استطاعت المرأة السعودية أن تخطو خطوات تاريخية مشرّفة متناسبة مع ثقافة المجتمع ومتغيرات العصر ومخرجاته ومراحله المختلفة. فقد أولت القيادة في البلاد، الرعاية لكل ما من شأنه دفع عجلة التنمية الوطنية على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، بدءًا من منحها حق التعليم وصولاً إلى تقليدها المناصب العليا، ومنح الثقة الملكية أثبت أنها على قدر المسؤولية، تسهم في تفعيل دورها بصفتها مواطنة شريكة في بناء الوطن وأجهزته، على الرغم من التحديات والمعيقات.
فبعد أن تبوأت المرأة السعودية للمرة الأولى منصب "سفير" عام 2019 بتعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة لدى الولايات المتحدة الأميركية، تبعه تعيين الدكتورة آمال المعلمي سفيرة لدى النرويج، وأخيراً تعيين ثلاث سيدات في منصب "ملحق ثقافي" في ثلاث دول ضمن سياسة تمكين المرأة التى انتهجتها المملكة في رؤيتها 2030. وهي المرة الأولى التي تضطلع فيها المرأة السعودية بمسؤولية العمل كملحق ثقافي في الخارج.
الشورى والمرأة
على الرغم من أن السعوديات أثبتن قدرتهن وكفاءتهن في مناصب قيادية عدّة، إلّا أنّ مجلس الشورى رفض عدداً من التوصيات، منها تعيينها كسفيرة قبل خمس سنوات، إذ رُفضت التوصية من 87 عضواً، وأُيدت من 34 آخرين، ولكن القرارات الحكومية انتصرت للمرأة بتعيينها في مناصب عدّة داخل المملكة وخارجها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت مقدمة التوصية بتعيين المرأة سفيرة (التي رفضها مجلس الشورى) لبنى الأنصاري "لا شك أن مسيرة الإصلاح التي انتهجتها السلطات، جعلتنا نشهد مشاركة فاعلة للمرأة في مجالات عدّة، والآن مع مسيرة التطوير والتغيير نطمح إلى أن تكون هناك نقلة نوعية في هذه المشاركة".
وتابعت "المرأة السعودية قوية ومؤهلة، ومن الممكن أن تسهم وتدلي بدلوها في المجال الدبلوماسي، لتثبت أنها ليست فقط قادرة على تحمّل هذه المسؤولية، بل الإضفاء عليها والإبداع فيها وتطويرها".
من جانبها، أوضحت عضو الشورى السابق حمدة العنزي أن تعيين المرأة كسفيرة ما هو إلّا ارتقاء حقيقي للمرأة السعودية للحصول على حقوق المواطنة الكاملة، التي كفلتها لها الشريعة، وكفلتها لها الحكومة السعودية بخاصة في ظلّ اتهامات دولية توجّه إليها في ما يتعلّق بملف المرأة، وقد يكون في إقرارها ما يسهم في التخفيف من هذه الاتهامات، ومنح المرأة جزءًا من حقوقها المستحقة.
وشدّدت الدكتورة العنزي على أن المرأة السعودية هي حفيدة المرأة العربية القديمة، التي نجدها في استقراء سريع لحروب القبائل العربية القديمة حاضرة وبقوة، كحامل للرسائل في تأكيد على ثقة العرب بقدرة المرأة على نقل الرسائل بشكل مسالم بعيداً من الغضب، وهذا أساس من أساسيات العمل الدبلوماسي الذي نثق بقدرة النساء عليه تماماً كما وثق بها أجدادها.
عام كامل
مع تعيين السعوديات في مناصب دبلوماسية، تتجه الأنظار إلى إمكانية دعم المرأة خارجياً، لا سيما في ما يتعلّق بالابتعاث، الذي يشترط وجود "ولي الأمر" ممّا يمثل حاجزاً لاستكمال الكثيرات تعليمهن في الخارج. وبعدما عُدّل نظام وثائق السفر السعودي الذي ألغى شرط سماح ولي الأمر بسفر المرأة، ومساواتها بالرجل في كل نصوص هذا النظام، إلّا أن "المحرم" في الابتعاث لا يزال تحت رحمة استعطاف الملحقيات (بسبب وجود ظروف تمنع سفر المحرم معها) للسماح لها بالسفر لوحدها.
وقدمت عضو مجلس الشورى إقبال درندري في الجلسة الأخيرة لمجلس الشورى توصية بعدم اشتراط المحرم في الابتعاث وجعله اختياراً، وحفظ حقوق النساء في محل الإقامة والاستقلال بالسكن.
