فتح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وطلب من وزير التجارة كمال رزيق "الشروع في تقويم الاتفاقيات التجارية متعدّدة الطرف، لا سيما اتفاق الشراكة مع الاتحاد الذي يجب أن يكون محل عناية خاصة تسمح بترقية مصالحنا من أجل علاقات متوازنة".
يستبق طلب تبون دخول الجزائر في منطقة تبادل تجاري حرّ مع الاتحاد، في الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل. وقد أعلن وزير التجارة قبل أشهر أنه سيعود إلى الحكومة "للفصل إذا ما كنا سنجري عملية التفكيك الجمركي المتبقية مع الاتحاد الأوروبي أو لا"، إذ ينصّ اتفاق الشراكة على أن يفتح الطرفان أسواقهما بشكل متبادل، بعد منح الجزائر فترة انتقالية امتدت 15 سنة، من أجل إلغاء تدريجي لتعريفاتها الجمركية على البضائع الصناعية.
ولاقت تصريحات تبون ترحيباً من أطراف عدّة. فقد أشادت جمعية المصدّرين الجزائريين بقرارات الرئيس، منتقدةً اهتمام الطرف الأوروبي بالشقّ التجاري والاكتفاء طيلة السنوات الماضية بتسويق سلعه إلى الجزائر بشكل غير متوازن، من دون منح تسهيلات لدخول السلع الجزائرية إلى السوق الأوروبية، أمام تجاهل الجانب الصناعي الذي يحث على ضرورة استثمار الأوروبيين في الجزائر وحرية التنقل. ودعا رئيس الجمعية علي باي ناصري الجزائر كي تكون قوية في موقفها، إلى التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بمنطق متعالٍ.
"رابح- رابح"
في السياق ذاته، رأى أستاذ الاقتصاد والباحث في الحوكمة الاقتصادية عبد القادر بريش، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لم يكن على أساس قاعدة رابح- رابح، بل كان بعنوان رابح- خاسر. والخاسر هو الطرف الجزائري نظراً إلى ما تكبّدته الخزينة العمومية من خسائر جراء التفكيك الجمركي". وأعرب عن اعتقاده بأنّ "الاتفاق لم يسمح للسلع والمنتجات الجزائرية النفاذ إلى الأسواق الأوروبية، نظراً إلى الشروط التي تفرضها من حيث الجودة والسلامة الصحية والبيئية. كذلك، لم يطبق في جوانبه كلها، خصوصاً مسألة تأهيل الاقتصاد الجزائري والاستثمار، بل اعتبر الجزائر سوقاً لتصريف البضائع الأوروبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت بريش، إلى أنه بناء على ما سبق، أمر الرئيس تبون بتقويم اتفاق الشراكة وتحديد الاختلالات، "وهذا ممكن ومتاح في ظل الإرادة السياسية التي يعبّر عنها رئيس الجمهورية، ممثلةً في الدفاع عن مصالح الجزائر وتنويع الشركاء وعدم الارتهان لأي جهة كانت، وإقامة علاقات اقتصادية مبنية على الشراكة والمصالح المتبادلة".
ولاحظ أن "توافر الإرادة السياسية الصادقة والدفاع عن مصالح الدولة لدى المفاوض الجزائري، سيحقّقان نتائج باهرة"، مستبعداً رفض الاتحاد الأوروبي مراجعة الاتفاق، "فهذه المسائل تخضع للتفاوض، وكل طرف يوظّف نقاط القوة التي يمتلكها، ولدى الجزائر أوراق عدّة يمكن توظيفها، مثل الطاقة والموارد الاقتصادية والسوق الواسعة والموقع الجغرافي، إضافةً إلى عوامل جيوسياسية تتداخل مع المحددات الاقتصادية".
توجه جزائري جديد
ويكشف طلب تبون مراجعة اتفاق الشراكة الموقع في 2005، عن تغيير في توجّهات الجزائر، في وقت انتعشت خطوط الجزائر روسيا، والجزائر الصين، والجزائر تركيا، والجزائر الخليج، على حساب فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها، ما يؤكد أن البلاد لم تعد تهتم كثيراً بالشريك الأوروبي. وهو الوضع الذي من شأنه منحها امتيازات جديدة يمكن تحقيقها خلال جلسات التفاوض مع الطرف الأوروبي، من أجل علاقات نزيهة تضمن المصالح المتبادلة.
خطوة تبون في الاتجاه الصحيح
وقال المحلّل الاقتصادي مراد ملاح، أن "الاتفاقيات التجارية للجزائر تُعتبر من بين الأضعف في المنطقة، مقارنةً بالجيران، فالتقوقع الذي ميّز الجزائر لعقود حوّلها إلى بلد مغلق لا تخرج بضائعه إلّا تهريباً، وهي في مجملها سلع مدعمة تكلّف الحكومة ربع موازنتها السنوية"، مضيفاً أن لا أثر اقتصادياً لاتفاقية الشراكة مع طرف مهم جداً، هو الاتحاد الأوروبي، يمثل أكثر من 65 في المئة من التعاملات التجارية الجزائرية الخارجية، لذلك فإنّ خطوة مراجعتها مهمة جداً".
وسأل ملاح، "ما هي حقيقة الموقف التفاوضي للجزائر؟ وهل تمتلك الجزائر نقاط قوة واستراتيجية ورؤية تؤهلها للظفر باتفاقية متكافئة تعطي إضافة إلى الاقتصاد؟".
وتابع "بعد 15 سنة من سريان الاتفاق ومع التغير الحاصل في هيكل الاتحاد الأوروبي، أضحى لزاماً تقويم التجربة". لذلك "أعتبر أن قرار الرئيس تبون في الاتجاه الصحيح، على أمل أن تثرى هذه الاتفاقيات ويُستفاد من تجارب الدول الأخرى". وأوضح أن مراجعة الاتفاق ربما أملته توجهات الرئيس التي تحتاج إلى شريك دولي قوي بحجم المجموعة الأوروبية، فإذا كان الرئيس اليوم قد توجّه إلى تفعيل استغلال الثروات المنجمية وتطوير الفلاحة الصحراوية والاهتمام بالشركات الناشئة ورقمنة الخدمات الحكومية، فهذا يعني ضرورة البحث عن أسواق تستوعب المنتجات الجزائرية من جهة، وجلب استثمارات أجنبية وخبرات دولية لتطوير القطاعات السالفة الذكر من جهة أخرى. ودعا ملاح إلى تجاوز الطابع البيروقراطي وضعف البنية التشريعية والمالية والنقدية، "إذا ما أردنا فعلاً أن يتم التعامل معنا كشريك محترم وليس كمشترٍ يدفع بسخاء".