استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رئيس السلطة المستقلة للانتخابات اليوم الإثنين 24 أغسطس (آب) وأعلن الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، موعداً لإجراء الاستفتاء الشعبي على مشروع تعديل الدستور، وذلك بعدما بدا أن الأسابيع المقبلة ستكون "الفيصل" في مسألة عودة الحراك الشعبي الجزائري من عدمه، بعدما شهدت بعض مناطق البلاد محاولات تنظيم مسيرات قابلتها الأجهزة الأمنية بالمنع والاعتقال، وفي حين حذر تبون من "ثورة مضادة"، تحركت أطراف تدعو للخروج إلى الشارع لاستئناف مسيرة 22 فبراير (شباط) 2019.
عودة بعد 5 أشهر
بعد 5 أشهر من تعليق التحركات الشعبية بسبب جائحة "كورونا"، عاد الحراك الشعبي ليفتن رواد مواقع التواصل الاجتماعي ويأخذ نصيباً في حديث وسائل الاعلام؛ إذ حاول ناشطون في مدن جزائرية عدة كسر الحظر المفروض على المسيرات والتجمهر في إطار الإجراءات المتخذة لمواجهة الأزمة الصحية، إيذاناً بعودة الحراك. وعلى الرغم من محدودية المشاركين فإن إعلانها عن "الجمعة 79"، يكشف عن أن النواة التي تقود الحراك تتمسك بالاستمرارية، وبالتالي تبقى العودة إلى الشارع مسألة وقت.
ولم تبرز في التظاهرات الجديدة مطالب استثنائية خارج سياق الشعارات المركزية للحراك، على الرغم من أن أغلب ما رفعه حراك 22 فبراير 2019، تحقق، ما يفتح أبواب التساؤل حول المغزى من العودة إلى الشارع، ما قد يمنح السلطة "الحجة" لمنعه، وقد بدأت تباشير ذلك بالظهور مع اعتقال عدد من الناشطين.
اختطاف الحراك
رأى الصحافي الجزائري محمد دلومي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه "يجب أن نعرف حقيقة الحراك حتى نجيب عن كل الأسئلة". واعتبر أن "الحراك الحقيقي هو ذلك الذي خرج فيه الشعب بكل أطيافه بمطالب واحدة تحت راية واحدة، وما حدث بعد ذلك فهو خطف للحراك وحرفه عن أهدافه الحقيقية"، مضيفاً بخصوص حملة الاعتقالات التي صاحبت محاولات تحريك الشارع، أن "الأمر طبيعي لأسباب عدة أهمها أن هذا التحرك جاء بناءً على تحريض من حركة (رشاد) وما يعرف بجماعة لندن وباريس وأنقرة، فضلاً عن الجماعات العنصرية وبعض الأطراف التي كانت في مناصب سامية خلال سنوات التسعينيات".
وتابع دلومي أن "الذين يعارضون المسار الديمقراطي اليوم، هم من باركوا حكم العسكر في التسعينيات، وهم يحاولون تقمص دور الممثل الشرعي للحراك"، موضحاً أنه "في ظل الأوضاع الحالية لا يوجد عاقل يمكنه الذهاب إلى عصيان مدني، وبخاصة مع وجود مؤشرات إيجابية في توجهات السلطة". وأضاف أن "الحراك لم تكن له قيادة على الرغم من محاولات اختراقه، لكن هناك جهات اليوم، تريد تقديم نفسها على أنها رؤوس الحراك، بعضها يوجد في المهجر، والأخرى داخل أجهزة السلطة، يحاولون تحريك الشارع من خلال عرقلة المشاريع، بل وحتى القيام بعمليات تخريبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اعتقالات في الداخل وتظاهر في الخارج
في السياق ذاته، تظاهر نحو 300 ناشط وداعم للحراك الشعبي، أمام مقر الأمم المتحدة بجنيف في سويسرا، للتنديد بما وصفوه "الاعتقالات التعسفية" في الجزائر، أغلبهم قدموا من فرنسا، حيث رفعوا شعارات الحراك وصور المعتقلين، وهتفوا بعبارات ضد النظام والمؤسسة العسكرية الجزائرية. ووجه الناشطون رسالة الى مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، تستنكر "الانتهاكات الصارخة للحقوق الأساسية للشعب الجزائري، ومنها الاعتقالات والحبس التعسفي". وتدعو الرسالة إلى تذكير الحكومة الجزائرية بالتزاماتها القانونية الدولية، مشيرةً إلى أن الأمر "لا يتعلق بطلب تدخل أجنبي، وإنما مجرد تذكير بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للأمم المتحدة".
