهم الموجودة في الخارج واسترجاعها. وبخصوص رد السلطات على الفضيحة، قال: "ننتظر تصريحاً رسمياً في هذه القضية".
علي حداد ضمن ملفات مشاورات بين الجزائر وواشنطن
الدبلوماسي السابق في الخارجية الأميركية، ويليام لورنس، رجَّح للموقع الذي نشر الخبر أن يكون علي حداد يسعى من خلال الخطوة إلى كسب دعم الشخصيات البارزة في الولايات المتحدة "آملا في أن السلطة الجزائرية الجديدة التي لا تزال ضعيفة نسبياً، وستحتاج في وقت ما إلى تأييد الولايات المتحدة، وسيكون مصير رجل الأعمال المسجون ضمن الملفات المطروحة على أجندة المشاورات بين الطرفين، خصوصاً إذا خلصت الولايات المتحدة إلى أن محاكمة حداد لم تكُن نزيهة".
التصرف الذي أقدم عليه السجين حداد يُقلق الحكومة الجزائرية، ويطعن في مصداقية مؤسسات الدولة والقضاء واستقلاليته أحدها، كما يُحرج الدبلوماسية التي ستُعطي أهمية للقضية مع كل مناسبة أميركية - جزائرية، بسبب أنها ستكون ورقة مُساومة وابتزاز، وكلها انعكاسات سلبية للخطوة ستدفع السلطات الجزائرية إلى التحرك لإنهاء "مسلسل العصابة وفسادها"، وأيضاً للإسراع في عمليات تجميد واسترجاع "ممتلكات الفاسدين وأموالهم في الخارج"، منعاً لأي تكرار للحادثة التي سيكون لها وقع غير هيِّن لا محالة.
عقد خارج القانون وبمقابل
في السياق ذاته، يعتبر المحامي والقيادي في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، عبد الغني بادي، أنه "ليس من حق المسجون أن يُصدر أي عقد من دون إذن من القضاء بعد تحديد تفاصيل العقد وأطرافه وحتى الضرورة منه"، موضحاً أن ما حدث مخالف للقانون ومُضر بالدولة، والأمر خطير جداً، لأنه "عقد من أجل إفراج خارج القانون وبمقابل"، وأنه ضرب للقضاء والدولة، وواصل أنه إذا ثبت هذا الكلام، فالأمر سيأخذ بُعداً قانونياً يتعلق باستقرار شؤون الدولة، وضرب مؤسساتها والتواطؤ ضدها، رافضاً الرد على سؤال حول الوسيط في نقل طلب رجل الأعمال علي حداد من سجنه في الجزائر العاصمة، إلى من وقَّع العقد في باريس العاصمة الفرنسية، وقال: "ليس لديَّ جواب".
فتح تحقيق
وعلى إثر ما تداولته صحف وطنية من معلومات حول موضوع عقد أبرمه ممثلون عن المتهم حداد علي، أعلنت النيابة العامة لدى مجلس قضاء الجزائر في بيان لها الاثنين 3 أغسطس (آب)، فتح تحقيق مبدأي.
وجاء في البيان أنه "عملاً بمقتضيات المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، فإن النيابة العامة لدى مجلس قضاء الجزائر تعلم الرأي العام بفتح تحقيق حول الموضوع بغرض الوقوف على الظروف التي تمت فيها هذه الصفقة وتحديد الهدف الحقيقي منها".