يسجل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني صعوداً كبيراً هذه الأيام. وفيما سعر الصرف الرسمي المتداول داخل المصارف السودانية 55 جنيهاً للدولار الواحد، كان السعر في السوق الموازية 170 جنيهاً للدولار. هذا الفارق الكبير أثار مخاوف السودانيين الذين يرون في ما يحدث انهياراً للاقتصاد السوداني. ويعزو اقتصاديون سودانيون التقتهم "اندبندنت عربية"، الارتفاع إلى إعلان الحكومة السودانية اتجاهها إلى إصدار حزمة إجراءات اقتصادية جديدة تتضمن زيادات في قيمة الدولار الجمركي، ورفع الدعم عن سلع إستراتيجية، فضلاً عن ضعف الأداء الاقتصادي للدولة، وعدم توافر احتياطي من العملات الأجنبية.
ويربط الاقتصادي حسن السنوسي، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، بين "ما يجري من تطورات سالبة أدت إلى هبوط العملة السودانية إلى مستويات متدنية مقابل العملات الأجنبية، بالقرارات التي أصدرتها الحكومة في شأن الموازنة المعدلة للعام 2020 اعتباراً من أول سبتمبر (أيلول) للأشهر الأربعة المقبلة. ومن أهم مؤشراتها زيادة سعر الدولار الجمركي من 18 إلى 30 جنيهاً سودانياً، وسعر الصرف من 55 إلى 120 جنيهاً سودانياً. إضافة إلى رفع الدعم كلياً عن المحروقات. وهو ما سيكون له تأثير كبير في السلع بعامة".
ويلفت السنوسي إلى "علاقة هذه القفزة في سعر الدولار بالمضاربات ولجوء التجار إلى تخزين السلع الرئيسية لبيعها لاحقاً بأسعار مرتفعة، أو رفع الأسعار من الآن". ويلاحظ "خيبة الأمل من وعود أصدقاء السودان الذين لم تتعدّ قيمة ما وعدوا به من دعم للحكومة الانتقالية السودانية الـ 1 في المئة".
تضخم وغلاء
ويذكّر السنوسي برفع سعر الدولار الجمركي قبل ثلاث سنوات، من 6 إلى 18 جنيهاً سودانياً، "من دون أن تتبعه حزمة إصلاحية وتعويضية. ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية إلى 30 جنيهاً، وواصل الصعود من دون توقف حتى أصبح سعر الدولار يتحكم بشكل مباشر بمجريات الحياة ومعاش الناس. فالمسألة عبارة عن حلقات متكاملة لا ينفصل بعضها عن بعض". ويشير إلى أنه "في غياب المعالجات، الوضع مرشح لمزيد من التضخم والغلاء".
ويضيف "من الأفضل لتدارك هذا الوضع، أن توقف الدولة تنفيذ تلك القرارات إلى حين إقرار الموازنة الجديدة لعام 2021، لأن تطبيقها سيؤدي إلى زيادة العجز لنحو 250 مليار جنيه سوداني (قرابة 4.5 مليار دولار)، ما يعني أن الحكومة ستتجه إلى الاستدانة من البنك المركزي، وبالتالي طباعة مزيد من النقود، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم".
ويعتبر السنوسي أنه "لا بد من إيجاد آلية لتخطيط الاقتصاد على واقع حقيقي يعتمد على الإنتاج، ووضع حزمة إصلاحات تجعل المواطن يشعر بها من خلال معالجات في العملية الإنتاجية، واحتواء ارتفاع سعر الصرف، فضلاً عن اعتماد سياسات اقتصادية ومالية متكاملة تتصدّى للتشوّهات في المجالين الاقتصادي والمالي".
أما العقوبات على السودان، فيعتبر السنوسي أنها كانت محدودة التأثير على مدى عقدين، فيما الأداء الاقتصادي اليوم يفاقم الأزمة". ويرى أن "الاستثمارات الأجنبية تحتاج إلى توفير بنية تحتية متطوّرة ومدخلات الإنتاج واستتباب الأمن في مواقع الإنتاج واستقرار سعر الصرف. وهذه المتطلبات عبارة عن صعوبات يواجهها المستثمر، على الرغم من أن السودان يعدّ أكثر البلدان العربية قدرة وجاذبية من ناحية تمتّعه بالموارد الطبيعية، خصوصاً في المجالين الزراعي والحيوانيّ. وهناك فرص عديدة متاحة، لكن العوامل المشجعة غير موجودة، بل طاردة".