مخاوف من ثورة مضادة
من جهة أخرى، قال الحقوقي حسان براهمي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إنه "من الصعب جداً حالياً، التفريق بين من يريد إعادة إحياء الحراك المبارك كقوة ضغط لتحقيق التغيير الشامل للنظام، ومن يريد مجرد تظاهرات للعصيان وإثارة الفوضى السياسية استجابةً لعصابة ما، سواء كانت داخلية أو خارجية". وأوضح أن "الرئيس تبون أعلن في خطاب رسمي، عن وجود مخطط لثورة مضادة، واستعمل العبارة القوية (القطار انطلق) للرد عليهم"، مضيفاً أن الأيام المقبلة وحدها كفيلة بكشف النيات الحقيقية لكل طرف في الحراك، والشيء الوحيد المؤكد هو أن وعي الشعب الجزائري تحصن، ووحده لديه البوصلة الحقيقية لمعرفة مصلحة الجزائر، وعليه فالوعود الوردية لهؤلاء أو الدعوات السوداء لأولئك لن تخدع الشعب".
وكانت السلطات نشرت قوات أمن بزي مدني في مدن عدة بالبلاد، بعد دعوات ناشطين ومكونات في الحراك للعودة إلى الشارع واستئناف التظاهرات المعلقة منذ مارس (آذار) الماضي بسبب أزمة كورونا، حيث تعتمد الأطراف التي تدفع للخروج إلى الشارع، على إخفاقات الحكومة، مثل مشكلات انعدام السيولة النقدية، ونقص المياه والكهرباء، واعتقال وسجن صحافيين وناشطين.
قوى تدفع نحو الانزلاق والعنف
حذر يوسف أوشيش، الأمين العام الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية، عميد أحزاب المعارضة، من وجود "قوى تتحرك من أجل تأزيم الأوضاع والدفع نحو الانزلاق والعنف في الجزائر"، موضحاً أن "البلاد تحتاج إلى إعادة بناء إجماع وطني قصد تشييد مؤسسات سياسية حقيقية، من خلال فتح حوار شامل يشارك فيه الجميع دون إقصاء، بعيداً عن تكتلات الأجهزة مجهولة المساعي". ودعا أوشيش "الجزائريات والجزائريين إلى الحفاظ على تعبئتهم ويقظتهم من أجل إجهاض كل محاولات الاستغلال، قصد جرّ الحراك الشعبي المتسم بالوحدة والسلمية إلى فخ المواجهة". وقال إن "هناك قوى تنشط بطريقة خبيثة ومنظمة قصد تمديد عمر الانسداد، وتأزيم الأوضاع واستدراج البلاد إلى فخ الانزلاق إلى الفوضى والعنف".
في المقابل، عبر الناشط السياسي باسعيد عيسى، عن اعتقاده أن "تواصل الاعتقالات الجماعية مؤشر على العودة إلى فترة زمنية ليست ببعيدة، حيث كانت السلطة تمنع أي تجمعات أو مسيرات، في رغبة منها لضرب أي انتفاضة شعبية مستقبلاً وفرض الأمر الواقع سياسةً ومنهجاً"، محذراً من أنه "أمر في غاية الخطورة، وقد يزيد الوضع احتقاناً، نظراً إلى تعنت الجهتين". وأردف أن "الدعوات إلى عصيان مدني لا تلقى تجاوباً لو حدثت، بل قد تحظى بدعم من منطقة واحدة معروفة بمعاداتها للسلطة منذ الاستقلال"، مبرزاً أن "السلطة جست نبض الشعب منذ توقف الحراك الشعبي وأدركت أن سياسة التخويف والقمع قد تأتي بنتائج لمصلحتها، حيث يبدو أن النظام مسيطر على الوضع، وقد يفصح عن قرارات تخدم سياسته مستقبلاً وتستميل فئة من الشعب ظلت مترددة بين المعسكرين. وقد تشهد الجزائر في الأيام المقبلة مزيداً من التقييد في الحريات بعدما كسب النظام دعم الدول الكبرى لصالحه".