جدّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تعهده بحل جميع المجالس المنتخبة في البلاد (البرلمان والمجالس الولائية والبلدية) في فترة لن تتجاوز ثلاثة أشهر، بما يعطي مجالاً واسعاً أمام تكتلات سياسية، معظمها غير حزبي، لولوج المجلس النيابي، والمجالس المحلية، التي يهيمن عليها تيار وطني، وتيار إسلامي (الإخوان).
وأسّر رئيس الجمهورية، لوفد حزبي التقاه نهاية الأسبوع الماضي على هامش عرض ما سمي "مبادرة القوى الوطنية للإصلاح"، أن نيته حلّ المجالس المنتخبة لم تتغير البتّة، ومعلوم أن تبون كان يرافع لتغيير جذري يشمل جميع المجالس المركزية والمحلية، لكنه أجّل الفصل في الملف بسبب كورونا إلى درجة الاعتقاد أنه تراجع عن هذا الوعد.
وقالت "حركة البناء الوطني"، التي كانت ضمن الوفد الذي التقى تبون، إن رئيس الجمهورية جدد تعهده الاستجابة لتطلعات حراك الملايين في بناء جزائر جديدة، تستمد شرعيتها من إرادة الشعب الحرة، وتستمر في مكافحة صارمة لكل أشكال الفساد، مضيفة "الاستفتاء على الدستور سيكون قبل نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2020"، بيد أن الأكثر أهمية "إعلان الرئيس أنه بعد تصويت الشعب على الدستور، سيتمّ حلّ كل المجالس المنتخبة، والتعجيل باعتماد الأحزاب قيد التأسيس والجمعيات ومعالجة ملف مساجين المأساة الوطنية".
وتنتهي الولاية البرلمانية الحالية في ربيع سنة 2022، بينما تنتهي ولاية المجالس المحلية والولائية في خريف السنة نفسها (48 مجلساً ولائياً، و1541 مجلساً بلدياً).
التيار الوطني والإسلامي
منذ انتخابات البرلمان سنة 1997 (ثلاثة أشهر فقط بعد تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي) هيمن حزبان مقربان من السلطة على نتائج جميع الانتخابات، مع فترات متقطعة تبادلا خلالها أدوار الغالبية (التجمع، وجبهة التحرير الوطني)، يضاف إليهما التيار الإخواني الذي احتكر المرتبة الثالثة ضمن فكرة "محاصصة" من تدبير دوائر نافذة في السلطة منحت هذا التيار دوراً سياسياً بارزاً على أمل تحييد التيار السلفي الجهادي، الذي تتهمه السلطة السابقة بإذكاء العنف في البلاد، وتغذية خطاب الإرهاب.
يذكر الوافي بوشماخ، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية لـ"اندبندنت عربية" أن "تنظيم انتخابات برلمانية ومحلية مسبقة يبقى أحد الحلول نحو تغيير في الساحة السياسية، على الرغم من أن الوقت لا يبدو كافياً أمام نشأة قوى شبابية جديدة، نعرف جيداً أن الانتخابات تحتاج إلى قواعد مهيكلة، في هذه الحالة الأمل الوحيد أمام بروز قوى جديدة في البرلمان وباقي المجالس هو رفع السلطة يدها كلياً عن تنظيم الانتخابات، أو التفكير في صناعة الفائز كما كان يحدث في السابق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف بوشماخ "جزء كبير من الجزائريين ممن يوافق على العملية الانتخابية لا يرغب في استعادة المشهد البائس نفسه، الذي هو عليه البرلمان حالياً، لقد حولت أحزاب التحالف وأحزاب إسلامية هذا الأخير إلى غرفة تسجيل قوانين بعيداً تماماً عن دور الرقابة والتشريع وصناعة كتلة موازية للسلطة التنفيذية"، وعليه يقول "الأمر الآن في ملعب السلطة، إن كانت جادّة في أمر التغيير، فإن الانتخابات المبكرة ستقدم من دون أدنى شكّ كتلاً من مشارب سياسية مختلفة".