معلومات وإشاعات
في السياق ذاته، يعتقد الدكتور هيثم محمد فتحي، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أنّ "الاقتصاد السوداني يتأثّر بالمعلومات والإشاعات أحياناً"، مذكّراً بأن "سعر الصرف كان يتحسّن خلال الفترة الماضية إلى أن تحدثت اللجنة الاقتصادية للطوارئ عن عقوبات على المتعاملين بالنقد الأجنبي وإقرار بعض السياسات والإجراءات لتصدير الذهب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوقف فتحي عند "خلل كبير في ميزان المدفوعات، إذ نجد أن فاتورة الاستيراد أكثر من عائدات الصادرات، ما يشكل ضغطاً مستمراً على الجنيه السوداني"، مشيراً إلى "لجوء الدولة إلى التمويل عبر الاستدانة من القطاع المصرفي وطباعة النقود لتحملها أعباء توفير مبالغ ضخمة تذهب في دعم الوقود والمحروقات والكهرباء. وهو إجراء يؤدي إلى مضاعفة التضخم الذي بلغ نسبة فاقت 140 في المئة. وكل ذلك بسبب الارتفاع المستمر للدولار مقابل الجنيه السوداني، حيث استمر الطلب على الدولار. فغالبية المواطنين تتهافت على شراء الدولار لأنها ترى أن الجنيه السوداني في حالة تدهور مستمر، خصوصاً بعد إعلان نية الحكومة رفع قيمة الدولار الجمركي ورفع الدعم عن الخبز والمحروقات والكهرباء، في ظل التراجع المتواصل لأداء القطاعات الإنتاجية الرئيسية في مجالَي الزراعة والصناعة".
ويؤكد فتحي أن معالجة هذا الوضع تتطلب إصلاح الدعم بالانتقال من دعم الاستهلاك إلى دعم الإنتاج لأنه من أكبر مستهلكات العملات الأجنبية في البلاد، إضافة إلى إيجاد حزمة اقتصادية إصلاحية بعيداً من الحلول الجزئية، والعمل على إعادة النظر بصورة جادة في السياسات المالية والنقدية.
تعديل الموازنة
وأجرت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي السودانية نهاية يوليو (تموز) الماضي، تعديلاً على موازنة العام الحالي 2020، التي تقدر إجمالي إيراداتها بـ 287 مليار جنيه (قرابة 5.2 مليارات دولار) وبعجز نسبته 2.8 في المئة، ومعدل نمو 3.1 في المئة، وتضخم بنسبة 28.7 في المئة، ومصروفات بـ 626.6 مليار جنيه (11.3 مليار دولار تقريباً)، عطفاً على تصاعد أرقام العجز في الموازنة منذ بدء تنفيذها.
وأشارت وزيرة المالية المكلّفة هبة محمد علي خلال مناقشة مجلس الوزراء مشروع الموازنة المعدلة، إلى أن سبب التعديل هو الحاجة إلى تبنّي سياسات من شأنها تخفيف التأثير السلبي لجائحة كورونا في الوضع الاقتصادي، إذ انخفضت الإيرادات العامة بنسبة 40 في المئة، مشيرة إلى أن العجز أصبح كبيراً جداً، من دون تحديد رقمه.
وأكدت أن تلك التطورات تطلبت مراجعة الميزانية واتخاذ إجراءات طوارئ، من بينها التعديل التدريجي لأسعار الصرف والدولار الجمركي على مدى عامين للوصول إلى السعر الحقيقي.
وأوضحت الوزيرة أن محفظة خاصة للسلع الإستراتيجية أنشأتها اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية سيتم عبرها ترشيد سعر الوقود من طريق السماح للقطاع الخاص باستيراد كميات غير محدودة من البنزين والغازولين، متوقعة حدوث نمو اقتصادي متدرج خلال 3 سنوات بثماني نقاط يخرجه من مؤشر النمو السلبي الحالي، ويساعد في المديين المتوسط والبعيد على التحكم في التضخم.
وكشفت أنّ الموازنة المعدلة تستمر في دعم القمح والأدوية وغاز الطبخ، متوقّعة حصول السودان على 1.8 مليار دولار من المانحين الدوليين نتيجة مؤتمر شركاء السودان. وأعلنت أن الموازنة تلحظ المساعدات الدولية لبرنامج دعم الأسر بمبلغ 484.7 مليون دولار.
وبلغت نسبة التضخم في البلاد بحسب الجهاز المركزي للإحصاء السوداني في يونيو (حزيران) الماضي 136.36 في المئة، بسبب ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات، مثل الخبز والحبوب والبقوليات واللبن الطازج والمسحوق والجبن والبيض والشاي، إضافة إلى ارتفاع أسعار النقل، وذلك لارتفاع أسعار الوقود وغيرها من أسباب.