أعلن رئيس مالي إبراهيم بوبكر كيتا في خطاب عبر التلفزيون الحكومي فجر اليوم الأربعاء استقالته من منصبه وحلّ البرلمان والحكومة، وذلك بعيد ساعات على إلقاء عسكريين متمرّدين القبض عليه وعلى رئيس وزرائه في انقلاب عسكري دانته الأسرة الدولية.
وقال كيتا في خطابه "أودّ في هذه اللحظة بالذات، وإذ أشكر الشعب المالي على دعمه لي على مدى هذه السنوات الطويلة وعلى دفء عاطفته، أن أبلغكم بقراري التخلّي عن مهامي، عن كلّ مهامي، اعتباراً من هذه اللحظة"، مشيراً إلى أنّه قرّر كذلك "حلّ الجمعية الوطنية والحكومة".
وأوضح كيتا (75 سنة)، وقد وضع كمامة على وجهه للوقاية من فيروس كورونا، أنّه بعدما انقلب عليه الجيش لم يعد أمامه من خيار سوى الاستقالة لأنه لا يريد إراقة أي قطرة دم.
وقال "إذا كان بعض عناصر قواتنا المسلّحة ارتأوا اليوم أنّ الأمر يجب أن ينتهي بتدخّلهم، فهل لديّ حقّاً خيار؟ أنا أرضخ لأنني لا أريد أن تراق أي قطرة دم من أجل أن أبقى في منصبي".
"لجنة وطنية لإنقاذ الشعب"
وعلى الإثر، أعلن العسكريون الذين استولوا على الحكم في مالي تشكيل "لجنة وطنية لإنقاذ الشعب"، وأكدوا أن كل الاتفاقات الدولية ستُحترم. كما دعوا إلى انتقال سياسي مدني يؤدي إلى "انتخابات عامة" خلال "مهلة معقولة" في مالي.
وقال الناطق باسم العسكريين اسماعيل واغي مساعد رئيس أركان سلاح الجو، في كلمة عير التلفزيون الحكومي "نحن، قواتنا الوطنية المجتمعة داخل اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب، قررنا تحمل مسؤولياتنا أمام الشعب وأمام التاريخ".
وفي وقت سابق، قال أحد قادة المتمردين لوكالة الصحافة الفرنسية طالباً عدم كشف هويته "يمكننا أن نؤكد لكم أن الرئيس ورئيس الوزراء في قبضتنا. لقد تم اعتقالهما في منزل" الرئيس، فيما ذكر مصدر عسكري آخر في معسكر المتمردين أن "الرئيس كيتا ورئيس الوزراء بوبو سيسيه في آليّة مدرعة تتّجه إلى كاتي"، القاعدة العسكرية في ضاحية باماكو من حيث بدأ التمرد.
وسيطر المتمردون على القاعدة والشوارع القريبة قبل التوجه ضمن قافلة إلى وسط العاصمة. وفي باماكو استقبلهم متظاهرون تجمعوا للمطالبة برحيل الرئيس في محيط ساحة الاستقلال مركز حركة الاحتجاج التي تهز مالي منذ أشهر قبل أن يتوجهوا إلى مقر إقامة الرئيس بحسب المصدر نفسه.
غوتيريش يدعو للإفراج الفوري عن رئيس مالي
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الثلاثاء بـ"الإفراج الفوري وغير المشروط" عن رئيس مالي وحضّ "كل الفرقاء المعنيين، بخاصة قوات الدفاع والأمن على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس".
وقال المتحدث ستيفان دوجاريك في بيان "الأمن العام يدعو إلى إعادة النظام الدستوري وسيادة القانون في مالي فوراً". ويعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً الأربعاء لمناقشة الأزمة في جلسة مغلقة بناء على طلب فرنسا والنيجر التي تترأس راهناً المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وفق ما أفاد مصدر دبلوماسي.
وأكد مدير الإعلام في الحكومة المالية اعتقال الرئيس ورئيس وزرائه. وسارع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد إلى التنديد "بشدة" بخطوة المتمرّدين. وكتب في تغريدة "أدين بشدة اعتقال الرئيس ابراهيم بوبكر كيتا ورئيس الوزراء بوبو سيسيه واعضاء آخرين في حكومة مالي وادعو إلى الإفراج عنهم فوراً".
مجموعة إيكواس تغلق حدودها مع مالي
من جانبها، دانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) مساء الثلاثاء إطاحة "عسكريين انقلابيين" في مالي بالرئيس وحكومته، مطالبة الانقلابيين بالإفراج فوراً عن الرئيس ورئيس وزرائه ومتوعّدة إياهم بسلسلة إجراءات بما فيها عقوبات مالية.
وقالت إيكواس، التي تضمّ إلى مالي 14 دولة أخرى، في بيان إنّها قرّرت تعليق عضوية مالي في هيئاتها التقريرية وإنّ أعضاءها سيغلقون حدودهم البرية والجوية مع هذا البلد وسيطلبون فرض عقوبات على الانقلابيين.