برلمان غير متحزّب
إذا كانت علاقة الرئيس الجزائري بالأحزاب السياسية "فاترة" إلى حدّ "النفور" وفقاً لتصريحاته الأخيرة، فهل سيكون ذلك دافعاً لمحافظي الولايات المكلفين بالتحضير اللوجستي للانتخابات لـ"رفع اليد" عن منح الدعم لأيّ من المتنافسين المتحزبين؟، وفي هذا الشأن، أعلن رئيس البرلمان الحالي سليمان شنين، نهاية الأسبوع الماضي أن "رئيس الجمهورية أمر بمساعدة مالية للحملات الانتخابية للشبان الذين يترشحون للانتخابات التشريعية المقبلة من أجل الرفع النوعي من عدد النواب الشباب في المجلس الشعبي الوطني".
ويقول الأستاذ الجامعي عيسى حوراني لـ"اندبندنت عربية"، "أتصور أن تبون يرغب في تشجيع المجتمع المدني لدخول المجالس المنتخبة، لقد طفح كيل الجزائريين من هذه المحاصصة المستمرة منذ أكثر من عقدين ما بين تيارين اثنين"، مضيفاً "الجبهة والتجمع غير قادرَين اليوم على مناقشة قرارات تبون، يكفيهما أن الرئيس لم يصدر قراراً بحلهما نهائياً، مثلما كان يطالب الحراك، وأظن أن نهاية هذين الحزبين قد تم توقيعها منذ أكثر من سنة".
أما عن التيار الإسلامي القريب من الإخوان فيقول "بدوره كان شريكاً في مؤامرات السلطة السابقة سواء بالتحالف المباشر، أو بدخول جميع الانتخابات المزورة بخطاب معارض، لقد ساهم في تزكية النتائج، وكل عملية انتخابية مطعون فيها"، وتابع "استفاد هذا التيار في فترة التحالف الرئاسي من مزايا لعبة السلطة، فقد قبل الصفقة القائمة على تشجيع دور سياسي لأحزاب إسلامية، بما يغطي على إلغاء المسار الانتخابي، الذي فازت به الجبهة الإسلامية للإنقاذ سنة 1991 ."
دور السلطات الخفية
معلوم أن نتائج الانتخابات، التشريعية أو المحلية، ظلت نفسها مع تعديلات بسيطة خلال العقدين الماضيين، وشكلت آخر انتخابات جرت عام 2017 استمراراً للنهج نفسه، فقد استمرت "جبهة التحرير الوطني" في حصد الغالبية بـ 164 نائباً من أصل 462 متبوعة بـ"التجمع الوطني الديمقراطي" بـ97 مقعداً، وثالثاً "حركة مجتمع السلم" بـ33 مقعداً.
أما المجالس المحلية (مجالس ولائية وبلدية)، فجاءت النتائج شبيهة لصالح "جبهة التحرير الوطني" بـ603 بلديات، وبعدها الوطني الديمقراطي الذي حاز 451 بلدية، وحققت "جبهة المستقبل" المرتبة الثالثة صانعة المفاجأة على الرغم من كونها حزباً حديث النشأة (2012).
عن هذه المعادلة يفيد حوراني بأن "جميع الفعاليات السياسية تعلم يقيناً دور السلطات الخفية في العقدين الماضيين في صناعة أرقام نتائج التشريعيات وحتى الرئاسيات، توزيع المقاعد كان يتم على حساب الولاء، وفي مرتبة ثانية على حساب التوزيع التقليدي الذي تقرره أجهزة أمن الجيش السرية والذي ارتكز طويلاً على ثنائية التيار الوطني الديمقراطي الموالي والتيار الإسلامي الإخواني".
سلطة الانتخابات
انتقل تنظيم العملية الانتخابية بمفهوم الإشراف إلى السلطة المستقلة للانتخابات، التي تأسست السنة الماضية، ويرأسها وزير العدل السابق محمد شرفي، وقد أشرفت الأخيرة على تنظيم الرئاسيات السابقة، التي لم يطعن فيها أي من المنافسين الأربعة للرئيس الفائز عبد المجيد تبون.
تحظى الأخيرة بصلاحيات واسعة، لا سيما مراقبة السجل الانتخابي، وتسليم محاضر الفرز. وهي عملية كانت موكلة في السابق لمحافظي الولايات المعينين بمراسيم رئاسية، وعلى هذا الأساس ستكون هيئة شرفي أمام أهم موعد انتخابي بعد الرئاسيات الماضية، بما أنه أول اختبار لنوايا السلطة في فتح العملية السياسية المغلقة لعشرات السنين.