كثَّفت المُعارضة في بيلاروسيا ضغوطَهَا على الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بتنظيمها تظاهرة جديدة في مينسك، السبت 15 أغسطس (آب)، فيما ناشد الرجل القوي روسيا مُساعَدَتَه.
واحتشد قرابة خمسة آلاف من أنصار المعارضة قُرب محطة مترو بوشكينسكايا في العاصمة، تكريماً لمُتظاهر قضى هناك هذا الأسبوع خلال قمع الشرطة المتظاهرين الرافضين لنتائج الانتخابات التي جرت الأحد الماضي، وأعلن لوكاشينكو فوزه فيها.
تدخُّل خارجي
مع استعادة المعارضة الزخم بعد أيام من الاحتجاجات، دعت سفتلانا تيخانوفسكايا، مُنافِسة لوكاشينكو، التي لجأت إلى ليتوانيا مطلع الأسبوع، إلى تظاهرات "حاشدة" خلال عطلة نهاية الأسبوع .
ووضع المتظاهرون الزهور في الموقع الذي قضى فيه المُحتج ألكسندر ترايكوفسكي (34 عاماً)، الاثنين، وسط هتافات "ارحل"، فيما رفع البعض صوراً لمُحتجِّين ظهرت عليهم آثار كدمات قوية بعد انتشار روايات عن تعرُّضهم للضرب والتعذيب خلال توقيفهم.
وأمام أكبر تحدٍّ لحُكمه المستمر منذ عام 1994، وجَّه لوكاشينكو نداءً علنيّاً غير اعتيادي للتحدُّث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال لمسؤولين حكوميين في اجتماع مُتلفز "العدوان على بيلاروسيا يتوسَّع. علينا الاتصال ببوتين، الرئيس الروسي، كي أتمكن من التحدُّث إليه الآن؛ لأن الأمر لا يشكِّل تهديداً لبيلاروسيا فحسب".
أضاف أن بلاده تُواجه "تدخُّلاً خارجيّاً"، وأن "حالة اتحاد" تربط اقتصادَي وجيشَي البلدين تحتاج لـ"حماية".
وأكد الكرملين أن الرئيسين تحادثا هاتفيّاً، واتفقا في المكالمة الهاتفية على "حلٍّ سريعٍ للمشكلات في بيلاروسيا".
"مسيرة من أجل الحرية"
قال أحد المتظاهرين (27 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية في مينسك، "إذا تدخَّلت روسيا في القضية، فهذا يعني أن الرئيس لم يعُد قادراً على مواجهة الشعب بمفرده. هو يطلب المساعدة من الشرق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن لوكاشينكو رفضه "أيَّ وساطة أجنبية" في إشارة إلى خطة وساطة عرضتها بولندا وليتوانيا ولاتفيا، الدول المجاورة لبيلاروسيا والأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وكانت الولايات المتحدة وبولندا قد دعتا، السبت، مينسك إلى فتح حوار مع المجتمع المدني. وفي تجمُّع مُنفصل، السبت، انضم مئات الأشخاص إلى عائلة ترايكوفسكي للمشاركة في جنازته.
وتعتزم المُعارضة إثبات قوَّتها، الأحد، من خلال "مسيرة من أجل الحرية" تُنظَّم في وسط مينسك.
وكانت تيخانوفسكايا (37 عاماً)، التي حصلت على عشرة في المئة من الأصوات بحسب النتائج الرسمية، قد ندَّدت بعمليات تزوير واسعة النطاق، وطلبت من لوكاشينكو "التخلِّي" عن السُّلطة.
وأعلن لوكاشينكو (65 عاماً) الذي يحكم البلاد بيدٍ من حديدٍ، فوزه في الانتخابات بـ80 في المئة من الأصوات.
تهديدات تتلقَّاها مُنافِسة لوكاشينكو
تيخانوفسكايا حديثة العهد في عالم السياسة، ويقول أنصارها إنها غادرت بيلاروسيا بعد تلقِّيها تهديدات من جانب النظام. وزوجها الذي حلَّت محله في السباق الرئاسي، مسجون منذ مايو (أيار).