كذلك قرّرت دول المجموعة "إغلاق جميع الحدود البرية والجوية وكذلك وقف جميع التدفقات والمعاملات الاقتصادية والتجارية والمالية بين (بقية) الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ومالي"، ودعوة "جميع الشركاء لفعل الشيء نفسه".
كما دعت المنظمة إلى "التطبيق الفوري لمجموعة من العقوبات ضدّ جميع الانقلابيين وشركائهم والمتعاونين معهم". وقرّرت إيكواس كذلك "إرسال وفد رفيع المستوى لضمان العودة الفورية للنظام الدستوري" في باماكو.
بدورها أعلنت النيجر التي تتولى حالياً الرئاسة الدورية لإيكواس أنّ قادة دول المجموعة سيعقدون الخميس قمة عبر الفيديو برئاسة رئيس النيجر محمدو إيسوفو للبحث في "الوضع في مالي".
قلق دولي
وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل "لا يمكن لذلك أن يكون رداً على الأزمة الاجتماعية والسياسية العميقة التي تضرب مالي منذ أشهر عدة". وقبل إعلان اعتقال الرئيس أعربت مجموعة دول غرب إفريقيا وفرنسا والولايات المتحدة عن قلقها ونددت بأي محاولة للاطاحة بالسلطة.
وبحث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأزمة في باماكو مع نظرائه في النيجر محمد يوسفو وساحل العاج الحسن وتارا والسنغال ماكي سال وأكد "دعمه التام لجهود الوساطة الجارية من دول غرب إفريقيا".
وقالت الرئاسة الفرنسية إن رئيس الدولة "يتابع من كثب الوضع ويدين محاولة التمرد القائمة". وينتشر 5100 جندي فرنسي في منطقة الساحل خصوصاً في مالي في إطار عملية برخان لمكافحة المتشددين.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان في بيان إن "فرنسا تبلغت بقلق أمر التمرد الذي حصل اليوم في مالي وتدين بشدة هذا الحدث الخطير"، مؤكدة ـن باريس "تشاطر المجموعة الاقتصادية لدول غرب ‘فريقيا الموقف الذي عبرت عنه ودعت فيه إلى حماية النظام الدستوري". وشدد لودريان على "تمسك فرنسا الكامل بسيادة وديموقراطية مالي".
وأوصت السفارة الفرنسية في مالي الرعايا الفرنسيين بتوخي الحذر. وذكرت السفارة في تغريدة على تويتر "نظراً للتوتر الذي تم الإبلاغ عنه هذا الصباح في 18 أغسطس (آب) في كاتي وباماكو، يوصى بشدة بالبقاء في المنزل".
كما عبرت الولايات المتحدة عن معارضتها أي تغيير للحكومة في مالي خارج الإطار الشرعي، حتى من قبل الجيش.
وأعلن المبعوث الأميركي لمنطقة الساحل بيتر بام عبر تويتر "نتابع بقلق تطور الوضع اليوم في مالي، ان الولايات المتحدة تعارض أي تغيير للحكومة خارج إطار الدستور سواء من قبل الذين هم في الشارع او من جانب قوات الدفاع والامن".
أزمات خطيرة
وتواجه مالي أزمة اجتماعية وسياسية خطيرة منذ يونيو (حزيران). وأعلنت المعارضة الإثنين تظاهرات جديدة هذا الأسبوع من أجل المطالبة باستقالة كيتا، وبلغت ذروتها باحتلال مكان رمزي في وسط باماكو يومي الجمعة والسبت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضاف إلى هذه المطالب السياسية "وضع اجتماعي وخيم"، وفق ما أشارت الإثنين المسؤولة النقابية سيديبي ديديو عثمان.
وتضم حركة 05 يونيو، التي تقود منذ يونيو أهم التظاهرات المناهضة للسلطة منذ انقلاب عام 2012، تحالفاً متنوعاً بين رجال دين وسياسيين ومنظمات من المجتمع المدني.
ورفضت الحركة، الخميس الماضي، اقتراحاً تقدم به وسيط دول غرب إفريقيا، الرئيس النيجيري السابق جودلاك جوناثان، من أجل الاجتماع بكيتا، مشترطة قبل ذلك بشكل خاص إنهاء "قمع" ناشطيها.
وفي 10 يوليو (تموز)، تحولت تظاهرة دعت إليها المعارضة إلى ثلاثة أيام من الاضطرابات الدامية.
وأسفرت المواجهات عن مقتل 23 شخصاً وأكثر من 150 جريحاً، بحسب المعارضة فيما تحدث رئيس الوزراء بوبو سيسي عن مقتل 11 شخصاً، والأمم المتحدة عن مقتل 14 متظاهراً.
ويعبر المحتجون عن استيائهم إزاء العديد من الأمور في واحدة من أفقر دول العالم، بدءاً من تدهور الوضع الأمني إلى عجز السلطات عن وقف العنف في البلاد والركود الاقتصادي وفشل خدمات الدولة والفساد في عدد من المؤسسات.
وأضيف إلى هذه الأزمات قرار المحكمة الدستورية بإلغاء نتائج نحو 30 مقعداً في الانتخابات التشريعية التي انعقدت في مارس (آذار)- أبريل (نيسان).