استدعي الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز من قِبل شرطة أمن الدولة قبل يوم واحد من مؤتمر صحافي كان ينوي عقده، رداً على مصادرة أموال تابعة لخيرية الرحمة المملوكة لابنه بدر، وتجميد نشاطات الحزب الوحدوي الاشتراكي الذي انضم إليه مقربون منه، إضافة إلى استجواب شرطة الجرائم الاقتصادية لوزراء في نظامه وشخصيات من محيطه الأسري، بينهم ابنته أسماء وزوجها محمد ولد مصبوع.
وإذا كان تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، وما كشف عنه من نهب للثروة والعقارات، يمثل السبب المباشر لاعتقال الرئيس السابق، فإن محاولته أن يظل مرجعية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، ومحاولته إيجاد حزب بديل عنه لممارسة السياسة ولمّ شمل ما تبقى لديه من مناصرين، والقيام بحملات دعائية قوية لتبرئة عشريته، أمور اعتبرها بعض المحللين سبباً غير مباشر لاعتقاله لأنه "بات يمثل تهديداً للاستقرار السياسي ومحاولة جادة لإرباك النظام الجديد وخلق بلبلة داخل الرأي العام، بخاصة بعد أن زار مقر حزب الرباط الوطني من أجل الحقوق وبناء الأجيال مع محاولة الاحتواء على الحزب الوحدوي الاشتراكي".
وبعد اعتقال موثق العقود محمد محمود ولد أحمد معلوم، الذي كشف الاستجواب معه، بحسب ما أوردته بعض الصحف، عن وثائق وعقود مجحفة بحق الأموال والممتلكات العامة، بخاصة أيضاً بعد اعتقال محاسب خيرية الرحمة، المشري صالح، الذي كشف عن مخازن مليئة بالسيارات والشاحنات والجرارات والآليات الكبيرة.
وكان محامو الرئيس السابق أعلنوا، في مؤتمر صحافي عقدوه مساء أمس، أن موكلهم طلب حضور أحد المحامين، إلا أن الشرطة رفضت تلبية الطلب.
فيما أكدت بعض الأخبار أن الرئيس السابق رفض الرد على أسئلة المحققين متذرعاً بأن محكمة العدل السامية هي وحدها المخولة لمساءلته باعتباره رئيس دولة سابق، وإن ذكرت بعض الصحف المحلية أنه تعاطى مع المحققين، على مدى ست ساعات، حول ملفات الفساد وقضايا أخرى ربما تكون أمنية وسياسية، قبل نقله إلى جهة مجهولة داخل العاصمة ليخضع إلى حبس تحفظي في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث خلال الساعات المقبلة.
يذكر أن أنصار الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، توجهوا، فور اعتقاله، إلى مباني إدارة الأمن حيث طردتهم الشرطة، ومن ثم تجمهروا أمام منزله بحي تفرغ زينه حتى ساعة متأخرة.
ويرابط في منزل الرئيس السابق، منذ الإعلان عن اعتقاله، وزير خارجيته ومدير ديوانه السابق إسلكُ ولد إزيد بيه ووزير الوظيفة العمومية السابق سيّدنا علي ولد محمد خونا وشخصيات من محيطه الأسري.
وأوردت صحيفة العلم، نقلاً عن مصادر خاصة، أن شرطة الجرائم الاقتصادية أرسلت لائحة لجميع البنوك المحلية تتضمن أسماء أشخاص كانوا يبيضون الأموال لصالح الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ولصالح أفراد من محيطه العائلي.
وطلبت الدولة الموريتانية من بنك إسباني، في منطقة كناري، تجميد مبلغ 22 مليون يورو مرتبطة بحسابات مشبوهة ذات علاقة بولد عبد العزيز في انتظار انتهاء التحقيق.
وفي آخر المستجدات أفادت وكالة «صحراء ميديا»، بأن النيابة العامة قررت إجراء مواجهة مباشرة بين الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وجميع الوزراء والمسؤولين الذين قالوا إنهم كانوا يتصرفون، بشأن الصفقات المشبوهة، بناء على تعليمات مباشرة منه، وفق ما جاء في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية.
وسبق أن رفض الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الاستجابة لاستدعاء وجهته له لجنة التحقيق البرلمانية لسماع شهادته.
وقالت اللجنة في رسالة استدعاء ولد عبد العزيز، "خلال جلسات الاستماع التي عقدتها اللجنة أنه تم ذكر بعض الوزراء بالاسم بصفة مباشرة في وقائع وأفعال يحتمل أن تشكل مساساً خطيراً بالدستور وبقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية".
ردود الفعل
في المقابل، أصدر وزير الخارجية السابق إسلك ولد إيزيد بيه، المقرب من ولد عبد العزيز، بياناً وصف فيه اعتقال الرئيس السابق بأنه "اختطاف صريح من طرف البوليس السياسي"، وأنه "سابقة خطيرة هي الأولى من نوعها في بلادنا وفي شبه المنطقة"، داعياً إلى "ضرورة الإفراج الفوري عنه".
فريق الدفاع عن الرئيس السابق، برئاسة المحامي الشهير محمدن ولد إشدو، عقد مؤتمراً صحافياً أعلن فيه، أن ولد عبد العزيز يوجد في حالة احتجاز خارج نطاق القانون، وأن "لفيف محاميه ممنوعون من لقائه وهو ما يخالف مقتضيات المواد القانونية".