وأشارت إلى أنّ عدداً كبيراً من الفتيات يُحرمن من الابتعاث، ويفقدن فرصهنّ في إكمال الدراسة في جامعات قوية في دول الابتعاث بسبب اشتراط وجود محرم؛ وذلك لعدم إمكانية مرافقته، أو عدم موافقته.
إلغاء شرط "المحرم"
في السياق، قال الملحق الثقافي السعودي لدى الولايات المتحدة محمد العيسى لـ"اندبندنت عربية" "في حال إلغاء اشتراط مرافقة محرم للمبتعثة السعودية، ورغبت المبتعثة في مرافقة زوجها لها، لن تمانع الملحقية من ضمه إلى البعثة حاله كحال زوجة المبتعث"، مشيراً إلى أن الرؤية لم تتّضح بعد، وهل سيصدر قرار في هذا الشأن في التقديم على الدفعة الجديدة من برنامج الابتعاث.
وتوقّع أن اشتراط المحرم للمبتعثة كان عنصراً إلزامياً لإتمام إجراءات سفرها، وكانت الملحقية تراعي ظروف بعضهن، وتستثنى من هذا الشرط، مضيفاً "بعد القرار في حال إلغاء المحرم، قد لا يلحق الأخ في البعثة كالزوج للمبتعثة" ولافتاً إلى أن القرار قد يحلّ عدداً من الإشكالات التي أفقدت الفتيات الفرصة في إكمال دراستهن وتقليل تكاليف الابتعاث.
وأوضح العيسى أن عدد المبتعثات في أميركا بلغ 9586 من العدد الكلي لجميع المبتعثين الذي يبلغ 33211، وعدد المرافقين والمرافقات 23940، مضيفاً أن عدد طالبات الطب 125، وعدد طالبات دكتوراه الصيدلة 14، إضافةً إلى وجود عدد من الطالبات في أقوى الجامعات الأميركية يقدمن مستويات تشرّف البلد في الخارج.
المعينات كملحق ثقافي
في سياق متصل، قالت أمل فطاني، المحلق الثقافي في المملكة المتحدة "هذا التكليف يعني لي الكثير، ويدلّ على أن المرأة السعودية أصبحت على مرّ السنين تثبت نفسها على الأصعدة والمجالات كافة في المواقع التي تتقلدها، حتى باتت عنصراً مهماً في تطوير التنمية والمساهمة في دفع عجلتها داخل البلاد، وتمثيل الوطن بالشكل اللائق خارجه".
لم تكن فطاني بعيدة من التمثيل الثقافي للسعودية في الخارج، حيث إن والدها جميل ياسين فطاني عمل مسؤولاً للشؤون التعليمية في الملحقية الثقافية في الولايات المتحدة الأميركية قبل 55 عاماً، ما دفعها وجعلها تحلم في أن تخدم الوطن والمواطن خارج البلاد.
من جانبها، أكدت فهدة آل الشيخ الملحق الثقافي السعودي في أيرلندا، أن هذه الثقة تعزّز من مكانة المرأة السعودية، ودورها المحوري في تنمية الوطن وتحقيق رؤيته الطموحة، وتثبت إيمان القيادة بأهمية مشاركتها في المواقع القيادية وتمثيل المملكة على الصعيد الدولي والمساهمة في بناء علاقاتها التعليمية والثقافية.
وأشارت إلى أنها المرة الأولى التي تضطلع فيها المرأة بمسؤولية العمل كملحق ثقافي، وهي خطوة مهمة في تمكين المرأة التي حظيت بدعم كبير للعمل في مناصب متعددة، موضحةً أن الجانبَيْن التعليمي والثقافي يحظيان بأهمية كبيرة في دعم هذه العلاقة بين الدول، بما يحقّق الرؤية في ترسيخها والعمل على تطويرها.
وشرحت آل الشيخ أن دور الملحقية هو مدّ جسور التعاون المشترك مع الجانب الأيرلندي في المجالات العلمية والبحثية وتبادل الخبرات وتعزيز المشتركات الثقافية والحضارية بين الدولتين الصديقتين، إلى جانب الإشراف على الطلبة المبتعثين.
في السياق ذاته، نوهت يسرى الجزائري الملحق الثقافي السعودي في المغرب بالدعم الذي تحظى به المرأة السعودية وتمكينها في المواقع القيادية والمشاركة في تنمية الوطن وفقاً لرؤية 2030.
وقالت "إن هذا التكليف يعكس مستوى الثقة الذي وصلت إليه المرأة السعودية وهو ترجمة لتطلعات القيادة وتعزيز للنجاحات التي تحقّقت للمرأة السعودية على أكثر من صعيد لخدمة الوطن.