"كأداةٍ للعقوبة والتأديب" تستخدم السلطة الفلسطينية التوقيف المؤقت للناشطين السياسيين المعتقلين على خلفية قضايا "الرأي والتعبير"، وذلك في ظل عدم تجريم القانون الفلسطيني تلك المُمارسات بحسب مختصين قانونيين ومُحامين.
وشهدت الأشهُر الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في عدد حالات اعتقال الناشطين السياسيين على شبكات التواصل الإجتماعي بتُهم تتراوح بين "ذم السلطة والقذف والتشهير وإثارة النعرات الطائفية".
توقيفات
كانت محكمة صلح نابلس قد مدَّدت توقيف الفنان الفلسطيني عبد الرحمن الظاهر لمدة أسبوع تنتهي غداً الثلاثاء 25 أغسطس (آب)، ويتوقع تجديدها بتُهمة "الذم الواقع على السلطة العامَّة" عقب اعتقال جهاز الأمن الوقائي له الأسبوع الماضي.
وكان الظاهر قد انتقد السلطة الفلسطينية في منشور عبر حسابه على "فيسبوك"، بشأن الهجوم الذي شنَّته على دولة الإمارات بعد إعلان اتفاقها مع إسرائيل، قائلاً إن "آخر من يحِقُّ له التعليق هي السلطة الفلسطينية".
كما اعتقل جهاز الأمن الوقائي، الأحد 23 أغسطس الحالي، الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، نزار بنات، المعروف بانتقاداته الحادَّة لمسؤولين فلسطينيين من بينهم رئيس الوزراء محمد اشتية. وذكرت مصادر في النيابة العامة الفلسطينية أن نزار بنات موقوف على "ذمة نيابة دورا" في قضيتين جزائيتين منفصلتين، الأولى "إصدار شيك من دون رصيد"، والثانية "الذم الواقع على سلطة عامة"، خلافاً لقانون العقوبات الساري، مضيفةً أنه موقوف لمدة 48 ساعة الى حين اتخاذ المُقتضى القانوني بحقِّه.
وكانت الأجهزة الأمنية الفلسطينية قد اعتقلت في يوليو (تموز) الماضي، 22 شخصاً لأسابيع، خلال محاولتهم تنظيم وقفة ضد الفساد بتُهمتي "التجمهُر غير المشروع"، و"كسر قرار منع التجمُّع للحد من انتشار وباء كورونا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"تربية الفلسطينيين"
توقَّع عصام عابدين، المتخصص في الشؤون القانونية، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "تصعيد السلطة الفلسطينية حملة الاعتقالات على خلفية الرأي والتعبير سببه الأزمة العميقة في النظام السياسي، والفشل في التعامل مع جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وعدم وجود إرادة لمحاربة الفساد". وأضاف عابدين أن "السلطة الفلسطينية تستخدم التوقيف كعقوبة لتربية الفلسطينيين بسبب عدم تعارُض قضاياهم مع القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور)، وقانون العقوبات، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية"، مشيراً إلى أن "نقد الشخصيات العامة حتى وإن كان جارحاً، يضمنه القانون".
كذلك، قال عضو مؤسسة "محامون من أجل العدالة"، المحامي مهند كراجه الذي يُدافع عن عبد الرحمن الظاهر، إن التحقيق جارٍ مع مُوكِّله حول برنامجه التلفزيوني الساخر الذي كان يُبَثُّ على قناة "رؤيا" الأردنية، الذي انتقد فيه أداء السلطة الفلسطينية. وأضاف كراجه أن "النيابة العامة تمثل الحكومة، وهي من يُحرِّك تلك القضايا ضد الناشطين"، مشيراً إلى أن "كل المتهمين بقضايا ذم السلطة، والقذف والتشهير، وإثارة النعرات الطائفية، يحصلون على البراءة من المحاكم، في حين يتم الإفراج عن معظمهم قبل المحاكمة".
وأشار كراجه إلى أن التوقيف يُعتبر "عقوبة"، وتعتمده السلطة الفلسطينية كمُمارسة بسبب عدم مخالفة الناشطين قضايا حرية الرأي والتعبير المُدرجة في القانون الأساسي، وعدم وجود قانون للتعويض عن الاعتقال التعسُّفي.
وقد تصل مدة التوقيف إلى 45 يوماً في الجُنح التي يندرج تحتها "ذم السلطة، والقذف والتشهير، وإثارة النعرات الطائفية"، وإلى ستة أشهر في حالات الجرائم.
يُذكر أن محكمة صلح نابلس قد برَّأت قبل ثلاث سنوات الأكاديمي الفلسطيني عبد الستار قاسم من تُهَم "قذف مقامات عُليا، وشتمها، والتحريض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس" خلال مقابلة تلفزيونية. واعتبر المتخصص في الشأن القانوني ماجد العاروري أنه "لا تُوجد مسوغات قانونية لتوقيف الناشطين السياسيين على خلفية نشر آرائهم"، مضيفاً أنه لا تنطبق عليهم جُنح "القدح والذم"، وأن القانون الفلسطيني يضمن انتقاد الشخصيات العامة شرط عدم المسِّ بكرامتهم الشخصية. واتَّهم العاروري السلطة الفلسطينية "بإساءة استخدام قانون العقوبات الأردني بهدف تخويف الناس، والتضييق على نشر آرائهم".