وطلب الفريق من الجهاز القضائي أن "يحترم الإجراءات والمساطر"، مؤكداً تمسكه المطلق بحقه في أن يحضر "استجواب موكله والتحقيق معه". ونفى المحامون عثور المحققين في المخازن التي احتجزوها خلال الأيام الأخيرة، على "أي ممتلكات مسجلة باسم الرئيس السابق".
ودعا مقربون من ولد عبد العزيز، بينهم وزراء سابقون وشخصيات من قيادة حزب الوحدوي الاشتراكي، إلى "الإطلاق الفوري لسراح الرئيس السابق والاعتذار له ووقف حملات التشهير التي يتعرض لها هو ومحيطه الأسري".
ودان هؤلاء "ما يتعرض له الرئيس ومحيطه الأسري من مضايقات واستفزازات واتهامات جزافية تستهدف النيل من شرفه وتحييده سياسياً".
وفي بيان لها، بعيد اعتقال الرئيس السابق، أوردت رابطة العمد الموريتانيين، أن "الأموال الطائلة التي نهبت وهدرت خلال العشرية الأخيرة، بحسب تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، كانت كافية لتحقيق التنمية المحلية والتغلب على كل مشكلات مواطني البلديات من فقر وصحة وتعليم وماء شروب وهشاشة".
وعبرت الرابطة عن ارتياحها "لاضطلاع المؤسسة التشريعية بالدور المنوط بها على أحسن وجه من خلال لجنة التحقيق البرلمانية"، و"لقيام المؤسسة القضائية بعملها بكل استقلالية وبكل حرية، وفق المساطر القانونية المعمول بها تكريساً لدولة القانون والمؤسسات".
وفي إشارة إلى محاولة الرئيس السابق ممارسة السياسة دون نظر إلى ما يحوم حوله من تهم وشبهات، شجبت الرابطة "تصرفات أولئك الذين يتجاهلون عن قصد واقع الفساد المؤلم، الذي كشفت عنه لجنة التحقيق البرلمانية ويتابعه القضاء، في محاولة للفت أنظار الشعب الموريتاني البريء، من خلال امتطاء مختلف الأمواج لتصدّر المشهد السياسي الوطني".
من جانبها، طالبت حركات شبابية موريتانية السلطات "بإقالة كافة المشمولين في التحقيقات فوراً، من كل المستويات الإدارية والتسييرية"، كما دعت إلى "فتح التحقيقات في باقي ملفات الفساد التي لم يشملها تحقيق اللجنة البرلمانية، وعلى رأسها ملفات التسيير التي نشرتها محكمة الحسابات أخيراً".
ووُقع البيان من طرف "حراك آفاق موريتانيا السياسي"، و"حراك مُحال تغيير الدستور"، و"حركة الطليعة التقدمية"، و"حركة نرفض"، و"حركة كفانا"، و"حركة نستطيع"، و"كتلة التغيير الجاد"، و"حركة إلى الأمام موريتانيا". ودعت مبادرة الأئمة والعلماء والمجتمع المدني إلى "الإصلاح والتغيير بقوة وفي غير عنف".
رؤساء موريتانيون عرفوا السجون
ورد في تقرير خاص بـ"ريم آفريك" أن السجن كان محطة ثابتة من مسيرة رؤساء موريتانيا السابقين مع استثناءات قليلة.
وتراوحت فترات الاعتقال بالنسبة لهم بين أربع سنوات كما هو حال الرئيس محمد خونا ولد هيدالة، وعدة أشهر كما هو حال الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله.
ففي عام 1978 خضع الرئيس الموريتاني المؤسس، المختار ولد داداه، لسجن استمر لأكثر من سنة ونصف السنة في قلعة ولاتة التاريخية بأقصى الشرق الموريتاني.
وبالنسبة إلى لمقدم المصطفى ولد محمد السالك، أول رئيس في العهد العسكري، فقد قرر رفاقه إبعاده عن المشهد بتقليص صلاحياته إلى أبعد الحدود، قبل أن يتم اعتقاله عام 1979.
واستمر سجنه أشهر عدة قبل أن يفرج عنه ليخرج من المشهد السياسي عام 1992 حيث انهزم في الانتخابات الرئاسيات أمام المرشح معاوية ولد سيدي أحمد الطائع، الذي كان قد أطاح رفيقه العقيد محمد خونا ولد هيدالة، وأرسله في رحلة سجن طويلة عانى خلالها الإهانة وسوء ظروف السجن، قبل أن يفرج عنه عام 1989.
فيما تعرض الرئيس المدني المنتخب، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لاعتقال دام عدة أشهر في دار الضيافة بقصر المؤتمرات بالعاصمة نواكشوط، وطوال هذه الفترة ظل عرضة لضغوط ومفاوضات واسعة من أجل أن يتنازل عن شرعيته بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وفي نهاية المطاف خرج ولد الشيخ عبد الله إلى قرية المدن حيث أقام هناك طيلة السنوات العشر الماضية، معتزلاً السياسة، ومعتكفاً بين مسجده وأوراده. واليوم تدور الدائرة على الرئيس السابق، الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الموقوف حالياً في خضم أحداث لم تُعرف بعد كل تفاصيلها ومآلاتها.