هاجر آباؤهم وأجدادهم من قرى مغربية نائية إلى أوروبا من أجل العمل، بينما اختاروا هم ترك دولهم الأوروبية للانضمام إلى الجماعات المتشددة، بحثاً عمّا يعتقدون أنّه هويتهم. فما الأسباب التي تدفع شاباً من أصول مغربية وُلد في بلد أوروبيّ إلى تبنّي خطاب متطرفٍ يرفض الآخر ويُحرّض على قتله؟
فشل سياسات الإدماج
يعزو يوسف المساتي، الباحث المغربي في التراث الإسلامي انضمام أبناء المهاجرين المغاربة إلى الجماعات المتشددة، إلى "فشل سياسات الإدماج لدى عدد من الدول الأوروبية. وعلى الرغم ممّا قطعته من أشواط، إلا أنّها لم تنجح في استيعاب أبناء المهاجرين كافة، ولا تزال النظرة الاستعمارية أو الدونية تجاه الآخرين تحكم علاقتها بهم".
في عام 1950، هاجر العمال المغاربة إلى أوروبا لإعادة الإعمار، وكان جلهم لا يُتقن القراءة والكتابة أو لغة البلد المضيف. وبمجرد وصولهم إلى أوروبا، استقروا في الضواحي والأحياء الهامشية.
ويُضيف المساتي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أنّ "الأوضاع الاقتصادية المضطربة، أدت إلى صعود اليمين المتشدّد من جديد والحامل قيماً عنصرية، ما أسهم في اتساع الهوة بين أبناء المهاجرين والفئات الأخرى".
ويشار إلى أنّ المعهد الملكي الإسباني للدراسات الدولية والإستراتيجية، نشر تقريراً بمناسبة الذكرى السنوية للاعتداء الإرهابي الذي هزّ العاصمة مدريد، كشف فيه أنّ المغاربة يحتلون المرتبة الأولى في اللائحة السوداء للإرهابيين الذين اعتقلوا أو قتلوا في إسبانيا بين يناير (كانون الثاني) 2013 وسبتمبر (أيلول) 2017، مشيراً إلى أنّهم يميلون إلى تنفيذ اعتداءات إرهابية في إسبانيا.
نموذج الإسلام المقدم في الغرب
يُضيف الباحث المغربي، "يطرح الأمر سؤالاً حول نموذج الإسلام المقدم في الغرب، عندما نتأمل الوضع نجد أننا أمام إسلامات في الواقع، أو للتدقيق نقول إننا أمام تمثلات عديدة عن الإسلام. فهناك الإسلام الشيعي مثلاً، وهناك السني بما فيه الصوفي والوهابي وغيرهما، وبالتالي نجد نوعاً من التشظي".
ويُتابع "كانت هناك اجتهادات دينية حاولت خلق تمثّلات دينية مرنة تُساعد على الاندماج، لكن الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفشل سياسة الهجرة سهّلت على الحركات المتطرّفة نشر خطابها، لأنها تتغذّى من كل هذه العوامل، إضافة إلى الفشل الذاتي للأفراد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح "ابن مهاجر من الجيل الثالث، فشل دراسياً ولم ينجح في الانتماء إلى المجتمع، وأصبح يعيش عالة على المجتمع من دون إنتاج حقيقي. فجأة، يتربص به المتطرفون، يصنعون له معنى ووجوداً ورسالة، ويتضخم دوره ليُصبح جزء أساسياً في صناعة الحلم بالمشروع الجماعي. لنتخيل تضافر العوامل الذاتية بالاقتصادية والاجتماعية عند المتطرّف الضحية، لهذا يجب الانتباه لهذا الأمر والتفكير في كيفية صناعة حلم بمشروع نقيض للمشاريع المتطرّفة".
لكن ما الذي يجعل أبناء المهاجرين المغاربة بصفة خاصة فرائس سهلة للمتشددين؟ يُجيب المساتي "أعتقد أنّ الأمر مُرتبط بطبيعة الإنسان المغربي، فهو من ناحية لديه خصوصية ثقافية مميزة، وهي قدرته على التأقلم مع جميع الثقافات، لكن عندما يتم إقصاؤه يتجه إلى النقيض، لهذا يجب التنبه لهذا الأمر من قبل المؤسسات الدينية الرسمية والدول الحاضنة أيضاً وبلورة إستراتيجية دينية تبتعد عن الخطاب التقليدي، بعدما أكد عدم فاعليته، بل كانت نتائجه كارثية، ويجب تطوير نموذج خطاب ديني يصبح حافزاً للاندماج والإنتاج".
وتجدر الإشارة إلى أنّ المغرب يُسهم في تكوين الأئمة الفرنسيين، بهدف تعزيز التعاون الديني بين البلدين، ومُحاربةِ الأفكار المتشدّدة للمتطرّفين الإسلاميّين.
الشعور بالرفض
ويرى حكيم الهشومي، الكاتب والمخرج المغربي المقيم في ألمانيا، أنّ "ابن المهاجر يشعر بأنّه أجنبي، على الرغم من أنّه مولود في ألمانيا. فهو يحسّ بأنّ المجتمع ينظر إليه على أنّه لا ينتمي إلى هذا البلد، كما أن الإعلام الغربي يُعزّز لديه هذا الإحساس ويُشعره بأنه قادم من ثقافة عنيفة، ما يُكرّس لديه الشعور بأنه مرفوض".
وأشرف الهشومي على تأطير ورش مسرحية تهتم بأبناء المهاجرين العرب في برلين، بهدف التواصل معهم ومُساعدتهم على التعبير عن ذواتهم وما يشعرون به بواسطة المسرح.
ويقول لـ"اندبندنت عربية"، إن "معظم أبناء المهاجرين لا يشعرون بالانتماء إلى البلد المضيف، وشعورهم بالرفض يدفعهم إلى اللجوء إلى الإسلام، لكنهم لا يُتقنون اللغة العربية وليست لديهم خلفية أو معلومات عن الإسلام، ما يجعلهم فرائس سهلة للمتشدّدين الذين يمنحونهم الشعور بالانتماء".