وتُطالب تيخانوفسكايا أيضاً بمُحاسبة السُّلطات على خلفية قمع الشرطة المتظاهرين بعد الانتخابات واعتقالها أكثر من 6700 شخص. واستخدمت السلطات الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية، وفي حالة واحدة على الأقل، الذخيرة الحية لتفريق الحشود، ما أدَّى إلى جرح المئات.
وأكد المسؤولون وفاة شخصين في الاضطرابات، أحدهما ترايكوفسكي الذي يقولون إنه قضى في انفجار عبوة بين يديه خلال تظاهرة، ورجل آخر تُوفّي أثناء اعتقاله في مدينة غوميل (جنوب شرق).
وبدأت السلطات، الجمعة، إطلاق سراح مئات المعتقلين الذين خرج عدد كبير منهم من مراكز الاعتقال مع روايات مروعة عن تعرضهم للضرب والتعذيب.
ودانت منظمة العفو الدولية "حملة واسعة من التعذيب وسوء معاملة من قبل السلطات البيلاروسية العازمة على سحق تظاهرات سلمية بأي وسيلة".
وفي بعض أكبر التظاهرات التي جرت، سار الآلاف في مينسك، الجمعة، للتنديد بعنف الشرطة، وطالبوا لوكاشينكو بالتنحِّي.
عقوبات ضد المسؤولين عن أعمال العنف
في مشاهد مؤثرة من ساحة الاستقلال في مينسك، عانق المتظاهرون وقبَّلوا جنود وزارة الداخلية الشبان الذين كانوا يحرسون مبنى حكوميّاً، ووضعوا أزهاراً في دروعهم.
وبعكس مشاهد عمليات الاعتقال العنيفة قبل يوم، لم تتدخَّل الشرطة لفضِّ التجمُّعات. وللمرَّة الأولى أضرب عدد كبير من عمال مصانع السيارات وشاركوا في تظاهرة باتِّجاه الساحة المركزية، وهتفوا "تعيش بيلاروسيا"، وطالبوا لوكاشينكو بـ"الرحيل".
ورقص المتظاهرون وغنوا ولوحوَّا بهواتفهم المُضاءة قبل أن يتفرقوا تدريجيّاً خلال المساء من دون أن تقوم الشرطة بأي اعتقالات.
والجمعة، اتَّفق وزراء الاتحاد الأوروبي على تحديد سلسلة أهداف في بيلاروسيا لفرض عقوبات جديدة عليها ردّاً على حملة القمع التي شنَّتها السلطات بعد الانتخابات.
وكتبت وزيرة الخارجية السويدية آن ليند على "تويتر"، أن "الاتحاد الأوروبي سيبدأ الآن عملية فرض عقوبات ضد المسؤولين عن أعمال العنف والاعتقالات والتزوير في ما يتعلق بالانتخابات".
دعوات لانتخابات جديدة
دان قادة دول البلطيق الثلاث، إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، السبت، حملة القمع، ودعوا إلى انتخابات جديدة. وحضَّ رؤساء وزراء تلك الدول مينسك على "إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة بطريقة شفَّافة".
وندَّد لوكاشينكو بالمتظاهرين، ووصفهم بـ"الأغنام"، وبأنهم خاضعون لسيطرة أجنبية، وبأنهم أيضاً "أشخاص ذوو ماضٍ إجرامي، والآن عاطلون عن العمل"، مكرراً الاتهامات لحكومات غربية بالتخطيط لإطاحته.
وأعلنت تيخانوفسكايا، الجمعة، إقامة "مجلس تنسيق" لضمان انتقال السلطة، وطلبت من حكومات أجنبية "مُساعدتنا في تنظيم حوار مع السلطات البيلاروسية". وطالبت السلطات بإطلاق سراح جميع الموقوفين وسحب القوات الأمنية من الشارع وفتح دعاوى جنائية بحق الذين أصدروا أوامر بشنِّ حملة القمع.